شمس الدّين سامي لُغويّ وأديب عثمانيّ متميّز ألف بالعربيّة
بقلم د. مصطفى الستيتي
يعدّ شمس الدّين سامي من المثقفين العثمانيّين البَارزين، عاش في النّصف الثاني من القَرن التّاسع عشر، وساعده إتقانه لعدة لغات على الانفتاح على الحضارة العربيّة وكذلك على الحضارة الغَربية. وكتب في اللّغة والأدب والحضارة، وترجم عدة مؤلّفات. ومن الطريف أنه لم يكتب باللّغة التّركية فقط بل ألّف كذلك بالفرنسية والعربيّة، بل إنه أعد قواميس في هاتين اللّغتين، وهذا لا يتأتّى إلا لمن كانت له معرفة دقيقة ومتقنة بهاتين اللّغتين، فمن هو شمس الدّين سامي، وما علاقته بالحركة العلميّة والثّقافية في عهده، وما هي أبرز مؤلفاته؟
ولد شمس الدين سامي في ألبانيا عام 1850م وتوفي باسطنبول عام 1904م. عندما توفّي أبوه وأمّه كان هو ما يزال طفلاً لم يتجاوز سن المراهقة، فتربى مع إخوته الخمسة في كنف أخيه. تعلّم اللّغات الرّومية واليونانيّة والفرنسيّة والايطاليّة والعربية والفارسية في مدارس يانيا بألبانيا. اِشتغل في البداية في قسم المطبوعات في اسطنبول وبذلك بدأت حياته في مجال الكتابة والنّشر . وفي هذه الأثناء ترجم كتاب “مُجمل تاريخ فرنسا” ثم بدأ يكتب في صحيفة “الحَديقة” التي أصدرها أبو الضياء محمد توفيق.
نشر أول رواية له عام 1873م. وبعد إغلاق صحيفة “الحديقة” بدأ بإصدار صحيفة أخرى أسماها “السّراج”، وعمل فيها محرّرًا ومترجمًا. وعلى إثر نفي أبي الضّياء ونامق كمال اضطرّ إلى ترك العمل الصّحفي لمدة من الزمن. ثم عمل محرّرا في صحيفة “طرابلس الغرب” ومجلّة “المحرر” التي شرع أبو الضياء في إصدارها في يناير عام 1876م. وفي عهد السّلطان عبد العزيز رجع أبو الضياء توفيق من منفاه، وبدأ شمس الدّين سامي في إصدار جريدة “صباح”، ولقيت الصّحيفة إقبالاً واسعًا، وظلّ رئيسًا لتحريرها مدّة حوالي العام.
وفي هذه الأثناء اندلعت الحرب العثمانيّة الرّوسية فذهب إلى يانيا وعمل هناك في كتابة “لجنة السّوقيات العسكرية” التي شكلها عابدين باشا. وفي العام نفسه عاد شمس الدّين سامي إلى اسطنبول وتسلّم العمل رئيسًا لتحرير صحيفة “ترجمان الشرق” . وفي هذه الأثناء انضمّ إلى تيار “الاتّحاد الألباني”، ثم قويت هذه الحركة السّياسية ونشط شمس الدّين سامي في مجال الكتابة للدّفاع عن ارتباط ألبانيا بالدّولة العثمانية، وكان يؤكد أن لا رغبة للألبان في الانفصال عن الدّولة العثمانية.
نشر شمس الدين سامي آراءه السّياسية في هذا الموضوع في بُخارست في كتاب بعنوان “ألبانيا، الماضي والحاضر والمستقبل” طبع بالفرنسية والتركية والألبانية. وفي عام 1879م أذن السّلطان عبد الحميد الثاني بإنشاء “الجمعية العلمية الألبانية”، وكان شمس الدين سامي من بين الأعضاء المؤسّسين لها رفقة أخيه عبدوك بك. وابتداء من عام 1879م شرع مع مهران أفندي في نشر سلسلة بعنوان “مكتبة الجيب” تناول فيها نشر كتب صغيرة في الحضارة الإسلامية مثل علم الفلك والجيولوجيا وغيرها من المواضيع، وهي عبارة عن موسوعة في شتى مجالات العلم والمعرفة.
استدعاه السّلطان عبد الحميد إلى القصر في عام 1880م وعيّنه في “لجنة التفتيش العسكري” ، وظل في هذه الوظيفة حتى آخر حياته. وكانت هذه الوظيفة بالنّسبة إليه فرصةً جيّدة لتأليف الكتب. ففي العام نفسه أصدر مجلة “العائلة”، وفي العام الموالي أصدر مجلة أخرى بعنوان “الأسبوع”. وقد نال شهرة كبيرة وحظوة عالية لدى السّلطان بعد أن ألف “القَاموس الفرنساوي”، فأغدق عليه بالهدايا والميداليات. وهذا القَاموس هو من أفضل القواميس التي كُتبت حتّى ذلك الوقت، وهو مهمّ لأنّ شمس الدّين سامي هو أوّل تركي يؤلف قاموسًا في هذا المجال. ويُقال إن هذا المعجم أغنى من معجم “لارُوس” ومن معجم “شابسال” Chapsal ، وقد أعدّه في مدّة قصيرة جدًّا لا تتعدّى العام الواحد.
كما أنهى عام 1901م مؤلفه المعروف “القاموس التّركي الفرنسي”. وقد فرغ من تأليفه في عامين بسبب الإقبال الشّديد على معجمه الأول. وقد كانت الحاجة ماسّة إليه بسبب انعدام قامـــــوس جيّـــد في اللّــــغة التركية. وفي الفــــترة ما بيــــن 1888 و 1899م نشر كتابه الموسوعي “قاموس الأعلام” الذي يتكّون من سبعة مجلّدات. وهو موسوعة في التّاريخ العام والجغرافيا والشّخصيات المشهورة. وهذا الكتاب قدّم خدمةً كبيرةً للعالم الإسلامي والشّرقي بفضل الموادّ الكثيرة التي احتوى عليها في هذا المجال، واستفاد المؤلف في إعداده من كُتب كثيرة. وبالنّسبة إلى الموادّ التي تتعلّق بالعالم الإسلامي فقد أعدّها اعتمادًا على مصادر جديدة وأصليّة وتوسّع فيها بشكل جيّد. أمّا مؤلفه “القاموس العربيّ”، فقد ذكر صاحبه أنّه سوف يكون في حجم معجم قاموس الفيروز آباداي مرّة ونصف المرة، بيد أنّه لم يصل إلاّ إلى حرف الجيم، ولم يُنشر منه سوى 504 صفحة.
ومن أبرز مؤلفاته كذلك “القَاموس التركي”، وقد أكمل فيه النّقص الموجود في مجال اللّغة التّركية منذ قرون، وهو من أهمّ كتبه إذ مازال يُحافظ على أهميته حتى الوقت الحاضر. وهو من أغنى وأفضل المؤلفات في عهده، وهو يمثل بحقّ نقلةً نوعيّة في علم اللّغة التركي. وحتى ذلك الوقت كان أسعد أفندي قد أصدر “لهجة اللّغة”، ولكنّه كان غير كافٍ بالمرة. أمّا كتاب أحمد وفيق باشا، فبالإضافة إلى بعض النّقائص التي كانت تعتريه كان ترتيبُه مليئًا بالخلط والفوضى.
كما أنّ لشمس الدّين سامي مؤلفات أخرى كثيرة منها: “الألفبا الصّغير”، “نواصول صرفي تركي”، و”التّصريفات العربيّة”، و”الأصول الجديدة للقواعد العربيّة”، و”التّطبيقات العربيّة”. كما أن له رواية يدُور موضوعها حول تزويج الفتاة أو الشّاب بمن لا يحبّ، والمشاكل التي تتولّد عن ذلك. ويُقال إنّ هذه الرّواية هي الأولى في الأدب التّركي التي تنتهج طريقة الرّواية الأوروبية. كما كتب شمس الدّين سامي بعض المسرحيات منها: “بسا أو عهد وفاء”، وهي تدور حول اليمين في بلدته “بسا”، وكتب مسرحية “سيدي يحيى”، ويتناول موضُوعها تاريخ الأندلس. وله كذلك رواية “قاوا”، ويتحدث فيها عن الوَضع في إيران.
كما أن له كتابًا بعنوان “الحضارة الإسلامية”، وهو يتحدّث عن الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى في جوانبها العلميّة والفنّية والاجتماعيّة، وما وصلت إليه من رقي وتأثيرها على الغرب. ولشمس الدّين سامي كتاب بعنوان “النّساء”، تناول فيه الحديث عن منزلة المرأة في الإسلام والأهمية التي أولاها إياها. وله كتاب آخر بعنوان “همّة الهمم”، تحدث فيه عن الإسلام وكيف انتشر في بقاع الأرض.
ما يزال اسم شمس الدّين سامي شبه مجهول لدى المثقّفين والمؤرّخين العرب رغم الجهود العلميّة الكبيرة التي بذلها هذا الرّجل لخدمة الثقافة والمعرفة. فما ألّفه شمس الدّين سامي يعدّ في غاية الأهمية، وقد كان يتميّز بثقافة واسعةٍ، واطلاع كبير. ورغم أهمّية مؤلفاته فإنّها إلى الآن لم تُنقل إلى اللّغة العربيّة. فكتاب “قاموس الأعلام” يقدّم صورة دقيقةً وتعريفًا مفصلاً عن المناطق العربيّة في تلك المرحلة، كما يسلط الضوء على طبيعة التّركيبة البشرية والتّقسيمات الإداريّة في هذه المناطق، ومن الضّرورة بمكان تعريبه حتى تنفتح عيُون الباحثين العرب عليه. كما أنّه من المهم إجراء دراسات وأبحاث حول مؤلّفاته باللّغة العربية والتي مازالت مجهولةً لدى العرب حتّى اليوم.
(المصدر: ترك برس)