بقلم فضيلة البروفيسور/ الأمين الحاج محمد ( رئيس رابطة علماء المسملين )
من مقتضيات الأخوة الإيمانية إغاثة الملهوف ونصره وعدم خذلانه والتخلي عنه، فهي مقدمة على أخوة النسب والأرحام الكافرين وأكد ذلك رسولنا الكريم: “المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله” [مسلم رقم: 2564]، (“انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً” قال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه _ أو تمنعه _ من الظلم فإن ذلك نصره”) [البخاري].
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله بسبع وذكر منها: “ونصر المظلوم” [متفق عليه].
وقال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه _ لعدوه” [متفق عليه].
وقال: “المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يخذله” [الترمذي رقم: 1928 وهو صحيح].
لقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاذلين لإخوانهم المسلمين بأن الله سيخذلهم في مواطن في الدنيا والآخرة يحبون فيها نصرته وغوثه وإعانته. بينما ينصر الله الناصرين لعباده فكما تدين تدان.
فعن جابر وأبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهم قالا: (قال رسول الله: “ما من امرئ مسلم يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره في موطن يحب فيه نصرته”) [أبو داود رقم: 4884] [والهيثمي في مجمع الزوائد ج7/267 وقال: رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن].
إذا كان هذا الوعيد فيمن يخذل المسلم فكيف بمن لم يقتنع بخذلان المظلوم بل يسعى وبكل الوسائل لنصر الظلوم الباغي؟ فهو شر الناس وأتعس وأظلم خلق الله انساناً.
فخير الناس من يغيث الملهوف، وشرهم عند الله وعباده من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم.
الأخوة الإيمانية ما هي إلا الثمرة الحقيقية لعقيدة الولاء والبراء، التي أضاعها جل المسلمين حكاماً ومحكومين، التي كانت سبباً لعز الإسلام ونصره بعد الله عز وجل.
فلن تقوم للإسلام قائمة ما دامت هذه العقيدة ضائعة، بل لم يكتف كثير من حكام الملسمين وعامتهم بعدم موالاة إخوانهم المسلمين حيث استعاضوا عن ذلك بمظاهرة الكفار والمنافقين من يهود ونصارى وغيرهم ضاربين بقول ربهم: “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ” [سورة البقرة: 120]. وبقوله:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” [سورة المائدة: 51]. وبقوله: “لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [سورة المجادلة: 22]. وغيرها من الآيات والأحاديث عرض الحائط.
أرجو أن تقارن أخي الحبيب بين نصرة وعدم خذلان وتسليم المسلم لأعدائه، الذي كان عليه أصحاب رسولنا والسلف الصالح، وبين خذلان وعدم نصرة وإغاثة المستغيثين في غزة وسوريا والعراق واليمن وغيرها من ديار الإسلام واكتفوا بالتفرج عليهم ونصر الظالمين وإعانتهم.
سنمثل لذلك بنموذجين فريدين:
أحدهما: للصحابي الجليل سعيد بن عامر الجمحي الذي كان عاملاً لعمر رضي الله عنهما على حمص، وكان أهلها كثيري الشكاية لعمالهم، لا يميزون بين صالح وطالح، فشكوه إلى عمر وكان من جملة ما أخذوه عليه عندما قال لهم عمر: ما تشكون منه؟ قالوا: يغنط الغنطة _ أشد الكرب وأجهده _ بين الأيام. قال: ما يقولون؟ _ أي ما جوابك على هذا المأخذ؟ قال: شهدتُ مصرع خُبَيْب الأنصاري بمكة وقد بضعت قريش لحمه، ثم حملوه على جذع فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمداً شيك بشوكة. ثم نادى: يا محمد. فما ذكرتُ ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال، وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم، إلا ظننت أنَّ الله لا يغفر لي ذلك الذنب أبداً. فتصيبني تلك الغنطة. فقال عمر: الحمد الله الذي لم يغيل _ يخيب _ فراستي) [صفة الصفة لابن الجوزي جـ1/666].
والثانية: لأبي البختري وكان مشركاً وقت ذاك
ذكر أصحاب المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: “إن بعض من يلقونكم في هذا الجيش خرجوا مستكرهين، فمن لقي منكم العباس فلا يقتله، لأنه أكرهه قومه على الخروج، ومن لقي منكم أبا البختري فلا يقتله” لأنه كان يحسن إلى بني هاشم في الشِّعب لما قاطعتهم قريش، وكان يعاملهم معاملة حسنة ولم يؤذهم.
فلما جاء أبو البختري المجذر بن زياد البلوي رضي الله عنه، قال له: أما أنت فقد نهانا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له زميل _ مشرك كذلك _ فقال له وزميلي؟ فقال: أما زميلك فلم ينهنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد المجذر أن يقتل زميله، فتعرض دونه وقال:
لا يُسلم ابنُ حرة زميلَهُ حتى يموت أَو يرى سبيله ولا يفارق جَزَعاً أكيله
وتراجز هو والمجذر رضي الله عنه وكان ذلك يقول:
أنا الذي أزعم أصلي من بلى أضرب بالحربة حتى تنثني
فقتله المجذر لما جاء دون زميله) [العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير اعتنى به وعلق عليه خالد بن عثمان السبت المجلد الخامس 2061 _ 2061].
هذان الموقفان من عربيين اصيلين وكانا مشركين غنيان عن التعليق ويبينان الفارق الواسع والبون الشاسع بين سلفنا الصالح الذين ازدادوا بدخولهم في الإسلام مروءة وصدقاً وبين حاضرنا التعيس البائس.
ورحم الله مالكاً عندما قال لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
اللهم ردنا إليك جميعاً رداً جميلاً، والحمدلله أولاً وأخيراً، وصلى الله وسلم على محمد بكرة وأصيلاً، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى اكتمال العدتين.
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)