سليمان القانوني.. خادم الحرمين الذي تتنكر السعودية لفضله
بدأت السعودية تزوير التاريخ العثماني حسب المتغيرات السياسية مع تركيا، إذ تشنّ هجمة على السلطان العثماني سليمان القانوني. فمَن القانوني الذي لم يرُق للسعودية إطلاق اسمه على أحد شوارع الرياض؟ وما دوره في الحفاظ على المقدسات في بلاد الحرمين؟
سلّطت حادثة إزالة السلطات السعودية لافتة تحمل اسم “سليمان القانوني” من أحد شوارع العاصمة الرياض، الضوء على شخصية السلطان العثماني الذي تحاول السعودية إزالة كل ما من شأنه أن يوجه الأنظار إليه وإلى الإرث العثماني الذي امتدّ لسنوات على طول الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
وكانت فترة حكم سليمان القانوني الذي وُلد عام 1494 في طرابزون، في العهد العثماني، هي الطولى، إذ استمرت لمدة 46 عاماً، وهو عاشر السلاطين العثمانيين وثاني من حمل لقب الخلافة من آل عثمان، وقد وصلت الدولة العثمانية في عهده إلى أقصى اتساع لها.
السلطان العثماني.. خادم الحرمين
بدأ الحكم العثماني مع نهاية دولة المماليك التي حكمت مصر والشام والحجاز وبرقة لأكثر من قرنين ونصف، وأصبح العثمانيون السادة الجدد لتلك المناطق وبلاد الأناضول وشرق أوروبا والقسطنطينية، وامتد سلطانهم من العراق إلى الجزائر، وأصبح السلطان العثماني ملقباً بخادم الحرمين الشريفين.
وحفظ العثمانيون لهذا اللقب قيمته، إذ خدموا بلاد الحرمين على أتمّ وجه وأعادوا للمقدسات رونقها القديم الذي زال بسبب ضعف المماليك عن أداء المهمة نتيجة لصراعاتهم الداخلية، وضعف اقتصادهم الذي وقف عائقاً أمام التجديد والتعمير في السنوات العشرين الأخيرة من دولتهم.
سليمان القانوني كان الابن الوحيد للسلطان سليم الأول، وأصبح حاكماً في شبه جزيرة القرم في عهد جده بايزيد الثاني، ومانيسا في غربي آسيا الصغرى في عهد سليم الأول
أما سليمان القانوني الذي خلف والده سلطاناً عام 1520، فقد بدأ عهده بحملات ضدّ القوى المسيحية في وسط أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، إذ سيطر على بلغراد في عام 1521، وفي عام 1523 دخل رودس، التي كانت تحت حكم فرسان القديس يوحنا لفترة طويلة. وفي أغسطس/آب عام 1526 حطم القوة العسكرية للمجر، كما شنّ حملات كبرى ضد بلاد فارس بين عامي 1534و1549 انتهت بسيطرة العثمانيين على منطقة أرضروم في شرق آسيا الصغرى.
ودخل العثمانيون العراق، وسيطروا على المناطق المحيطة ببحيرة فان، ولكنهم لم ينجحوا في إخضاع الدولة الصفوية في بلاد فارس، وجرى توقيع أول سلام رسمي بين العثمانيين والصفويين عام 1555.
وفي عهد سليمان القانوني أصبحت طرابلس شمال إفريقيا في يد العثمانيين عام 1551، فيما بلغت القوة البحرية العثمانية في هذا الوقت مناطق بعيدة مثل الهند، حيث قام أسطول أُرسِلَ من مصر بمحاولة فاشلة في عام 1538 للاستيلاء على مدينة ديو من البرتغاليين.
على صعيد شخصي، كان السلطان سليمان شاعراً له ذوق فني رفيع، وخطاطاً يجيد الكتابة، وملمّاً بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرماً بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى، فشيد المعاقل والحصون في رودس وبلجراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة.
وقرب منه أشهر المهندسين المعماريين في التاريخ الإسلامي وهو سنان باشا، الذي اشترك في الحملات العثمانية، واطلع على كثير من الطرز المعمارية حتى استقام له أسلوب خاص، ويعد جامع السليمانية الذي بناه للسلطان سليمان في سنة (964هـ/1557م) من أشهر الأعمال المعمارية في التاريخ الإسلامي.
وتوفي سليمان القانوني في أثناء حصار قلعة زيغتفار في المجر في 6 سبتمبر/أيلول عام 1566، بعدما أحاط نفسه بالإداريين ورجال الدولة ذوي القدرات غير العادية.
وكان لسلميان القانوني اهتمام كبير بالقدس، إذ رمم سورها وبنى أبوابها وحصّنها من جديد فقد ظلّت القدس بلا أسوار لمدة تعدّت 300 عام كاملة، منذ أن دمّر الملك المعظّم عيسى الأيوبي أسوارها سنة 616هـ/1219م، الأمر الذي تسبب في استيلاء الملك الألماني فردريك على القدس على طبق من ذهب، وفق اتفاقية مخزية مع السلطان الأيوبي الكامل محمد سنة 626هـ.
تفنيد الأكاذيب
تساءل كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي والنشطاء عن أسباب تصرف السعودية المسيء لذكرى السلطان الذي قدم كثيراً لبلادهم، إلا أن أمانة منطقة الرياض لم توضح أسباب الإزالة أو الاسم البديل لهذا الشارع، فيما ذهب آخرون إلى استحضار المناكفات السعودية وانتقادها الدائم لتركيا بعد فضح الأخيرة لتورط مسؤولين سعوديين في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، دون محاسبة الجناة الذين ثبت تورطهم.
أمانة منطقة #الرياض تزيل اسم سليمان القانوني من أحد شوارع #الرياض .
.— أخبار السعودية – هام (@Newss_24) June 12, 2020
وعلى الرغم من عدم وجود تصريح رسمي عن سبب إزالة اسم الشارع، فإن حساب “إخبارية رفحاء” نشر على تويتر أن أمانة الرياض أزالت لوحات باسم السلطان العثماني سليمان القانوني من أحد شوارعها، بسبب “سرقة السلطان سليمان أجزاءً من الحجر الأسود ونقلها لبلاده الأتراك”.
ففي القرن السادس عشر الميلادي، ثبّت المعماري العثماني الشهير سنان، أربعة أجزاء من تلك القطع في جامع “صوقوللو محمد باشا” في إسطنبول، أما القطعة الخامسة فلا تزال مثبَّتة في ضريح السلطان سليمان القانوني، في حين توجد القطعة السادسة في مسجد “أسكي” بمدينة “أدرنة”.
ولا ينكر الأتراك وجود هذه القطع الصغيرة في بلادهم، لأنهم يتعاملون معها على أنها أمر تشريفي لهم، وأنهم حموا هذه القطع من الاندثار على مدى ما يقارب خمسة قرون، وهو ما كان يراه السعوديون قبل الخلافات السياسية الأخيرة، صيانة لتلك الأجزاء من الضياع.
حماية العثمانيين للمقدسات الإسلامية
وفي حقبة سليمان القانوني في أثناء أعمال ترميم الكعبة، عمل السلطان سليمان القانوني على وضع خطة محكمة لحماية الأماكن المقدسة وغيرها من الخطر البرتغالي، وكانت له أعمال عظيمة في خدمة الحرمين وتأمين طرق الحج.
وسبق أن نشرت مواقع سعودية، كموقع العربية المعروف بمهاجمته الدائمة للسعودية، تقارير تسرد مساهمة العثمانيين في تعمير البيت الحرام، وتتحدث عن سلاطين عثمانيين عملوا على إعمار الحجاز، مثل سليمان القانوني الذي صنع باباً للكعبة من خشب الآس.
وأشارت تلك التقارير إلى اهتمام العثمانيين بكسوة الكعبة، وكيف كانت تُصنع في مصر وتُرسَل عن طريق المحمل وتُودَّع وتُستقبل باحتفالات في مصر والحجاز، وظلت حتى عام 1345 للهجرة حين توقفت الحكومة المصرية عن إرسال الكسوة”.
وفي تلك الحقبة كان خطر يُحدِق بأرض الحرمين من البرتغال، ولإزالة هذا التهديد عمل السلطان سليمان القانوني على وضع خطة محكمة لحماية تلك الأماكن، تتمثل في اتخاذ عدن خط دفاع وقاعدة عسكرية لضرب البرتغاليين في مراكزهم بشرق الجزيرة العربية، والسيطرة على البحر الأحمر، وأغلق سليمان البحر الأحمر في و جه سفن البرتغاليين، فكان العمل على ذلك حتى القرن 18 الميلادي، وذلك لحماية الأراضي المقدسة من أي أطماع.
ويذكر المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي في كتابه “الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها“، أن العثمانيين أحبطوا مخططاً برتغالياً لاحتلال مكة والمدينة ونبش الجسد النبوي، وقبضوا على جواسيسهم وأرسلوا بهم إلى السلطان الغوري عام 1510م.
ثم شرع السلطان سليمان بعد توليه الحكم في مهاجمة البرتغاليين واستولى على عدن، ثم رد البرتغاليون بحملة مضادة ودخلوا البحر الأحمر واتجهوا إلى ميناء السويس مقر القاعدة العثمانية البحرية، لكنهم ولوا مدبرين بعد أن رأوا تأهُّب العثمانيين.
وبالإضافة إلى تأمين طرق الحج، عمل القانوني على إعمار باب السلام في المسجد الحرام، وتجديد وإعمار مآذن الحرم ومقامي المالكي والحنبلي عام 932هـ، كما أصلح مقام إبراهيم عام 949هـ، وكذلك أصلح المطاف وتغيير بلاطه القديم، ووضَع منبراً من الرخام الأبيض البراق في المسجد، ظلّ يُخطب عليه حتى عام 1400هـ، بعدها نُقل إلى متحف الحرم.
(المصدر: تي آر تي TRT العربية)