سياسي نمساوي يدعو لتدشين حركة “حياة المسلمين مهمة”
دعا الناشط السياسي النمساوي، والسكرتير الدولي لحزب التيار الشيوعي الثوري العالمي (RCIT)، ميشيل بروبستينغ، المسلمين في الغرب، والمدافعين عن الحقوق الديمقراطية للمجتمع المسلم، إلى تدشين حركة “حياة المسلمين مهمة”، على غرار حركة “حياة السود مهمة”، وذلك من أجل “توحيد قواهم، والرد على هجوم الحكومات المُعادية لهم، والقتال معا للدفاع عن حقوقهم في مواجهة ما يتعرضون له من تحريض، وعنصرية، وكراهية، وإقصاء”.
و”حياة السود مهمة” هي حركة ناشطة نشأت في المجتمع الأمريكي الأفريقي تهدف إلى التخلّص من العنف ضد الأشخاص السود. وتنظّم الحركة مظاهراتٍ ضدّ مقتل أفراد من العرق الأسود من قِبل ضباط الشرطة بشكل منتظم، بالإضافة إلى مشاكل أخرى تتركز حول التنميط العنصري وعنف الشرطة واللامساواة القائمة على العنصرية في النظام القضائي في الولايات المتحدة.
ورأى “بروبستينغ”، في مقابلة خاصة مع “ضيف عربي21″، أن “هناك خطرا كبيرا من توسيع دائرة المواجهة مع المسلمين في النمسا وأوروبا”، مؤكدا أن “المسلمين مستهدفون ومعزولون، ويتمّ استغلالهم ككبش فداء، لصرف الرأي العام الأوروبي عن المشاكل الحقيقية في المجتمع وعن المسبّبات الحقيقيّة للأزمة”.
نص المقابلة:
ما هي أبعاد ما يحدث ضد المسلمين في النمسا؟
في الوقت الحالي لا يمكننا أن نحدد العواقب، ولكن بلا شك هذا هجوم واسع النطاق من قِبل الحكومة يهدف إلى تخويف الأقلية المسلمة. وهناك مئات الآلاف من المسلمين يعيشون في النمسا. وما فعلته الحكومة كان حظرا غير مسبوق للتظاهرات ضد العنصرية المعادية للإسلام في فرنسا، واعتقلت 30 رجلا وامرأة دون مبرر، وداهمت 60 منزلا ومكتبا. كل هذه الممارسات تهدف لإخافة الجالية المسلمة الهائلة المُهاجرة في النمسا.
إلى أي مدى تتفق الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة النمساوية ضد بعض المسلمين مع القانون والدستور النمساوي؟ وهل تلك الإجراءات قد تتصاعد مستقبلا؟
إن الهجمات التي وقعت في الأيام القليلة الماضية من أعمال شغب ومنع للمظاهرة وما إلى ذلك تتعارض مع القوانين والدستور النمساوي. إن الأشخاص الذين اُعتقلوا، المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، متهمون بإنشاء مؤسسة “إجرامية”، وهذا يعتبر هراء في حد ذاته.
لماذا يجب أن يكوّنوا مؤسسة “إجرامية”، بينما ليست لديهم مشاكل مع الحكومة النمساوية؛ وهم ملتزمون بتحرير فلسطين، وبالمقاومة ضد الدكتاتورية العسكرية في مصر، لذلك لا يوجد سبب لقيامهم بأي أنشطة “إجرامية” في النمسا، وليس لديهم وقت لأية أنشطة “إجرامية” في بلادنا. نتيجة لذلك، تعتزم الحكومة تعديل القانون والدستور، ويمكننا أن نتوقع أن هذا يرجع لأسباب سياسية؛ فالحكومة مُصممة على مواصلة وتكثيف هذه الهجمات مثل قمع المجتمع المسلم في النمسا، يمكننا توقع تكثيف مثل هذه الأنشطة في المستقبل.
المستشار النمساوي سيباستيان كورتس قال إن بلاده ستستحدث جريمة جنائية جديدة تسمى “الإسلام السياسي”.. كيف ترون ذلك؟ وماذا تعني “جريمة الإسلام السياسي” من وجهة نظر الحكومة؟
إن تصنيف “الإسلام السياسي” برمته يُعد أمرا سخيفا للغاية. نحن نعيش في النمسا وأوروبا، حيث توجد المسيحية في برامج العديد من الأحزاب، وهناك أحزاب تُسمى أحزابا مسيحية. الحزب الحاكم في النمسا، والمسؤول بشكل رئيسي عن كل هذه المآخذ، يعتمد برنامجه على المسيحية. الحزب الحاكم في ألمانيا اسمه الاتحاد الديمقراطي المسيحي. والحزب النمساوي الحاكم هو جزء من فصيل في البرلمان الأوروبي الذي يحمل اسم “الديمقراطيون المسيحيون”، لذلك، من السخيف اتهام المسلمين بأنهم “متسيسون”.
في الواقع، فإن فئة “الإسلام السياسي” ستعني أن كل مسلم، أو على الأقل كل مسلم متدين، سيرفض أي رأي سياسي معين قد يُعتبر “مجرما”، ومن المحتمل أن يعمل ضد مثل هذا القانون، وبالتالي، فإن فكرة الحكومة الكاملة لإنشاء قانون جنائي ضد “الإسلام السياسي”، تعني أنه يمكنك أن تصبح مجرما، ليس لأنك تمارس شيئا ما، ولكن بسبب معتقداتك، وهذه تطبيقات مثيرة للجدل في المقام الأول ضد المسلمين المهاجرين الذين يُحتمل أن يتم تجريمهم لمجرد أنهم يؤمنون بشيء ما أو لديهم آراء مختلفة عن الحكومة.
وبشكل عام، هذا هجوم أساسي على الحقوق التي تكفلها الديمقراطية في حد ذاته. سيبدأون باضطهاد النشطاء السياسيين المسلمين، وسرعان ما سيضطهدون أيضا النشطاء السياسيين للمنظمات التقدمية والتيارات الأخرى الذين قد تعتبرهم الحكومة يشكّلون هجوما خطيرا للغاية.
ما علاقة “الإسلام السياسي” بجرائم العنف والإرهاب؟
في الواقع، ليس هناك علاقة بينهما، وبغض النظر عن سخافة فكرة “الإسلام السياسي”، مثلما ذكرت سابقا، يتّضح أن المؤسّسات التي أصبحت الآن مُستهدفة على غرار جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، لطالما استنكرت علنا تنظيم الدولة، وأي أعمال إرهابيّة يقوم بها في فرنسا وأي دولة أخرى.
ببساطة، لا توجد علاقة بينها، كما أن الحكومة على دراية بذلك، فعندما داهموا بيوت بعض المسلمين واعتقلوهم، صرّحوا أنهم لم يشاركوا في أي عمليّة إرهابيّة، لكنهم اتهموهم بأنهم يمهدون للإرهاب، وهذا أمر سخيف في الواقع، لكنه يساعد الحكومة على مهاجمة الحقوق الديمقراطية للمسلمين.
هل تعتقد أن مسألة محاربة “الإسلام السياسي” ستفرض نفسها كمشكلة أساسيّة في القمم الأوروبية المقبلة كما قال مستشار النمسا؟
نعم، أعتقد أنه لا شكّ في ذلك، والسبب وراء هذا هو تلك الاعتداءات التي تُرتكب حاليا في حق المجتمع الإسلامي في فرنسا والنمسا وغيرها من الدول، وهذا قد لا يكون له علاقة بمعتقدات دينيّة محدّدة خاصّة بالحكومة، بل تحفّزه المعادلات السياسية، التي تحرّكها العديد من الحكومات الأوروبية.
ففي فرنسا، والآن في النمسا وبعض الدول الأوروبيّة الأخرى، تقترب الحكومات من الوقوع في كارثة، علما أنها تخسر الدعم الشعبي؛ فنحن نواجه حاليا أسوأ كساد اقتصادي منذ أكثر من قرن، ونواجه سياسة إغلاق صارمة من قِبل الحكومة تسبّب التوتر الشديد، وتخلّف تداعيات اجتماعية على الشعب. ونتيجة لذلك، تخسر الحكومات الدعم الشعبي بشكل هائل، لذلك تحتاج إلى صرف انتباه الشعب عن هذه الأزمة وإيجاد عدو لتوجيه هذا التركيز نحوه.
وتنشر الحكومات منذ فترة في أرجاء أوروبا وبصورة هائلة قوات الشرطة والتدابير الرقابية، ولتبرير كل هذا يجب إيجاد سبب مقنع يتمثّل في مخاطر “الإرهاب الإسلامي”، وهو سبب يبرّر توسّع الدولة البونابارتيّة.
كما يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد إيديولوجيا تساعده على التقدّم إلى الأمام كقوّة عظمى، حتى لا يواجه خسارة كبيرة أمام منافسيه على غرار الولايات المتحدة والصين، بالتالي يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى اتباع مثل هذه الإيديولوجيا المتمثّلة في محاربة “الإسلام السياسي”، دفاعا عن حريّة التعبير، وذلك من خلال قمع هذه الحريّة بالطبع، وفي شأن ذي صلة يريد الاتحاد كذلك السيطرة بشكل ملموس على احتياطي الغاز الضخم في شرق البحر الأبيض المتوسّط، وتعدّ تركيا منافسا مهما له، نظرا لأنها أصبحت قوّة إقليميّة، ويعمل التصدّي للإسلام السياسي على دعم السياسة الخارجيّة تلك، وإضفاء الشرعية على الصراع ضد تركيا.
وأخيرا، انخرطت فرنسا منذ فترة في تدخّلات عسكرية إمبرياليّة في مالي وبعض الدول الأفريقية الأخرى من أجل التوسّع. كما شاركت الحكومة النمساوية في عملية الاحتلال الإمبرياليّ في مالي، ويعمل الصراع ضدّ الإسلام السياسي كتمويه لإضفاء الشرعيّة على مثل هذه السياسة الخارجيّة الإمبرياليّة.
هل ما يحدث في النمسا له علاقة بما يجري في فرنسا أم لا؟
نعم ولا. نستطيع القول إن الأحداث التي وقعت في فرنسا حرّضت الهجمات التي وجّهتها الحكومة النمساوية. لكن حسب رأيي، سيكون من الخطأ أن نعتقد ببساطة أن النمسا تفعل ما تطلبه منها فرنسا أو شيء من هذا القبيل. هذا أمر خطأ، إذ لديهم أسبابهم السياسية الخاصة لمهاجمة المجتمع الإسلامي، وهي أسباب ذكرتها آنفا.
هل هناك خطر من توسيع دائرة المواجهة مع المسلمين في النمسا وأوروبا بشكل عام؟
هناك خطر كبير في الواقع؛ فالمسلمون في أوروبا مستهدفون ومعزولون، ويتمّ استغلالهم ككبش فداء – إذا صحّ القول- لصرف الرأي العام الأوروبي عن المشاكل الحقيقية في المجتمع وعن المسبّبات الحقيقيّة للأزمة.
أريد أن أقدّم لكم مثالا ملموسا، ففي الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر، كان من المفترض أن تُقام مسيرة وسط فيينا ضدّ العنصريّة المُعادية للإسلام في فرنسا، بينما تمّ منعها من قِبل الحكومة النمساويّة، وفي الوقت ذاته في ذلك اليوم بالتحديد، سمحت الشرطة النمساويّة لعنصريين من اليمين المتطرّف بتنظيم مسيرة للتنديد بالإسلام والمسلمين باعتبارهم يمثلون “الإرهاب”. في الواقع، لم تسمح الشرطة بتنظيم هذه المظاهرات فقط، بل كانت تحميها أيضا. كانوا ينشرون مقاطع فيديو على الإنترنت حول كيفية تصدي الشرطة لهم من الأمام والخلف، وما إلى ذلك.
هذا هو الوضع الحالي والذي نتجه نحوه، هناك حرية تعبير للعنصرية المُعادية للإسلام، وهناك حرية تعبير لصحيفة “شارلي إيبدو”، لكن لا توجد حرية تعبير لأولئك الذين يعارضون مثل هذه العنصرية المُعادية للإسلام، ولا توجد حرية تعبير لأولئك الذين يدافعون عن الحقوق الديمقراطية للمسلمين.
البعض يدعي أن “الإسلام السياسي” هدفه أسلمة أوروبا وأن يكون حاضنة للإرهاب.. هل تتفقون مع هذا الأمر؟
الأشخاص الذين يقولون مثل هذه الأشياء متأثرون بنظرة دونالد ترامب أو شيء من هذا القبيل. إنها ببساطة مجرد حماقة. يشكّل المسلمون أقلية صغيرة في أوروبا، ولا يوجد أي خطر على الإطلاق من أنهم قد يقومون بأسلمة أوروبا.
أنا شخصيا لست مسلما، لكني عندما أذهب إلى محطة قطار الأنفاق القريبة مني كنت أرى مرارا وتكرارا ما يسمى بشهود يهوه، وهي طائفة مسيحية تحاول كسب تأييد المارة. أحيانا عندما أتجوّل في الشارع أرى شبابا أمريكيين يرتدون الثوب الأسود المميز والبدلات، وهم ينتمون إلى هذه الطائفة المسيحية، والذين خرجوا أيضا في مهمة لمحاولة كسب مؤيدين جُدد. لذلك، إذا كان لهذه الجماعات المسيحية الحق في محاولة كسب مؤيدين جُدد فلماذا لا يتمتع المسلمون بالحق ذاته؟
أكرر، أنا لست مسلما؛ وأنا لست في مهمة لصالح الإسلام، لكني أقول إن جميع الطوائف الدينية لا بدّ أن تتمتع بنفس الحقوق، وبالتأكيد فإن كل طائفة دينية ستحاول استقطاب مناصرين جُدد. مهاجمة المسلمين والاعتداء عليهم، وعدم السماح لهم ببناء المساجد أو ممارسة حقوقهم الدينية يُعدّ اعتداء على الحرية الديمقراطية. لذلك يجب على كل المسلمين أو غير المسلمين الانتفاض للدفاع عن الحقوق الديمقراطية.
كيف يمكن حل هذه الأزمة من وجهة نظركم؟
من الناحية الواقعية، لا يوجد حل قصير المدى، لأن هذه السياسة الكاملة للعنصرية المعادية للإسلام ناجمة عن التناقضات السياسية والاقتصادية الأساسية في هذه المجتمعات، والتي سبّبتها التناقضات الأساسية للرأسمالية التي أدت إلى هيمنة نخبة حاكمة صغيرة على الاقتصاد والحياة السياسية.
كما أننا نعيش في عصر الرأسمالية الحديثة الذي يتسم أيضا بخلق العديد من القوى الإمبريالية العظمى، والتي تستغل النزعة الشوفينية لإضفاء الشرعية على سياستها الخارجية الإمبريالية، وما دامت هذه القوى العظمى الإمبريالية، وهذه النخب الحاكمة الرأسمالية موجودة وتهيمن على المجتمع وما دامت الحال هكذا فسوف يستغلون عنصرية الإسلاموفوبيا.
لذلك، فإن هذا الصراع سيكون طويل الأمد من أجل التغلب في النهاية على مثل هذه المجتمعات الرأسمالية، وخلق مجتمع اشتراكي ديمقراطي عادل.
ومع ذلك، أعتقد أنه من الممكن أيضا لبعض الأشياء غير الموجودة هنا في الوقت الحالي، وأعتقد أن حركة “حياة السود مهمة” في الولايات المتحدة تُعدّ مثالا ملهما للغاية. نحتاج في أوروبا، وليس أوروبا فحسب، إلى نوع من حركة “حياة المسلمين مهمة”، حيث يحتاج المسلمون وغير المسلمين إلى توحيد قواهم، والقتال معا للدفاع عن الحقوق الديمقراطية للمجتمع المسلم الصغير.
يجب على المسلمين، وغير المسلمين، التكاتف من أجل معارضة سياسة التحريض الإمبريالية التي يمارسها الاتحاد الأوروبي ككل في الشرق الأوسط ضد تركيا وفي شمال أفريقيا ضد الشعب الأفريقي. إن مثل هذا النوع من حركة “حياة المسلمين مهمة” في العالم أمر بالغ الأهمية في نظرنا. كما أنه أمر حاسم من أجل المقاومة للرد على هجوم الحكومات المعادية للمسلمين.
“ميشيل بروبستينغ في سطور”
هو ناشط سياسي منذ ما يقرب من أربعة عقود، وشارك في أنشطة التضامن مع مجتمعات المهاجرين في النمسا منذ سنوات عديدة، وخاصة أنشطة التضامن المناهضة للديكتاتورية العسكرية في مصر التي يمثلها الجنرال عبد الفتاح السيسي، وضد اضطهاد الأويغور في الصين، وضد اضطهاد الشعب الشيشاني في روسيا، والتضامن مع فلسطين والعديد من القضايا الأخرى.
ونشر العديد من الكتب، بما في ذلك “مناهضة الإمبريالية في عصر تنافس القوى العظمى”، و”السرقة الكبرى للجنوب”. بالإضافة إلى ذلك، ينشر بانتظام المقالات الأكاديمية، وكذلك المقالات والنشرات حول القضايا السياسية والاقتصادية والتاريخية. وتُرجمت أعماله للعديد من اللغات، فضلا عن أنه السكرتير الدولي لحزب التيار الشيوعي الثوري العالمي (RCIT).