مقالاتمقالات مختارة

سيد قطب.. صاحب السّبّابة التي رفضت أن تكتب حرفاً تقرّ فيه بحكم الطاغية

سيد قطب.. صاحب السّبّابة التي رفضت أن تكتب حرفاً تقرّ فيه بحكم الطاغية

بقلم عز الكومي

مع حلول ذكرى استشهاد مفسر القرآن _صاحب الظلال الوارفة والمعالم الواضحة _ الذي استشهد فجر الإثنين 29 أغسطس 1966، ومع ذلك بقيت معالمه لم تطمس، وطُمِستْ معالم جلاديه ، وطويت صفحات ميثاقهم فيما بقيت ظلاله الوارفة تترجم إلى كل اللغات؛ ذلك لأن سيد قطب _رحمه الله _رفض العبودية والخنوع والحياة في ظل الطغيان، وعاش في ظلال قرآن الرحمن !!. كان أهم ما يميز الشهيد سيد قطب هو الإيمان الصادق _نحسبه كذلك والله حسيبه _ فالإيمان الصادق الحي هو الذي يثمر العمل والجهاد والتضحية.

الإيمان الصادق ليس تطويل لحية أو تقصير قميص (جلباب)، ولكنه اليقين الذي لا يتطرق إليه شك، والثبات على المبدأ، والوقوف فى وجه الطغاة بعد أن رفض أن يهادن في عقيدته ودينه !!. وبعد جلسة المحاكمة عاتبه أحد إخوانه قائلاً : لماذا كنتَ صريحاً كل الصراحة في المحكمة التي تملك رقبتك؟! فقال رحمه الله : لأن التورية لا تجوز في العقيدة، وليس للقائد أن يأخذ بالرّخص . فلمّا سمع الحكم قال : الحمد لله، لقد عملتُ خمسة عشر عاماً لنيل الشهادة.

كذلك كان الثبات على المبادئ من أهم ما يميز هذه الشخصية الفذة، فقد حاولت المخابرات الحربية النيل منه بشتى السبل، لكنه كان أمامهم كالطود الأشم . طلبوا منه الاعتذار مقابل إطلاق سراحه فقال: “لن أعتذر عن العمل مع الله” ثم طلبوا منه كتابة كلمات يسترحم بها عبد الناصر فقال لهم: “إن أصبع السّبّابة التي يشهد لله بالوحدانية فى اليوم خمس مرات لَترْفض أن تكتب حرفاً تقرّ فيه حكم طاغية، لماذا أسترحم؟ إن سُجنت بحق .. فأنا أقبل حكم الحق .. وإن سُجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل”، ثم أتاه أحد الضباط قبل أن يُشنق بقليل ليكتب لعبدالناصر والصحافة ووكالات الأنباء بضع كلمات فيُفرج عنه، وكانت تلك الكلمات “كنتُ مُخطئاً وإني أعتذر”، فابتسم رحمه الله وقال له بهدوء عجيب “أبداً .. لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول” فقال له الضابط : ولكنه الموت يا سيّد؛ فقال رحمه الله: يا مرحباً بالموت في سبيل الله، افعلوا ما بدا لكم”.

وبعد أن أدى صلاة الفجر سيق رحمه الله إلى حبل المشنقة لتنفيذ الحكم . وجاءه شيخ من  الأزهر يلقنه الشهادتين، فقال الشيخ : قل معي يا سيد .. فقاطعه قائلاً : “يا مسكين أنا أساق إلى الموت من أجل لا إله إلا الله، وأنت تذهب لتأكل فتات الموائد بــ لا إله إلا الله”،  ثم ابتسم مردداً الشهادتين خاتماً بهما حياته رحمه الله تعالى.

وكان سيد رحمه الله قد أعلن الحرب على مفاهيم الجاهلية السائدة قائلاً : “على الإنسان أن يعيش في مواجهة هذه الجاهلية التى تعم وجه الأرض اليوم، وأن يحمل همَّ الإسلام في قلبه وفي حركته ، وأن «ينشئ» الإسلام في نفسه وفي نفوس الناس، وفي حياته وفي حياة الناس مرة أخرى في مواجهة هذه الجاهلية بكل تصوراتها، وكل اهتماماتها وكل تقاليدها، وكل واقعها العملي وكل ضغطها عليه وحربها له، ومناهضتها لعقيدته الربانية، ومنهجه الرباني، والعمل على استجابتها لهذا المنهج ولهذه العقيدة بعد الكفاح والجهاد والإصرار”.

ويقول فى موضع آخر: “حول هذه البشرية المنكودة زمرة من المنتفعين بهذه الحيرة الطاغية، وهذا الشرود القاتل، زمرة من المرابين، ومنتجي السينما، وصانعي الأزياء والصحفيين، والكُتّاب . يهتفون لها بالمزيد من الصراع والتخبط والدوار، كلما تعبت وكلت خطاها، وحنّت إلى المدار المنضبط والمحور الثابت، وحاولت أن تعود”.

ويحاول الشهيد سيد قطب رحمه الله أن يجيب عن سؤال يختلج فى نفوس الكثيرين الذين يملون طول الطريق وتأخر النصر وانتفاش الباطل؛ مما قد يترتب عليه تسلل اليأس إلى بعض النفوس فيقول رحمه الله: “قد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله؛ فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقي الباطل حتى يتكشف عارياً للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذى بقية.”!! بل يعلن أن الغرب الاستعماري الصليبي لا يمانع من وجود حكم مزيف من أجل خداع البسطاء، حيث يقول: “قد يسمح الاستعمار بقيام حكم إسلامي زائف، في بقاع جاهلة من الأرض متأخرة، وفي ظل حكم ديكتاتوريات ظالمة مستغلة؛ كي يكون نموذجاً سيئًا منفرًا من حكم الإسلام، بل من ذات الإسلام” !!

ومن المضحكات المبكيات أن عبدالناصر بعد أن نفذ حكم الإعدام فى الشهيد سيد قطب كما يقول أنيس منصور فى كتاب (عبدالناصر المفترى عليه والمفتري علينا ص172) ” نصحه بعض المقربين بعمل عمرة، وأنها كافية لاستعادة تعاطف البسطاء معه، وكنت أرافق عبدالناصر في مناسك العمرة وكان متذمراً أثناء الطواف وقال لي: يا أنيس هو لعب العيال ده هيخلص إمتى؟؟ وفي الختام نقول: إذا كان صاحب الظلال قد رحل بجسده فلا يزال فكره حاضرًا ، بعد أن هز قلمه عروش الطغاة، فظنوا أن في إعدامه خلاصهم، لكن أفكاره لم تمت بموته، فظلت أفكاره وكتبه تؤرق الطغاة والظالمين!! رحمك الله يا شهيد ورضي عنك في العليين.

المصدر: الحقيقة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى