شكر الله على هلاك الظالمين
بقلم د. أكرم كساب
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله،،، أما بعد،،
فلا شك أن الإنسان مجموعة من المشاعر والأحاسيس، وليس كما يتوهم البعض جثة متحركة، أو مجرد جسد يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؛ لذا فإن من الأحداث ما يفرحه ومنها ما يحزنه ويؤلمه، وما يسعد البعض يؤلم آخرين، ولا شك كذلك أن الإنسان ينبغي أن تكون مشاعره وأحاسيسه خاضعة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافق الشرع جئنا به، وما خالف الشرع تركناه استجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
والذي يقرأ القرآن يقف أمام قوله تعالى:{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام: 45)، إنه سبحانه يحمد نفسه بعد هلاك الظالمين؛ ولما لا، فهو سبحانه الحكيم العادل، وإهلاكه لظالم أمر يستوجب الحمد والشكر، لأنه أراح واستراح، وفي الصحيحين عن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ».
ولهذا عرف عن سلف الأمة شكر الله عند هلاك كل ظالم متكبر، فهذا إبراهيم النخعي لما مات الحجاج الحاكم الظالم فرح الناس، بل قالوا إن إبراهيم النخعي بكى فرحا.
وقيل لأحمد بن حنبل: الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب بن أبي دؤاد (المعتزلي الذي تزعم القول بخلق القرآن) عليه في ذلك إثم؟ قال: ومن لا يفرحُ بهذا؟ ولما أصيب ابن أبي داؤد بشلل نصفي، ففرح أهل السنة بذلك.
ولما مات أحد دعاة الإرجاء (عبد المجيد بن عبد العزيز) ووصل الخبر إلى عبد الرزاق الصنعاني قال: الحمد لله الذي أراح أُمة محمد، من عبد المجيد.
إن هلاك الظالم وأعوانه نعمة تستوجب الشكر، وفيها ما فيها من شفاء صدور أقوام أذاقهم الظالم بظلمه وبطشه، والله تعالى يقول: { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}(التوبة: 14، 15).
وهناك ملاحظات ينبغي الوقوف عندها:
1. لا يحكم على ظالم مهما كان ظلمه بأنه في نار، فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه، وإن شار أرضى خصومه منه.
2. لا يجوز الفرح بما عصي الله به، وإنما يكون الفرح لهلاك الظالم، وفرق بين الأمرين.
3. شتم الظالمين والنيل منهم ومن أعراضهم، أو التطاول على آبائهم لا يجوز، وفرق بين ذكر المساوئ والتطاول عليهم، وعند مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ»، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ»، قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ، فَقُلْتَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ»، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ، فَقُلْتَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ»؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ».
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)