سلسلة قدوات من التاريخ الإسلامي(7) – السلطان السلجوقي ملكشاه
الملك العادل التقي الواعظ
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
هو السلطان الكبير جلال الدولة، أبو الفتح ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان محمد بن جغر السلجوقي التركي، تملك بعد أبيه، ودبّر دولتهُ النظام الوزير بوصية من ألب أرسلان إليهِ في سنة خمس وستين .( الذهبي، 1982، ج19، ص55).
1 ـ تفقده للرعية:
زار الأقاليم وتفقد أحوال الرعية واحتياجاتهم بنفسه، وبنى المخافر في السبل، فانتشر الأمن من حدود الصين إلى البحر المتوسط، ومن جورجيا إلى اليمن جنوباً، وقام بجولة من أصبهان إلى الأنبار، ومنها إلى الموصل، ثم سار إلى حلب حيث قضى على بعض أمرائها، وكان وزيره النظام يرافقه في جميع سفراته وجولاته، وهو الذي يدبّر الأمورَ له ، (محبوبة ،1999، ص348) وكانت دولتهُ صارمة، والطرقات في أيامهِ امنة، ومع عظمته يقف للمسكين والمرأة والضعيف فيقضي حوائجهم ، وقد عمّر العمارات الهائلة، وبنى القناطر، وأسقط المكوس، والضرائب وحفر الأنهار الكبار الخَرَاب، وبنى مدرسة أبي حنيفة والسوق، وبنى الجامع الذي يقال لهُ: جامع السلطان ببغداد .(ابن كثير، 1998، ج16، ص130)
2 ـ تشييعهُ لركب الحجاج العراقي:
شيَّعَ مرة ركب العراق إلى العُذَيب ، فصاد شيئاً كثيراً، فبنى هناكَ منارة القرون من حوافر الوحش وقرونها، ووقف يتأمل الحجاج، فرقَّ ونزل وسجد، وعفَّر وجهه وبكى، وقال بالعجمية: بلِّغوا سلامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولوا: العبدُ العاصي الابق أبو الفتح يخدم، ويقول: يا نبي الله ! لو كنتُ ممّن يصلح لتلك الحضرة المقدسة؛ كنتُ في الصحبة، فضجَّ النَّاس وبكوا، ودعوا له .( الذهبي، 1982، ج19، ص56)
3 ـ مناصرة المظلومين:
كانت لملكشاه أفعال حسنة وسيرة صالحة، ومن ذلكَ: أن فلاحاً أنهى إليهِ أن غلماناً له أخذوا له حمل بطِّيخٍ هو رأسُ ماله، فقال: اليوم أرُدُّ عليكَ حملك، ثم قال لقومه: أريد أن تأتوني ببطيخ، ففتشوا، فإذا في خيمة الحاجب بطيخ، فحملوه إليه، فاستدعى الحاجب، فقال: من أين لك هذا البطيخ؟ قال: جاء به الغلمان، فقال: أحضرهم، فذهب فهرَّبهم، فأرسل إليهِ، فأحضره وسلَّمه إلى الفلاح، وقال: خذ بيده، فإنه مملوكي، ومملوك أبي، فإياكَ أن تفارقه، فردَّ عليهِ حمله، فخرج الفلاحُ يحمله، وفي يدهِ الحاجب، فاستفدى نفسهُ منه بثلاثمئة دينار .(ابن كثير، 1998، ج16، ص131)
4 ـ دعاؤه لله أن ينصر الأصلح للمسلمين:
ولما توجَّهَ لقتالِ أخيه تكشى؛ اجتاز بطُوس، فدخل لزيارِة قبر عليِّ بن موسى الرِّضا، على زعمِ بعض المؤرخين، ومعهُ نظام الملك، فلمّا خَرجا قال للنظام: بمَ دعوت؟ قال: دعوت الله أَنْ يظفِّركَ على أخيك.
فقال: لكنِّي قُلتُ: اللهمَّ إن كانَ أخي أصلح للمسلمين؛ فظفِّرهُ بي، وإن كنتُ أصلح لهم فظفِّرني به.
وقد سار ملكشاه هذا بعسكره من أصبهان إلى إنطاكية فما عرف أنَّ أحداً من جيشهِ ظلم أحداً من رعيَّتهِ .
5 ـ الستر على أعراض المسلمين:
استعدى إليهِ تركمانيٌّ: أنَّ رجلاً افتضَّ بكارة ابنته، وهو يريد أن يمكنه من قتله، فقال له: يا هذا ابنتكَ لو شاءت ما مكَّنته من نفسها، فإن كنت لا بد فاعِلاً فاقتلها معه، فسكتَ الرجل، ثم قال الملك: أو خير من ذلكَ؟ قال: وما هو؟ قال: فإنَّ بكارتها قد ذهبت، فزوِّجها من ذلكَ الرجل، وأمهرها من بيتِ المال كفايتها، ففعل .( ابن كثير، 1998، ج16، ص131)
6 ـ واعظ مع ملكشاه:
وحكى له بعض الوعَّاظ: أن كسرى اجتاز يوماً في بعض أسفاره بقرية منفرداً من جيشهِ، فوقفَ على باب دار، فاستسقى، فأخرجت إليهِ جارية إناء فيه ماء قصب السُّكَّر بالثلج، فشرب منه فأعجبه، فقال: كيفَ تصنعين هذا؟ فقالت: إنَّهُ سهل علينا اعتصاره على أيدينا، فطلب منها شربةً أُخرى، فذهبت لتأتيه بها فوقع في نفسه أن يأخذ هذا المكان منهم ويُعَوِّضهم عنه، فأبطأت عليهِ ثم خرجت وليسَ معها شيء، فقال: ما لكِ؟ فقالَتْ: كأن نيّةَ سُلطانِنا تغيَّرت علينا، فتعسَّرَ عليَّ اعتصاره ـ وهي لا تعرف: أنه السلطان ـ فقال: اذهبي فإنكَ الآن تقدرين، وغير نيّتهُ إلى غيرها، فذهبت، وجاءتهُ بشربةٍ أخرى سريعاً فشربها وانصرف.
فقال له ملكشاه: هذه تصلح لي، ولكن قُصَّ على الرعيَّة حكاية كسرى الأخرى حين اجتاز بِبُستانٍ، فطلب من ناطوره عنقوداً من حصرم، فإنه قد أصابته صفراء، وعطش، فقال لهُ الناطور: إنَّ السلطان لم يأخذ حقه منه، فلا أقدر أن أعطيكَ منه شيئاً. قال: فعجب الناس من ذكاء الملك وحسن استحضاره هذه في مقابلة تلك .( ابن كثير، 1998، ج16، ص132)
7 ـ إقامة العدل على الأمراء:
واستعداه رجلان من الفلاحين على الأمير خُمارتيكين: أنه أخذ منهما مالاً جزيلاً، وكسرَ ثَنِيَّتَهما، وقالا: سمعنا بعد ذلكَ في العالم، فإن أقدتنا منه كما أمرك الله وإلا استعدينا عليكَ الله يوم القيامة، وأخذا بركابه، فنزل عن فرسه، وقال لهما: خُذا بكُمِّي فاسْحباني إلى دار نظام الملك، فهابا ذلكَ، فعزم عليهما، ففعلا ما أمرهما به، فلمّا علم النظام مجيء السلطان إليه؛ خرج مسرعاً من خيمتهِ، فقال لهُ الملك: إنِّي قلدتكَ الأمر لتُنصفَ المظلومَ ممَّنْ ظلمه، فكتب من فوره بعزل خمارتيكين، وحلّ أقطاعه، وأن يرد إليهما أموالهما، وأن يقلعا ثنيَّتيه إن قامت عليهِ البيِّنة، وأمر لها الملك من عنده بمئة دينار .(ابن كثير، 1998، ج16، ص132)
8 ـ المالُ مال الله والعباد عبيده:
أسقط مرّة بعض المكوس ، فقال رجل من المستوفين : يا سلطان العالم إن هذا يعدل ستمئة ألف دينار وأكثر، فقال: ويحكَ إن المال مال الله، والعباد عبيده، والبلاد بلاده، وإنما يبقى هذا لي، فمن نازعني هذا ضربتُ عنقه .( ابن كثير، 1998، ص16، ص132)
9 ـ إني أغار على هذا الوجه الجميل من النار:
غنَّته امرأة حسناءَ فطَرِبَ، وتاقت نفسه إليها، فهمَّ بها، فقالت: أيها الملكُ، إنِّي أغار على هذا الوجهِ الجميل من النار، وبين الحلال والحرام كلمة واحدة، فاستدعى القاضي، فزوجه بها .( ابن كثير، 1998، ص16، ص133)
______________________________________________________
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، مؤسسة إقرا، القاهرة، 2006، صص 108-111
شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، سير أعلام النبلاء، ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1402 هـ/ 1982م..
ابن كثير، البداية والنهاية، مركز البحوث والدراسات بدار هجر مصر، الطبعة الأولى 1419 هـ.-1998
عبد الهادي محمد رضا محبوبة، الحسن بن علي بن إسحاق الطرطوسي ( نظام الملك) ، الدار المصرية اللبنانية.1420ه-1999م