مقالاتمقالات مختارة

سنّة لبنان اليتامى ليسوا بحاجة لأب!

سنّة لبنان اليتامى ليسوا بحاجة لأب!

بقلم أواب المصري

“أنا بيّ السنّة في لبنان، وأعرف أين مصلحتهم”، قالها رئيس الوزراء اللبناني المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، مما استدعى تصفيقاً حاراً من الحضور. كلام الحريري جاء على خلفية تعثر تشكيل الحكومة بعد إصرار حزب الله توزير أحد حلفائه السنة من حصة الحريري.

تاريخياً، لم يكن للطائفة السنّية في لبنان أباً ولا أماً حتى ولا أخاً يسندهم، رغم أن المسلمين السنّة لطالما كانوا متشوقين لحضن أب يلجأون إليه يحتمون به ويتنعمون بدفئه. في الستينات وفي ظل المدّ الناصري، هتف سنّة لبنان بحياة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، معتقدين أنه الأب الذي يمكن أن يحميهم، لكن سرعان ما خيب آمالهم. في السبعينات، لم يجد سنّة لبنان خياراً إلا الراحل ياسر عرفات علّه يكون أباً لهم، فانضوى كثير منهم في صفوف منظمة التحرير والأحزاب اللبنانية التي كان يدعمها أبو عمار لمواجهة “المارونية السياسية”.

بعد خروج عرفات من لبنان في بداية الثمانينات، ومع بدء الوصاية السورية تحت مسمى قوات الردع العربية، عملت دمشق على سحق جميع القوى والأحزاب التي كان يدعمها عرفات والتي كان يمكن أن تشكل مظلة للسنّة في لبنان، كحركة المرابطون في بيروت وحركة التوحيد في طرابلس، كما جرى حصار المخيمات الفلسطينية وتجويع أهلها وإذلالهم، فشعر السنّة باليتم والانكسار.

في بداية التسعينات وبعد اتفاق الطائف، دخل الراحل رفيق الحريري الحياة السياسية من أوسع أبوابها، مستنداً لعلاقات دولية واسعة، ورعاية سعودية مباشرة. حرص الحريري الأب على عدم استفزاز النظام السوري، فابتعد عن الطروحات الطائفية، وساير المنظومة السياسية التي فرضها النظام السوري وتماهى معها. بعد وصول بشار الأسد إلى الرئاسة في سوريا ووجود إميل لحود في لبنان، بدأ الخناق يضيق حول عنق الحريري، فبدأ يوسع من زعامته الشعبية، واكتسح الانتخابات النيابية عام 2000 رغم كل مساعي التضييق والحصار التي بذلها بشار الأسد من خلال أدواته في لبنان. فبات الحريري زعيماً وطنياً وأباً للسنّة في لبنان، هذا الواقع كانت نتيجته اغتيال الحريري عام 2005.

اليوم يطرح الحريري الابن نفسه أباً للسنّة في لبنان كما كان والده. لا تكمن المشكلة فقط في عدم أحقية الحريري بأن يكون أباً للسنة، بعدما كشفت الانتخابات النيابية أنه لم يعد الممثل الوحيد لهم، بل أيضاً لأنه لا مصلحة للحريري أن يكون كذلك. فمن اغتال رفيق الحريري حين صار زعيم السنّة في لبنان لا مانع لديه من اغتيال سعد الحريري وجميع آل الحريري وأي زعيم سني آخر إذا اضطر لذلك. ربما تغيرت الظروف لكن إرادة القتل والإجرام مازالت موجودة. المسلمون السنّة في لبنان ليسوا بحاجة لأب يقرر مصالحهم، هم يحتاجون لأخ يكون إلى جانبهم، يجمعهم ويتعاون معهم، يتشاور معهم، يحرص عليهم كما يحرصون عليه.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى