شبكات دعم الظلم
عندما نتحدث عن شبكات “دعم الظلم” سينصرف الذهن مباشرة إلى فكرة سياسية ترتبط بتأييد نظام معين أو حاكم بعينه، لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير!
لا يمكن لأي إنسان أن يستمر في نشاط مؤذٍ دون الحصول على دعم من دوائر متنوعة، هذه الدوائر بدونها لن يتمكن من ممارسة أفعاله الظالمة..
هذه الدوائر تقدم الدعم في كل المستويات، هناك العائلة التي تدعم أفرادها بغض النظر عن كونهم ظالمين أو مظلومين، والأصدقاء الذين يعتبرون مسايرة أصدقائهم أحد صور “الجدعنة” وأحد واجبات الصداقة، والمحامون والمحاسبون والموظفون الذين يقدمون خدماتهم لمن يدفع بغض النظر عن الحق والصواب والدين!
بدون هذه الدوائر يغدو الظالم وحيدًا منبوذًا ضعيفًا، يسهل إيقاظه من غفلته وإصلاحه، أو أخذ الحق من يديه عنوة ورده إلى المظلوم ..
بينما تصعب هذه المهمة كلما اتسعت تلك الدوائر وتشابكت، لتتواطأ على دعم الظالم ومعاونته، أوحمايته وإسناده ولو بالتعامل الطبيعي معه..
لهذا السبب أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من مقتضيات الأخوة والمحبة ألا يسمح الأخ لأخيه بالتمادي في الظلم، بل ينهاه بكل الوسائل الممكنة عن الوقوع فيه:
(انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه)
ولهذا السبب أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخطأ ليس فقط في المشاركة بالفعل في أحد الجرائم، ولكن يكفي أن تبقى العلاقة طبيعية مع الظالم، فيأكل معه ويشرب معه ويصادقه وكأنه لم يظلم أحدًا، ولم يعتد على أحد!:
( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع ؛ فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد ، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن بقلوب بعضكم على بعض ، ثم يلعنكم كما لعنهم)
وأخطر ما في الأمر أن من اعتاد الظلم ولم يردعه رادع، فإن أذاه سيطال كل من دعمه وعاونه عاجلًا أو آجلا، مصداقًا للحديث الشريف:
(من أعان ظالمًا سلطه الله عليه)
تخيل معي كم من آكل لميراث اخوته، وكم من ظالم لزوجه فلا هو عاشها بالمعروف ولا فارقها بإحسان، وكم من ناشز ومطلقة مستغلة لفساد القوانين فتجرد الرجل من ماله وتحرمه من بنيه بغير حق، وكم من غاصب لحق شركائه في التجارة، وكم .. وكم …
كل هؤلاء تلقوا ويتلقون الدعم من دوائرهم، تلك الدوائر التي اختارت المشاركة في الظلم لاعتبارات القرابة أو الصداقة أو المصلحة، ولولاهم لما استطاع الظالم أن يستمر في ظلمه، وهو أسوأ من الظالم لأنهم لم يحصلوا على منفعة رغم أنهم شركاء في الإثم!
هي دعوة ونصيحة لمراجعة دوائر علاقتنا بهدوء، وأن نتأكد من أننا لا نتورط في دعم أي ظالم ومعاونته على ظلمه أيًا كان هذا الظلم، وألا نتعلل بأي مبرر سواء اكانت قرابة أو صداقة أو مصلحة، فعقاب الله إذا جاء لا تنفع معه المعذرة ولا الندم!
عافاني الله وإياكم من الظلم ومن دعم الظالمين.
المصدر: مركز الشهود الحضاري