خاص بمنتدى العلماء
توفي يوم الخميس 5_10_1438، الداعية الكبير الشيخ جمعان بن صالح بن عوض ال حيا الغامدي رحمه الله، وهو من أكابر الدعاة في جزيرة العرب وغيرها عن عمر يناهز 85 عاما حيث ولد عام 1353هـ في بلاد غامد، في قرية بني حدة من قبيلة بني ظبيان.
وقد اجتمع في جنازته وعزائه خلق كثير من داخل المملكة، وجاء من خارجها جمع وفير من علماء ودعاة الهند وباكستان والبنغال، ومن بعض البلدان العربية.
اهتم بالدعوة الى الله في داخل المملكة، وترسخ عمله الدعوي منذ أن تعرف على أسلوب الدعوة والتبليغ، فحمله ونشره، وتأثر بدعوته خلق كثير، صلحوا بعد فساد، واستيقظوا بعد رقاد، وسافر للدعوة في الهند عام 1392هـ وهناك تعرف على كبار علماء التبليغ، ثم تتابع سفره للدعوة إلى كثير من بلدان العالم، وكان ضمن أول المجاميع الدعوية التي ذهبت إلى البرازيل قبل أكثر من أربعين سنة حيث كانت المساجد قليلة في ذلك الوقت، وإقبال الناس على الصلاة فيها ضعيفا؛ فنفع الله به وبمن معه.
واستمر الشيخ جمعان في الدعوة الى الله بأسلوب اللطف والتحبب وترغيب المدوعين والإحسان إليهم، والاهتمام بالذين غرقوا في المعاصي الكبيرة، والذين غرقوا في الغفلات ولا يجدون من يذكرهم أو يهتم بهم ،وكان معروفا بالحكمة في التعامل، وغاية الدماثة في الخلق، لا تفارق البشاشة وجهه، ولا تسمع منه الكلمة الخشنة، ولا العبارة العوراء، لا يطلب لنفسه حقا، ولا يدافع عن ذاته إذا أوذي ،بل يصبر ويحتسب ويواصل دعوته برفق وحلم وأناة، فأثر بذلك في معظم من التقى بهم، واجتمعت على حبه القلوب، وتأثرت بمسلكه النفوس، ومع ذلك تعرض للأذى، واتُهم من بعض المتشددين في عقيدته ومسلكه الدعوي، فما زاده ذلك الا ثباتا وصبرا وحلما، وفي مرات كثيرة رُفعت ضده وشايات فتم استجوابه والتحقيق معه وسجنه مرات عديدة، ومنع من السفر، وصبر على ذلك صبر المحتسبين، وتحمله تحمل الدعاة الصادقين، حتى أنه لا يذكر ذلك في كلامه، وإذا سئل عنه أعرض أو أجاب باقتضاب.
حدّث أحد السجناء ممن عرف الشيخ في السجن عن مقدار صبره واحتسابه حين سجن قبل بضع سنوات وهو شيخ كبير في السن، فجعلوه -زيادة في النكاية به- مع مساجين من الشباب الغلاة المتشددين، فكانوا يؤذونه بقبيح لكلام ويضايقونه بخشن الأفعال ويتهمونه في منهجه وعقيدته، والشيخ صابر لا يزيد عن الدعاء لهم والانشغال بالذكر والعبادة.
وتحدث من يعرفه من تلامذته ومن خالطه من كبار السن عن تضحياته رحمه الله وصبره في الدعوة الى الله، بما هو محل عبرة وعظة، وقد كان منزله مفتوحا لجميع الناس، وكان متفانيا في ذلك، ومثلا أعلى في البذل والعطاء، حتى انه لما كبر سنه وضعف عن الحركة كان يتجول بالكرسي المتنقل، وللصعود للأعلى يحمله تلامذته لمجالس الدعوة والتذكير، ولم يكن يكثر الكلام بل يستمع ويعقّب بكلمات يسيرة هي محل قبول واحترام، وربما كان تعقيبه بآية أو حديث أو حوقلة أو استغفار؛ فيعرفون مراده ومشورته فلا يخرجون عنها.
لازم الشيخ أبا بكر الجزائري مدة طويلة، وكانت بينهما مودة أكيدة، وأثر كل منهما في الآخر، وكان هو الذي يستقبل الشيخ الجزائري في جدة ويستضيفه في منزله ويرتب له الدروس والمحاضرات وكان الشيخ أبو بكر الجزائري لا يكاد ينزل إلا في منزل الشيخ جمعان.
ومن محبي الشيخ جمعان رحمه الله وأصدقائه بلديُّه الشيخ سعيد الدعجاني الغامدي رحمه الله، وهو رجل مشهور في الحجاز بعمل الخير والدعوة والعناية بتحفيظ القرآن، وكانت صداقتهما قديمة وطيدة، جمع بينهما حب الخير والبذل فيه والحرص على نفع الخلق.
كان الشيخ جمعان بمثابة الأب لكثير من الناس، لنصحه وسداد رأيه، واتساع تجربته، فكانوا يشاورونه في أمورهم الخاصة والعامة، فيجدون في مشورته الصواب، ويحمدون عاقبتها، ولعله بورك له في ذلك لصدق نصيحته وسلامة صدره من الغل والغش والحسد.
حدث بعض من يعرفه عن كثب قال:
كان للشيخ محبة في قلوب جميع أطياف المجتمع، كبيرهم وصغيرهم، صالحهم وطالحهم، لأنه كان متواضعًا مع جميع الناس بجميع طبقاتهم، يخدمهم بنفسه بالرغم من كبر سنه، وكان يشع وجهه بضياء الإيمان وينبض قلبه بمحبة الخير والنجاة لهذه الأمة، وكان كل من يراه يحبه ويثني عليه من أول لقاء، ومما يُشهد له رحمه الله صفاء السريرة وحسن الظن بالناس، وحرصه كل الحرص على البعد عن الغيبة.
و كان الشيخ سخيًا ساعيًا في أمور الخير والبر والإحسان، وله جهد مذكور في بناء المساجد والمقارئ وغيرها من أبواب الخير.
وأما عن حياته الشخصية فإنه عندما بلغ من العمر السابعة ذهب من سراة بلاد غامد إلى مكة سيراً على الأقدام للعمل وطلب الرزق.
وبقي في مكة يعمل حتى بلغ الخامسة عشر من عمره، ثم انتقل الى مدينه جدة ، ودرس في مدرسة الفلاح حتى المرحلة الرابعة.
بعدها عمل في المراسم الملكية في قسم المشتريات، فعمل بأمانة وقطع منافذ الاختلاسات، وشهد له الكثير من التجار بالورع والتقوى في معاملته، حتى أصبح مدير المشتريات في المنطقة الغربية الى أن أكمل الخدمة بإخلاص وأمانة وأحيل إلى التقاعد، وقد طلبوا منه الاستمرار في العمل بالتعاقد معه إلا أنه رفض وفضّل التفرغ للدعوة.
تزوج الشيخ رحمه الله زوجتين وله من الأولى سعيد فقط، أما الثانية فله منها ثلاثة من الأبناء هم فهد وخالد وصالح وستة من البنات، وقد توفيت الأولى أم سعيد رحمها الله في حياته.
رحم الله الشيخ جمعان وجزاه خير الجزاء وأحسن عزاء أهله ومحبيه.