سلفيون مداخلة وأشاعرة يؤيدون تطبيع الإمارات.. ما سر توافقهم؟
إعداد بسام ناصر
على الرغم من عمق الاختلافات العقدية والمنهجية بين السلفية المدخلية والأشاعرة الصوفية، إلا أن بعض شيوخ التيارين اتفقوا على تأييد التطبيع الإماراتي ـ الإسرائيلي الذي أُعلن عنه منتصف الشهر الماضي، ومع أن سجل الاتهامات المتبادلة بين الفريقين طافح بالتضليل والتبديع والتكفير إلا أنهما تجاوزا ذلك كله ليقفا معا في صف مباركة ذلك الاتفاق والإشادة به.
ذلك التوافق في الرأي والموقف المؤيد للإمارات والمبارك لخطوتها باتجاه تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، أثار تساؤلات حول دوافعه الحقيقية، والأسرار التي تكتنفه، وهو ما يكشف، وفق مراقبين عن دور الأنظمة السياسية في صناعة مواقف الاتجاهات الدينية المختلفة والمتنازعة بما يخدم أجنداتها، ويمرر سياساتها.
الداعية اليمني، الحبيب علي الجفري المعروف بصوفيته وأشعريته علق على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي “أثق في دولة الإمارات وإرادتها الخير، ولا أثق في العدو الصهيوني والتزامه العهود.. وأثق على وجه التحديد في أخي الشيخ محمد بن زايد ثقة مبنية على معرفة عن قرب في المدة التي كنت مقيما في الإمارات”.
وقال في منشور له عبر حسابه على الفيسبوك: “وأعلم عن اطلاع بجدية اهتمامه لأمر المسجد الأقصى الشريف وشهدت مواقف له في ذلك لا يسمح الظرف ببسطها”، ذاكرا أن “قرار عقد المعاهدات مع العدو صلحا كانت أو هدنة هو من مسائل السياسة الشرعية التي أُنيطت بولي الأمر وفق ما يظهر له من مصلحة عامة”.
وفي ذات الإطار وصف الداعية السعودي، عبد الله فدعق دولة الإمارات العربية بعد توقيع الاتفاق بـ”الشجاعة، مارست كامل حقها السيادي، وربحت وصنعت مشكورة سلاما تاريخيا مدويا، أعلنه بكل حكمة، وبمنتهى بعد النظر، سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي.. قائلا :”اتفقت الإمارات وإسرائيل على وضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك وصولا إلى علاقات ثنائية”.
وأضاف فدعق، وهو من رموز الصوفية المتذهبين بالمذهب الأشعري في مقال له منشور في صحيفة (الوطن) السعودية “ومن يفهم (ألف باء) الشرع يفهم أن فقه (السياسية الشرعية) والذي يسمى (السياسة العادلة) يخول ولي الأمر رعاية مصالح الناس، ومقاصد الشرع، وتقديم المصالح، والموازنة بينها وبين المفاسد، وأنه قرار وإجراء سياسي، جاء لتحقيق غايات نبيلة دعا إليها دين السماحة والتعايش..” معتبرا أن ما قامت به الإمارات هو من باب “اغتنام فرص السلام وعدم تفويتها”.
من جهته أشاد السلفي (المدخلي) اليمني، هاني بن بريك بالاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وقال في تغريدة له عبر حسابه على تويتر: “..اتفاق وضع خارطة طريق نحو تعاون مشترك مع إسرائيل وصولا لعلاقات ثنائية قرار شجاع من قائد حكيم سيخدم خيار العرب في حل الدولتين، وخدمة الشعب العربي الفلسطيني وإنهاء المتاجرة بالقضية”.
وفي ذات السياق قال السلفي (المدخلي) الكويتي، محمد العنجري: “.. مسألة الصلح مع العدو ترجع لولي الأمر المسلم في دولته، ومع تعدد الأقاليم فهو صاحب القرار لما يراه من مصلحة معتبرة لبلاده، والشيخ محمد بن زايد وفقه الله ولي أمر الإمارات حفظها الله صرح بالاتفاق المبرم في الأمس بينه وبين إسرائيل وهذا حقه، فقد أجاز له الشرع كولي أمر شرعي أن يعقد هذا الاتفاق ولا يجوز أن ينازع في ذلك بل يجب على الشعب الإماراتي الكريم أن يقف مع ولي أمره في اتفاقه”.
ومع أن العنجري أوجب على الشعب الإماراتي الوقوف مع ولي أمره في الاتفاق الذي وقعه مع الإسرائيليين كحق خوله له الشرع، إلا أنه أكد أنه ككويتي يتمثل موقف ولي أمره في الكويت الأمير الشيخ صباح الأحمد، وفق ما جاء في بيانه، وهو ما يتماشى مع رؤية السلفية المدخلية في طاعة أولياء الأمر وعدم منازعتهم فيما ليس فيه معصية.
في تفسيره لذلك التوافق بين شيوخ سلفيين (مداخلة)، وأشاعرة متصوفة على تأييد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي أرجع الأكاديمي الفلسطيني، أستاذ العقيدة والفرق بالجامعة الإسلامية في غزة، صالح الرقب ذلك إلى أن كلا من “المداخلة والصوفية يعطون الولاء التام للحاكم ويمدحونه، ويصدرون الفتاوى في تأييد ما يقوم به من تصرفات سياسية أو غيرها، حتى لو كانت مخالفة للدين” على حد قوله.
وأضاف لـ“عربي21”: “والحكام يستغلون الطرفين في محاربة الصحوة الإسلامية وعلمائها ودعاتها، خاصة حركة الإخوان المسلمين، والطرفان هما من يسيطر على تجمع علمائي، يعرف باسم (مجلس حكماء المسلمين)، الذي تدعمه دولة الإمارات، لذا فإن هذا المجلس بارك اتفاقية التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني”.
وتابع: “كما يؤيد الطرفان ما يوصف بالتسامح الديني، وقد أيدا كل ما قام به محمد بن زايد، ومحمد بن سلمان في التعامل مع الوثنيين” لافتا إلى أن “ثمة سياسات عدائية تنبع من حقد دفين ضد جماعة الإخوان تحت راية ابن زايد، لإجبارهم على اتخاذ مواقف مناصرة لكل أفعاله المخالفة للدين والعقل” وفق وصفه.
من جانبه رأى الكاتب والأكاديمي السعودي، أحمد بن راشد بن سعيّد أن “هذه الفرق التي تزعم السلفية، أو تنتسب إلى التصوّف ليس لها من التدين إلا الديكور من لحية أو مسبحة أو علامة سجود، فهي من إنتاج أنظمة، صنعتها على عينها، وسقتها بالريال والدرهم، وعلّمتها كيف تلبّس على الناس من خلال احتكار العقيدة، واجتزاء النصوص، وصولا إلى إخراج من تعاديهم الأنظمة من الإسلام، ومن ثمَّ استباحة دمائهم وأمولهم”.
وواصل حديثه لـ“عربي21” بالقول “الأسماء لا تجسّد الحقائق، وهذه المجموعات تتناسل وتنتشر في أكثر من مكان استجابة لإرادة الأنظمة التي تقف وراءها، وقد تقع في تناقضات فجّة وصادمة لأن المخرج المصاب بالعمى يقفز من جُرف إلى منحنى، فيوحي إلى صنيعته كل يوم بشيء جديد، ولا يملك الصنيع من أمره شيئا”.
وأردف: “ولهذا نرى أحدهم ينتصر يوما لصحيح البخاري، ثم يطعن فيه، ونراه يقف ضد سفّاح الشام، ثم ينضم إلى من يطالب بإعادة تأهيله، ونراه يصنّف تركيا حليفا إستراتيجيا، ثم يعدُّها العدو الأول والأخطر، وهلمَّ جرا، لكن السلفية الحقيقية، وحتى التصوف التقليدي بريئان من اختطافهما وتسخيرهما من أجل الدعاية للأنظمة أو زعمائها”.
وشدد سعيّد على أهمية “كشف حقيقة هؤلاء، وبيان مدى ارتباطهم بالأنظمة، والنظر إليهم بوصفهم أدوات، وتحذير الرأي العام من الدور الخطير والتخريبي الذي يضطلعون به” وفق تعبيره.
ووفقا للداعية والباحث الأردني، المقيم في السويد، فكري المسكاوي فإن “الخلاف العقدي بين بعض الفرق والجماعات الإسلامية خلاف لا علاقة له بالخلاف السياسي في الأصل، فالخلاف العقدي ما بين المداخلة والصوفية سواء كانوا من الأشاعرة او الماتريدية، وما ينبني عليه من تكفير وتفسيق بعضهم بعضا واعتبار الأفضلية عند كل طرف لما هو عليه يدور في إطار موافقة السلطان والنظام على هذا الصراع العقدي بينهما”.
وواصل “فكلاهما يدوران في فلك الأنظمة، وقراراتها لهم في كافة مسائلهم، وقد رأى الناس أن هؤلاء كان عندهم الاستعداد الكامل لمخالفة نصوص الشرع إذا خالفت الحاكم، وعليه فموقف الطرفين من التطبيع هو عندهم اعتبار ديني عقدي متفق عليه، لأنهم من الأساس تجمعهم عقيدة تقوم على موافقة الحاكم في كل ما ذهب إليه حتى لو كان فيه معصية لله، فتجد الطرفين يتسابقان في تبرير فعل الحاكم وليّ أعناق النصوص لإيجاد مخرج له”.
وردا على سؤال لـ “عربي21” حول إمكانية تجاوز الطرفين لاختلافاتهم العقدية والمنهجية وتعاونهم في حدود المشترك بينهما، استبعد المسكاوي “تنازل المداخلة عن مهاجمة الصوفية، حتى يظلوا محافظين على وجههم السلفي الذي يزعمونه لأنفسهم، وفي الوقت نفسه لن يتنازل الصوفية عن هجومهم على المداخلة”.
ونبه إلى أن “النتيجة التي يجب ان لا تغيب عن بال أحد أن صراع المداخلة مع الصوفية والعكس صحيح يمكن أن ينتهي بقرار ضابط مخابرات.. لما يدين به الطرفان للأنظمة من الولاء وفروض السمع والطاعة وإن جلد ظهرك وأكل مالك”.
لكن المسكاوي استدرك في ختام حديثه قائلا: “إلا أن مثل هذا القرار لا يمكن اتخاذه في زماننا الحالي لأن مصلحة الأنظمة قائمة على تعدد مشارب الموالين لها بغية ايجاد تعدد في الخيارات عند المواطن فيسلك سبيل إحدى هذه الجماعات أو التيارات ليصبح تلقائيا موال للأنظمة، يقبل بكل ما يصدر عنها، ولو وصل الأمر للتنازل عن القدس، وليس مجرد التطبيع”.
(المصدر: عربي21)