شبهات حول يوم عاشوراء
بقلم د. أكرم كساب
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله،
أما بعد،،،
فقد جاء في فضل عاشوراء أنه يكفر ذنوب سنة، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ”..
لكن هناك شبهات تطلق كل عام حول صيام عاشوراء، وهذه الشبهات تكون من صنفين من الناس:
الأول: أحمق حاقد على السنة، بل هو منكر لها؛ وهذا لا يبحث عن الحق ولا يريده.
الثاني: باحث عن الحق، وله تجلى الشبهات.
وحديثي هنا للصنف الثاني، ومن هذه الشبه:
1. الشبهة الأولى: كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء بعد الهجرة، وقد كان يصومه في مكة؟
رد الشبهة: والرد يقتضي بيان مراحل فرض الصيام، وبها تزول الشبهة، وبيان هذه المراحل كالتالي:
أ. صيام عاشوراء في مكة مع أهلها: حيث أدرك النبي صلى الله عليه وسلم صيامه، وكانت قريش تعظم هذا اليوم، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم معهم، روى البخاري أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ…
ب. تأكيد وفرض صيامه بعد معرفته أنه اليوم الذي نجا الله فيه موسى: وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وجد اليهود صياما لهذا اليوم، فلما أخبر عن السبب (نجاة الله الله لموسى) صامه شكرا لله، لأنه أحق بموسى منهم، روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ».
ت. فرض رمضان وترك وجوب صيام عاشوراء: وقد ظل صيامه فرضا حتى فرض صيام رمضان في العام الثاني من الهجرة، روى البخاري أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»، قال القسطلاني: فعلى هذا لم يقع الأمر بصومه إلا في سنة واحدة. (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (3/ 421)).
ث. مخالفة اليهود في الصوم: وكان ذلك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ارتأى النبي مخالفة اليهود، روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ». قال ابن حجر: كان صلى الله عليه وسلم يصوم العاشر وهمّ بصوم التاسع فمات قبل ذلك… (فتح الباري لابن حجر (4/ 245)).
2. الشبهة الثانية: كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» ثم مات، فهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إلا قبل وفاته؟
رد الشبهة: والحق أن عندنا حديثين: الأول عند قدومه، والثاني: قبل وفاته.
أ. الحديث الأول: وفيه سأل صلى الله عليه وسلم عن سبب صوم اليهود وكان عند قدومه، فلما أخبروه السبب ذكر أن أولى بموسى منهم؛ إذ كلاهما نبي؛ روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ». والأمر للتأكيد وليس للابتداء. وقال النووي: قال القاضي عياض ردا على المازري: فقوله (صامه) ليس فيه أنه ابتدأ صومه حينئذ بقولهم، ولو كان هذا لحملناه على أنه أخبر به من أسلم من علمائهم كابن سلام وغيره.. (شرح النووي على مسلم (8/ 11).
ب. الحديث الثاني: يفيد المخالفة حين يئس النبي من دخول اليهود في الإسلام؛ روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ». ويرى ابن تيمية أن المخالفة كانت لما علم أنهم يجعلون منه عيدا، يقول ابن تيمة: ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيدا قال: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيدا… (مجموع الفتاوى (25/ 311).
3. الشبهة الثالثة: هل كان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن جهل بصوم اليوم أم عن علم؟ فإن كان عن جهل فيكون صيام عاشوراء في المدينة ولم يكن في مكة، وإن كان عن علم فلم السؤال؟
رد الشبهة: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم عن جهل بهذا اليوم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صامه في مكة، روى البخاري أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ».
ومن ثم فإن السؤال كان عن سبب احتفاء اليهود بهذا اليوم، روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ». قال القرطبي في (المفهم): وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود عن يوم عاشوراء إنما كان ليستكشف السبب الحامل لهم على الصوم، فلما عَلِم ذلك قال لهم كلمة حق تقتضي تأنيسهم واستجلابهم.
4. الشبهة الرابعة: كيف صادف النبي صيام اليهود، وقد كانت هجرته في ربيع الأول وعاشوراء في المحرم وبينهما ما بينهما من الشهور.
رد الشبهة: ويجيب عن ذلك ابن حجر فيقول: والجواب عن ذلك أن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة لا أنه قبل أن يقدمها علم ذلك، وغايته أن في الكلام حذفا تقديره: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياما. ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه صلى الله عليه وسلم المدينة وهذا التأويل مما يترجح به أولوية المسلمين وأحقيتهم بموسى عليه الصلاة والسلام لإضلالهم اليوم المذكور وهداية الله للمسلمين له. (فتح الباري لابن حجر (4/ 247). لابن القيم كلام قريب من هذا جاء فيه: فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه، فإنه إنما قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشرة، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة… (زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 66).
5. الشبهة الخامسة: قد يفهم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقلدا وتابعا لليهود، وأنه أخذ منهم، وهذا ما يقوله البعض.
رد الشبهة: والرد هنا يكون في نقطتين:
أ. الأولى: صيام عاشوراء فرض كما هو معلوم في مكة، روى البخاري أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ….
وهذا يعني أن صومه صلى الله عليه وسلم لم يكن ابتداء أو لعلمه بصوم اليهود، وإنما وافق صومه صوم اليهود، قال بدر الدين العيني: وليس معناه أنه صامه ابتداء، لأنه قد علم في حديث آخر أنه كان يصومه قبل قدومه المدينة، فعلى هذا معناه أنه ثبت على صيامه، وداوم على ما كان عليه. (عمدة القاري شرح صحيح البخاري (11/ 122)).
ب. الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب عند قدومه فيما لم ينه عنه تأليفا لقلوبهم، روى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ المُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَكَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ». قال ابن حجر: وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه… (فتح الباري لابن حجر (4/ 248).
6. الشبهة السادسة: كيف وافق النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة وهم أهل شرك وأوثان.
رد الشبهة: والحق أن هذا مردود عليه بكونه صلى الله عليه وسلم كان يفعل مما يفعله أهل مكة ما وافق ملة إبراهيم عليه السلام، وقد ذكر القسطلاني سبب صيام قريش، فقال:
أ. اقتداء بشرع سابق.
ب. لكن قال في الفتح: أن في بعض الأخبار أنه كان أصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكرًا. (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (6/ 174)).
وقال ابن حجر: قال القرطبي: لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج أو أذن الله له في صيامه… (فتح الباري لابن حجر (4/ 248).
7. الشبهة السابعة: أن اليهود غادروا المدينة عام 5هـ، فكيف قال النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بعام كما عند مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»؟
رد الشبهة: والجواب يكون من جهتين:
أ. الأولى: أن خروج اليهود من المدينة لا يعني أنهم غادروا بالكلية، بل لعل بعضا منهم بقي بالمدينة، وقد صح عند البخاري عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ».
ب. الثانية: ليس شرطا أن يكون السؤال يقتضي وجود اليهود بالمدينة، بل لعله كان سؤال عن الحال دون وجودهم في المدينة.
8. الشبهة الثامنة: ما روي أن ابن عباس قال: إن المسنون هو اليوم التاسع وليس العاشر.
رد الشبهة: والحق أن هذا وهما لا فهما صحيحا، فابن عباس ونبينا ونبي ابن عباس صلى الله عليه وسلم على أن المشروع أصالة هو العاشر، وهذا ما عليه جماهير الأمة، قال النووي: وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وممن قال ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق وخلائق وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ.. (شرح النووي على مسلم (8/ 12)، وقد روى مسلم عن أبي غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقوله (التاسع) أي مع العاشر، وأما ما رواه مسلم عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا»، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَالَ: «نَعَمْ»…. فلا يفهم منه صوم التاسع دون العاشر، وقد أجاب عن هذا الوهم ابن القيم فقال: فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك… (زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 72).
والله تعالى أعلم.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)