سيدنا آدم وأمنا حواء.. مجرد أسطورة عند العلمانيين
بقلم جمال الدين الجزائري
العلمانية الأصلية ليست نقد الدين وتفكيكه من الداخل، لبسط الهيمنة الليبرالية على نصوصه الإلهية، العلمانية هي فصل الدين عن الحياة الاجتماعية، وليس تشويه الدين والقضاء عليه، ما فعله فلاسفة أوروبا الأوائل واضح جدا في تطبيقهم العلمانية الأولى وفصلهم الكنيسة عن الملك، إن العلمانية وجودها كان له هدف معين وهو إبعاد الدين عن السياسة، إخراج الكنيسة من الحكم، لأنه قد سجل التاريخ مجزر فضيعة سجلت على الكنائس والمعابد اليهودية، وحكمهم الديني على الناس باسم المسيح والإنجيل ويوحنا، عجل في انقراض الإنسانية وانعدام الحرية.
لهذا فهم فلاسفة أوروبا أن المسيحية واليهودية مجرد عقائد روحانية لا تنظم شؤون الحياة، فما كان عليهم إلا تطوير فكرة الفصل إلى مبدأ التطبيق، وبالفعل نجحت الدول الأوربية وتطورت بفضل إنشاء نظام حياتي بشري بعيد عن المعتقدات الدينية، لكن لم نسمع أو نقرأ عن عالم فيزيائي أو أي تخصص كان، أنه هاجم الكنيسة وقام بنقد اليهودية من الداخل، رغم أن بعض علماء أوروبا معظمهم ملحدين، إلا أن تطبيقاتهم العلمانية في الحياة اليومية لا تتعرض مع تعاليم الدينية المسيحية، بل لم يستطيع أحدهم أن يهين الكنيسة، أو يقدمها على أنها مجرد أسطورة، ركزوا على تطوير التعليم والصحة والثقافة، وأخرجوا أوروبا من جهلها المعروف تاريخيا، ولم يجعلوا أيامهم كلها تمر في نقد الأديان، وكل الفلاسفة والعلماء والدكاترة والأساتذة في أوروبا هم علمانيين وملاحدة، كتبهم تتكلم عن تطوير والبحث من أجل تقدم شعوبهم، ولا تتكلم عن نقد الدين وما شابه أو تقليل من جحم الكنيسة أو المعبد، وهذا الاحترام بينهم صنع حضارات أوربية بيد علمانية ومباركة روحانية من الكنائس والمعابد.
لكن العلمانية عند العرب، هي مجرد قواعد وهمية تتشكل قاعدتها الأولى على نقد الدين، وتنتهي بقاعدة ممارسة نقد الدين، لم نسمع بعلماني عربي واحد قدم خطط أو اقتراحات أو اختبارات علمية، لجعل مثلا مصر مثل سويسرا، أو جعل الجزائر مثل لندن، أو جعل تونس مثل فرنسا لائكية، بل حياتهم كلها محاضرات أو ندوات أو كتب أو روايات أو فيس بوك أو تويتر، يوميا صباحا مساءا ليلا يتكلمون عن نقد الدين، والمشكلة الأكبر يريدون الاقتراب من نص القرآن، هذا النص الذي لم ينجح في تدميره حتى العلمانيون الأصليين، فما بالك لعلماني عربي مزيف فكريا يحاول النجاة بنفسه الضعيفة من تقاليد الدين، يعلن عن علمانيته برفع سيف الحجاج ليكرس كل حياته في نقد الدين، هنا نستنتج أن تقاليد العرب لأوروبا في تطبيق العلمانية لم يكن نقلا كاملا، وإنما مزيفا بتصرف طفيلي، يريد أن يقنع الناس كلها أن الدين هو سجن أبدي على الإنسان تحرر منه، إلا أن هذا النقد المستمر ضد الدين عادة ما ينتج عنه سوى الظلام ن سوى حريات فردية تنتهك حرمة الدين ولا تحترمه.
قبل أيام أحد العلمانيين في إحدى منشوراته الفيسبوكية قال، فكرة وجود الله في السماء ونزول الرسائل عبر الملائكة إلى الأنبياء وقصة بداية الكون مع آدم وحواء، كل هذا ظهر عند اليهود، هم أول من سرد هذه القصص، ليس بغية الإيمان بها بقدر ما الهدف منها التحكم في الآخرين عبرها، ولذلك أغلب مبدعيهم وعلماءهم ملاحدة ولادنيون، لأنهم ببساطة ولدوا بين هذه الأساطير ويعرفون أصلها وتاريخها جيدا، هذا الكلام لعلماني عربي مسلم يريد فصل الدين عن الدولة، لكن ليس بتطور الحضارة وإنما بنقد الدين، لنرى قول أشهر علماء اليهود ماذا يقول عن القرآن الذي يروي قصة سيدنا أدم وأمنا حواء، والجميع يعلم أن علماء الغرب لا ينشرون أقوالهم إلا بعد دراسات معمقة، وليس عن طريق أوهام فكرية محلها سلة المهملات.
يقول المستشرق شيبس، يعتقد بعض العلماء أن القرآن كلام محمد، وهذا خطأ محض، فالقرآن كلام الله تعالى موحى على لسان رسوله، هذا الكلام من مستشرق قضى حياته كلها في دراسة الإسلام والتعاليم الدينية، وحياة المسلمون والعرب، يصل إلى نتيجة علمية ويكذب بعض علماء الغرب، ليكمل كلامه قائلا، ليس في استطاعة محَمَّد، ذلك الرجل الأمِّي في تلك العصور الغابرة أنْ يأتينا بكلام تحار فيه عقول الحكماء، هنا يوافق عدة علماء من الغرب الدين شاهدوا شهادة حق في القرآن الكريم بعد دراستهم الطويلة التي أخذت منهم سنين عديدة، لينهي كلامه قائلا، ربَّما تعجبون من اعتراف رجلٍ أوروبِّي بهذه الحقيقة. لكن لا تعجبوا فإنِّي درستُ القرآن فوجدتُ فيه تلك المعاني العالية والنظم المحكم، وتلك البلاغة التي لم أرَ مثلها قطُّ، فجملة واحدةٌ تغني عن مؤلَّفات.
فإذا كان وراثة العلمانيين الأصليين يحترمون الدين، وتساعدهم الحرية الفكرية في إنشاء قواعد علمية لتطوير بلدانهم، فماذا يحدث في العالم العربي، حينما غير بعضهم مفهوم العلمانية من شرح علمي وظيفي، إلى حرية فردية ليس لها حدود، مثل ظاهرة الشذوذ وحرية التعري، والإلحاد عبر بث مباشر في الفيس بوك، غريب أن يفهم العلمانيون العرب أن العلمانية هي سلاح ضد الدين، مع أنها سلاح فتاك لتجمع حول الأفكار التي تبني مجتمع متطور محمي من كل سبل الفتن.
(المصدر: مدونات الجزيرة)