مقالاتمقالات مختارة

شخصيات حق علينا معرفتها… أرطغرل كما لم تعرفه من قبل

شخصيات حق علينا معرفتها… أرطغرل كما لم تعرفه من قبل

بقلم مصطفى محمود زكي

يقال إن الفرصة قد تأتى للإنسان مرة واحدة، فإذا استغلها فقد ظفرَ وفازَ، وإن ضاعت منه فلن تتكرر، وقد اكون متفقاً بعضَ الشيء مع هذا القول.

ففي الجزء الأول منه، نراهُ قد يكون صحيحاً، حيث الفرصة قد تأتى في شكلها الذي جاءت به مرة واحدة، بحيث إن تجددت مرة أخرى، قد تكون الظروف غير مواكبة كما كانت في عهدها الأول، أما الجزء الثاني فنتفق معه ولكن مع ضرورة أن يكون استغلالها بما يرضى الله تعالى وفي إطار شرعه القويم، فلا تترك الكلمة هكذا مطلقة؛ لما قد تحمله من عوار في الفهم، وحديثنا عن شيء من هذا القبيل.

أرطغرل ابن سليمان شاه

فحديثنا عن شخصية عظيمة من شخصيات بنى عثمان الكبار الكرام، حديثنا عن رجل كان مقداماً شجاعاً، قد أقول إنه من نوادر الرجال، فحديثنا عن أحد المؤسسين الأساسين في تأسيس مُلك العثمانيين، فحقاً إن المؤسس الأول لها هو السلطان عثمان، والذي نسبت إليه الدولة، ولكن هذا التأسيس لم يأت هباءً أو عبثاً بل سبقه ترتيبات كثيرة وأحداث أكثر، من بينها الأحداث التي دارت مع شخصيتنا اليوم وهو أرطغرل ابن سليمان[1].

فالعثمانيون ينتسبون إلى قبيلة تركمانية كانت عند بداية القرن السابع الهجري الموافق الثالث عشر الميلادي وتعيش في كردستان[2]، وتزاول حرفةَ الرعي، ونتيجة للغزو المغولي في ذلك الوقت بقيادة جنكيز خان على العراق ومناطق شمال أسيا الصغرى فإن سليمان[3] -جد عثمان- ووالد ارطغرل هاجر في عام 617 هـ – 1220م مع قبيلته من كردستان إلى بلاد الأناضول، فاستقر في مدينة أخلاط [4] ثم وآفاته المنية في عام617هـ-  1230م ، وخلفه من بعده ابنه الأوسط ارطغرل[5]، ويقال أيضا  “طغرل” [6] وهو الابن الأوسط لسليمان حيث واصل التحرك نحو الشمال الغربي من الأناضول، وكان معه حوالى مائة أسرة وأكثر من أربعمائة فارس[7].

ونريد سوياً أن نتخيلَ الصورةَ التي عليها قبيلة ارطغرل الآن، حيث انهم مهددون بالخطرِ من كل جانب، وفي كل وقت من هجمات التتار، ناهيك عن قطاع الطرق الذين يترصدون لأخذ أي غنيمة لهم، أي أن الوضع خطر عسكريا بشكلٍ كبيرٍ جداً، إضافة إلى أن المؤن المتواجدة قد تنفذ في أي وقت، وبالتالي لابد من تحركات فورية للبحث عن طعام، وهذا أيضا يحمل بعض الخطورة في ذاته ولكن لابد منه، فالعشيرة بها أطفال لا تتحمل، هذا إن تحمل الكبار.

فالوضع في هذه الصورة غير مستقر بالمرة، وهذا هو الابتلاء الشديد الذي نراه منحة من رب العزة عز وجل إلى هؤلاء الرجال وخصوصاً الأربعمائة فارس، حيث أصبح الاهتمام العسكري لديهم في غاية الأهمية وعلى أعلى المستويات؛ وبالتالي كانت التدريبات العسكرية لهؤلاء الفرسان دائمة ومستمرة، رغم قلة عددهم، فلابد من حماية لهذه العشيرة؛ فكانوا من الفرسان مجاهدين، وربما أيضا لشدة الأزمة أصبح التعلق بالله على أعلى ما يكون، ناهيك عن التربية الدينية القويمة والتي ظهرت منذ سليمان الجد الأكبر لأولاده، وفي القبيلة ككل.

خلاصة القول نرى أن كل هذه العوامل قد اجتمعت لتربى وتزكى نفوس هذه العشيرة وهؤلاء الرجال، حيث حب الجهاد في سبيل الله والتعلق به، والعمل على طاعته والرغبة في نصرة دينه، وبالتالي كانوا فرساناً على حق ما يكون المسلم، حتى إذا أتي الاختبار كانوا على قدره، فباختصار نري ان ما مرت به هذه القبيلة الصغيرة كانت مرحلة إعداد وتأهيل لما اختيرت له.

وبالفعل كان الاختبار الحقيقي، والفرصة الخطيرة، التي قد لا تتكرر، فأثناء مسير ارطغرل بالعشيرة إذا به يسمع جلبة وضوضاء، فلما دنا منها وجد قتالاً حامياً بين مسلمين[8] ونصارى[9] وكانت الغلبة في هذا الوضع للجيش البيزنطي[10].

وقفة

ونريد أن نقف وقفة لنعرف قدر الرجل المجاهد في موقف كهذا، فالوضع كما ذكرنا من قبل صعب، فعشيرة مشتتة غير مستقرة، والحرب الدائرة أمامه بين نصارى ومسلمين والنصر يقترب بشدة في اتجاه النصارى وهذه بنظرة عسكرية خبيرة من قبل ارطغرل، فاصبح بين أمرين إما أن يعرض نفسه والفرسان للخطر الشديد بالنزول مع الجيش المسلم الذي قد ينهزم وينهزموا معه وبالتالي ترتفع مستويات الخطورة إلى أعالي المستويات على العشيرة ككل، أو الاختيار الثاني وهو الرجوع وإكمال المسير بعيدا عن أجواء المعركة، فهو لم يُرى للآن ولم يشعر به المسلمون ولا النصارى، فلن يجد كلمة توبيخ من جانب المسلمين ولا عداء من قبل النصارى، واحسب أن اختيار التراجع والانسحاب سيكون محبذاً لدى كثير من الساسة والخبراء العسكرين اليوم، لأنهم يحسبونها بحسبة دنيوية بحتة، فماذا إذن كان رد فعل ارطغرل؟

فكر ارطغرل في نصرة المسلمين الذين ينهارون أمامه في حربهم مع النصارى، ولذلك اتخذ القرار الجريء السريع ابتغاء وجه الله تعالى.

فتقدم بكل حماس وبسالة وثبات لنجدة إخوانه في الدين والعقيدة،  فقلبت المعركة رأسا على عقب بنزول هؤلاء الفرسان بصيحات التكبير التي خلعت القلوب النصرانية وثبتت قلوب قومٍ مؤمنين فكان النصر حليفاً للجيش المسلم بعد أن كان قاب قوسين أو أدني من الهزيمةِ الساحقة.

وقد اظهر ارطغرل وجنوده بسالة رائعة وشجاعة نادرة واثبتوا كفاءة قتالية عالية لفتت نظر السلطان السلجوقي آنذاك، الذي أراد أن يستغل هذه المواهب العسكرية في نصرة الإسلام وحراسة الحدود من البيزنطيين[11]، فأقطعه أرضاً في الحدود الغربية بالأناضول بجوارِ الثغور في الروم وسمح لهم بالتوسع على حساب الروم، فحقق السلاجقة بذلك علاقة حميمة مع قبيلة ارطغرل، نتيجة وجود عدو مشترك لهم في العقيدة والدين،[12] بل ويدافع بحمية المؤمن المقاتل الذي لا يريد سوى رفعة هذا الدين.

فرية

وأود أن أقف على فرية[13] أُلقيتْ على ارطغرل، حيث يذكرها المؤرخون الغربيون وكذلك بعض الكتاب العرب، أن السلطان السلجوقي وقائد الجيش الذي قاتل معه ارطغرل لم يمنحه سوى قطعة الأرض وفقط وما أذن له بالتوسع على حساب الروم، بل أن ارطغرل هو الذي توسع من تلقاء نفسه باسم السلطان.

وإني أتساءل عن مصادر الكُتَابِ العربِ في هذا؟

فسوف تكون الإجابة كتب غربية وفقط، أما عن مستشرق أو حاقد أو حاسد على الإنجازات الإسلامية، والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الوقت، كيف للسلطان السلجوقي آنذاك أن يترك ارطغرل يفتح المناطق الرومية باسمه ولا تنسب له وتكون تحت ملكه؟ بل كيف أصلاً يسمح له بفعل أشياء تثير عداء الروم وهو الذي قد كان سيهزم جيشه لولا فضل الله وتدخل ارطغرل؟ أليس في فتح مناطق جديدة بأرض الروم أثارة لعدائهم؟ وقد يترتب عليها حرب بينهم!

وغير ذلك من الأمور والتساؤلات التي لن تجد لها إجابة سوى أن السلاجقة سمحوا لأرطغرل بالتوسع فعلياً، لان في ذلك فوائد عدة، من بينها سد الثغور، وإقلاق الروم، وعمل حائط صد قوى يقوى من وقت لأخر، إضافة إلى نشر الإسلام عن طريقهم.

وعلى هذا بدأ التوسع في الأراضي من قبل ارطغرل الأمر الذي مهد لمن أتي بعده وهو عثمان ابن ارطغرل أن يجد مراده في بذر تلك الدولة التي سوف تشق الأرض وتتوسع وتتجذر، ولكن أصل هذه البذرة والتي وجدت من يرويها ويحرسها ويرعاها كان ارطغرل ابن سليمان شاه الذي أخلص لله تعالى فوفق أن يتوسع، ويترك مقاطعة كبيرة تصل إلي 4800 كم تقريباً[14]، كما وفق أبناءه من بعده للقيام بهذه المهمة الثقيلة وهي تأسيس الدرع الحامي للمسلمين ونشر دين الله في ربوع الأرض.

وفاته

ونتيجة لغزاوته المستمرة مع البيزنط لقب بالغازي، وتوفي رحمه الله عام 1281م وعمره 90 سنة[15]، فرحم الله المقاتل المجاهد الفذ ارطغرل ابن سليمان والد عثمان وجد لسلسلة كبيرة عظيمة من الرجال الفاتحين من بينهم محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية.

رسالة إلي الأمة

إن الابتلاء يأتي علي قدر الرجال وإيمانهم بالله تعالى ولأن الله رحيم بالمؤمنين فلا يكلفهم ما لا يطيقون، ولذلك كان التأهيل أولاً في المحنة التي مر بها ارطغرل ومن معه؛ حتى يكونوا على قدر الاستعداد وذوي قوة وبأس شديد ليكونوا علي قدر المهمة التي ستوكل لهم.

 وعلى هذا أقول للأمة الإسلامية الآن لا تحزني يا أمتي، فنحن الآن في فترة المحنة، في فترة الابتلاء، في فترة التأهيل والتمييز والتنقية والتصفية للصفوف لنكون علي قدر المهمة حتى إذا جاء وقت الاختبار نكون أهل له، وننتصر بإذن الله تعالى.

بأذن الله تعالي تم عمل سلسلة كبيرة تحت عنوان شخصيات حق علينا معرفتها وهذه أولى حلقاتها حيث سنبدأ من العهد العثماني فالعهد العباسي ثم الأموي وصولا إلي العهد النبوي الشريف إن شاء الله تعالي. وسنقوم بنشرها تباعاً نسأل الله التوفيق وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل فهو ولي ذلك والقادر عليه.

Did you find apk for android? You can find new Free Android Games and apps.
المصادر

(المصدر: موقع تبيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى