سوريا .. لا تخشوا الأحزاب سيهزم الجمع ويولون الدبر
بقلم فضيلة البروفيسور/ الأمين الحاج محمد ( رئيس رابطة علماء المسلمين )
“الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ” (سورة آل عمران: 173)
الحمد لله الكبير المتعال، وصلى الله وسلم على محمد ما تعاقب الليل والنهار، وعلى أصحابه من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان.
أمَّا بعد..
فإنَّ الانتفاضة المباركة في بلاد الشام على النَّصيرية والرافضة الطغاة اللئام، تواجه حرباً إقليمية من جميع فِرق الرافضة، بل عالمية لتواطئ الكفار ومشاركتهم فيها ودعمهم لها شرقاً وغرباً، من الملحدين المشركين من يمدهم بالسلاح والعتاد، واستغلال حق النقض في مجلس [الظلم]، نحو: روسيا، والصين، ومن الصليبيين والصهاينة الحاقدين يمدونها بإطالة أمدها بالوعود الكاذبة والتسويف والاجتماعات الفارغة، بالتدبير والتعاون الخبيث والتنسيق مع روسيا والرافضة، تأميناً وحماية لليهود الغاصبين لفلسطين في إسرائيل؛ لأنَّ الطاغية الأسد وأباه من قبل هم من حماة هذه النبتة الشيطانية والخلية السرطانية حذراً من المارد الإسلامي.
أمَّا الحكام العرب والمسلمين، إلاَّ القليل منهم، أجار الله الأمة فيهم، وخلف عليها خيراً منهم، فهم صامتون صمت القبور لأنهم لا يحركون ساكناً إلاَّ بأمر من أسيادهم، ومن تحرك ويتحرك منهم له خطوط حمراء لا ينبغي له تعديها.
هذا الموقف الذي يواجهه المرابطون في بلاد الشام شبيه بما واجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في غزوة الخندق –الأحزاب–، حيث تجمعت كل قوى الكفر والشر من مشركي مكة، واليهود والمنافقين، وعزموا وصمموا على القضاء على هذه الدعوة في مهدها، وجاء المخذلون المثبطون يتظاهرون بالنصح للمؤمنين، ومخوفين لهم من تجمع كل قوى الشر ومحذرين: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (سورة آل عمران: 173-175)، “وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا” (سورة الأحزاب: 22).
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ” – إلى قوله: “وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
قال: قالها إبراهيم الخليل عليه السلام حين ألقيَ في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين قال لهم الناس: “إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ”.
قال ابن عباس وغيره: (المعنى يخوفكم أولياءه، أي بأوليائه أو من أوليائه) (الجامع لأحكام القرآن ج4/282).
أيها المجاهدون البواسل، ثقوا واطمأنوا أن الله ناصر لدينه، وخاذل لعدوه وإنَّ المسلمين لم ينتصروا على أعدائهم في جميع العصور بكثرة عددهم، ولا قوة سلاحهم، ولكن بنصرهم لدين الله وبصدق توجههم والتجائهم واعتمادهم عليه فهم يستنزلون النصر منه، وتيقنوا قول ربكم: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (سورة البقرة: 249).
فاصبروا وصابروا ورابطوا، فالشجاعة صبر ساعة، والحرب كرٌو فر. فإن تخليتم عن القصير (تكتيكاً) وتدبيراً فأنتم الكارون عليها وعلى غيرها، فما القصير إلاَّ موقع واحد من حوالي خمسمائة موقع في بلاد الشام أنتم مسيطرون على جلها. فقد فرَّ خالد بن الوليد بالمسلمين في مؤتة وكرُّوا عليهم في تبوك وانتصروا عليهم، وقد هُزِمَ المسلمون في أُحُد وحُنَيْن ثمَّ عادوا وانتصروا فيهما، فالأيام دُوَل، والحرب سجال.
واعلموا أنكم لم تمكنوا وتنصروا حتى تبتلوا وتمحصوا.
فعلينا وعليكم جميعاً تجنب أسباب الفشل وهي كثيرة والحرص على أسباب النصر وهي عزيزة، أهمها:
1. الصدق والإخلاص، وأن يكون غرض المقاتل الأول لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
2. الاجتماع والائتلاف والطاعة للقادة والحذر من النزاع والاختلاف، فإنهما من أقوى أسباب الفشل: “وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” (سورة الأنفال: 46).
3. الدعاء والتضرع واستنزال النصر من الله، ولنحذر أن نقول دعونا فلم يستجب لنا، بل نقاتل ونحن موقنون بنصر الله.
4. ألاَّ نستعجل النصر، فلكل أجل كتاب.
قال القرطبي رحمه الله في تأويل قوله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً”: (الفئة الجماعة من الناس والقطعة منهم..، الآية: تحريض على القتال، واستشعار للصبر، واقتداء بمن صدَّق ربه.
ثمَّ قال ناصحاً ومحذراً للمسلمين من أسباب الفشل: هكذا يجب علينا نحن أن نفعل؟ لكن الأعمال القبيحة، والنيات الفاسدة منعت من ذلك حتى ينكسر العدد الكبير منا قدَّام اليسير من العدو كما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا!
وفي البخاري: وقال أبوالدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم، وفيه مسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “هل ترزقون وتنصرون إلاَّ بضعائفكم”، فالأعمال فاسدة، والضعفاء مهملون، والصبر قليل، والاعتماد ضعيف، والتقوى زائلة!، قال الله تعالى: “وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ” (سورة الحج: 40)، وقال: “إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ” (سورة الأنفال: 45). فهذه أسباب النصر وشروطه، وهي معدومة غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا، بل لم يبق من الإسلام إلاَّ ذكره، ولا من الدين إلاَّ رسمه لظهور الفساد، ولكثرة الطغيان، وقلة الرشاد حتى استولى العدو شرقاً وغرباً، وبراً وبحراً، وعمت الفتن، وعظمت المحن، ولا عاصم إلاَّ من رحم) (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج3/255).
قلت: الخير باقٍ في هذه الأمة، وعلينا أن لا نيأس من رحمة الله، ومن عودة المسلمين الخيِّرين إلى دينهم، فمن فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولا يشكرون أن هذه الأمة لن تجتمع على ضلالة إذ لا تزال طائفة منها ظاهرة على الحق، لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتيَ أمر الله وهم على ذلك بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما هذه الثورة المباركة، والمقاومة المنصورة في بلاد الشام وغيرها إلاَّ تصديقاً لهذا الخبر الصادق، والوعد الحق.
أيها المجاهدون أنتم على ثغرة عظيمة من ثغور الإسلام، وتقومون بمهمة جليلة للحماية، وللذب، والدفع عن دينكم وسنة نبيكم وصحابة وأزواج رسولكم، وعن حريمكم ودياركم وأهليكم، فالله الله أن يُؤتى الإسلام من قلبكم، فعليكم أن تختزلوا حماية هذا الدين وديار المسلمين في فئتكم هذه المباركة كما اختزل أبوبكر الصديق رضي الله عنه من قبل حماية هذا الدين من أن ينتقص في شخصه الضعيف عندما لم يوافقه أحد من الصحابة في أول الأمر على قتال مانعي الزكاة قائلاً: (أينتقص هذا الدين وأنا حي)، وعندما علموا بصدقه وعزمه شرح الله صدورهم لما شرح له صدر أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.
أيها المجاهدون، الإسلام اليوم يعيش غربة ولا غربته الأولى، مصداقاً لقول رسوله صلى الله عليه وسلم: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء” الحديث.
فاستبشروا بغربتكم وقوموا بواجبكم، واعملوا لنصرة دينكم، واحذروا أسباب الفشل تنصرون بإذن ربكم.
وأنتم أيها الأحزاب وأعني بهم الرافضة الإمامية وغيرهم، اعلموا إنكم خارجون عن ملة الإسلام، محادون لله ورسوله، أعداء لصحابته وآل بيته، واعلمو أن قتلاكم في النار إن ماتوا على هذه العقائد الكفرية والأعمال الإجرامية، وأنكم مخذولون في الدنيا والآخرة، وثقوا أن الله ناصر لدينه، ممكِّن له، طال الزمن أم قصر:
لا تحسبنَّ الله خاذل دينه ونبيه يا معشر الأحزاب
اللهم انصر المجاهدين، وقوي عزائمهم، وسدد سهامهم وآراءهم، وتقبل شهداءهم، وداوي جرحاهم.
اللهم مُنَزِّل الكتاب، مجريَ السحاب، هازم الأحزاب انصر المجاهدين على عدوك وعدوهم، اللهم امكر لهم، ولا تمكر عليهم. اللهم لا تكلهم إلى أنفسهم ولا إلى غيرهم طرفة عين ولا أقل من ذلك، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على إمام الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه الأصفياء، وعلى من تبعهم باحسان إلى يوم اللقاء.
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)