سلسلة جيل العزة متى نبدأ في غرس العقيدة ؟
متى أحدث طفلي عن الله؟
ما هي السن المناسبة للحديث عن الملائكة؟
هل يجب أن نؤخر الحديث عن الغيبيات لما بعد السابعة حتى لا يفزع الطفل؟
لنجيب عن هذه الأسئلة نحتاج أولًا أن نتذكر ان الله خلق أطفالنا على الفطرة..فطرة تؤمن به وتعرفه وتأنس للحديث عنه؛ ولذا فنحن لن نحدثهم حديثًا غريبًا عن فطرتهم, بل الحديث عن الله وأركان الإيمان به مما يتواءم مع فطرتهم.
تأخير الحديث عن الغيبيات لما بعد السابعة لا دليل عليه من قرآن ولا سنة, وهو رأي لأحد مدارس علم النفس التي ترى أن الطفل لا يستوعب ذهنه سوى المحسوسات وبناء عليه يرون تأجيل الحديث عن الغيبيات لما بعد السابعة.
وعلم النفس علم غربي يؤخذ منه ويرد وينقض بعضه بعضًا, والعالم الغربي يعاني من سطوة المادية الجارفة بعد أن تجاهل قدرة الإنسان على الإيمان بالغيب وأقر مفردات العلم التجريبي فقط متجاهلًا المكون الغيبي في معارف الإنسان.
ولذا من الطبيعي أن يلفظ علم النفس الإيمان بالغيبيات.
وبينما أقر علم النفس الغربي بسلطة المنهج التجريبي الحسي وبنى عليه استبعاد الميتافيزيقا واللاهوت, فإنه لم يستبعد الخرافات..الثقافة الغربية زاخرة بحروب الفضاء والحيوانات المتكلمة والجمادات كذلك والسحر والهياكل العظمية , والعجيب أن تقبل الأسرة المسلمة تعرض طفلها لخرافات كهذه في أفلام الكارتون وبرامج الأطفال وتخشى الحديث معه عن الله وملائكته والشياطين والجنة والنار.
يحتاج المربي المسلم أن يعرف أنه يخاطب فطرة تأنس بالله وتعرفه وأن حديثه مع أطفاله عن الله ليس أجنبيًا عن عقولهم ومداركهم.
يحتاج أيضًا أن يكون متوازنًا في حديثه..فلا يسبق حديثه عن النار الكلام عن الجنة, بل يعرف الطفل أن الجنة للمؤمنين بالله والنار لغيرهم..ولا يركن في الحديث عن الله إلى أنه غفور رحيم ودود لطيف..فهو سبحانه غفور شديد العقاب..رحيم سريع الحساب..النظرة التكاملية عند الحديث عن صفات الله وأسماءه تبني بناء راسخًا سلسًا غير متناقض في نفس الطفل.
وكما قال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه :” ألا أخبركم بالفقيه، من لم يقنط الناس من رحمة الله، ومن لم يؤمنهم من مكر الله…” فيكون الحديث متوازنًا..
لا يليق أيضًا استخدام النار والشياطين كأداة نخيف بها الأطفال ونضمن طاعتهم. بل يجب أن يكون الحديث متوازنًا…فالطفل الذي كذب لا نقول له أنت في النار..بل نعلمه أن الله لا يحب الكذب ونحن لا يصح إن نقطع لمعين بجنة ولا نار فضلًا عن كونه طفلًا رفع عنه القلم..
والشيطان ليس مقابلًا للرب- ولا هو قوى الشر في الكون كما تصوره الروايات الغربية, بل هو خلق من خلق الله ابتلى الله به عباده وعلمنا ” إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا” وأن الله رد كيده إلى الوسوسة وأننا نعتصم بالله من أذاه بالاستعاذة.
الحق أن الغرس العقدي يبدأ باكرًا .. أبكر مما قد يظن القاريء الفاضل، يبدأ الغرس العقدي والطفل جنين في رحم أمه, ويحسن أن نقسم مراحل الغرس العقدي إلى مراحل أربعة…
الأولى:مرحلة ما قبل الميلاد
الثانية: مرحلة المهد
الثالثة: مرحلة الطفولة المبكر
الرابعة:مرحلة الطفولة المتأخرة
ونفصل فيما بقي من سلسلتنا الحديث عن هذه المراحل الأربع
نبدأ بالمرحلة الأولى: مرحلة ما قبل الميلاد
والتي تبدأ باكرًا مع اختيار الزوج والزوجة وتكوين المحضن الذي سيتربى فيه غرسنا. والدين يجب أن يكون معيارًا محوريًا عند اختيار الزوجين-إلى جانب غيره من المعايير كالتكافوء الاجتماعي والثقافي وغيرهما- فالطفل كالنبتة تحتاج أن نهيء لها بيئة صالحة تنمو فيها..تحتاج قدوة طيبة من والد مصلٍ ووالدة متسترة ترضعه مع لبنها عزة الإسلام ومحبة الله ورسوله.
والجنين في بطن أمه يسمع الأصوات حوله ويميز منهم صوت أمه, ولذا يحسن أن تعتاد الأم قراءة القرآن لطفلها وهو بعد جنين ليعتاد سماع كلام الله ويأنس به في ظلمة الرحم.
ونذكر الأمهات في فترة الحمل الشاقة بالاحتساب والصبر على ألم الحمل وإرهاقه, كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم”في بضع أحدكم صدقة.”
ونذكر الآباء بأهمية مراعاة الحالة النفسية للأم وقد أمر الإسلام بحسن العشرة وضمن رزق المولود في بطن أمه وجعله مسؤولية الزوج.
وبعد الميلاد مباشرة يستحب التأذين في أذن الطفل ليكون أول ما يقرع سمعه تكبير الله و شهادة الحق…كما يجب أن تحرص الأم على رقية الطفل بالأوراد والرقى المسنونة .
وليكن دعاءنا دائمًا وأبدًا ((رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا))
المرحلة الثانية:مرحلة المهد:
وفيها يخرج الطفل من بيئة الرحم إلى بيئة خارجية مفتوحة يصير مطالبًا فيها بالاستجابة للمثيرات حوله من ضوء وأصوات وأياد كثيرة تمتد إليه وتهدهده. وكذا يجد نفسه محتاجًا للتعبير عن احتياجاته من طعام وشراب وتنظيف, مما لم يكن محتاجًا إليه في الرحم.
والغرس العقدي في هذه المرحلة يمكن تلخيصه فيما يلي:
1- الدعاء سلاح المؤمن..لا تغفلي أيتها الأم عن الدعاء..أكثري من الدعاء له بالهداية والصلاح واطلبي من الله أن يعينك على رعايته وتنشئته كما يحب ويرضى.
2- تعويذ الرضيع ورقيته (أعيذك بكلمات الله التامة, من كل شيطان وهامة, وكل عين لامة) .
3-اقرأي له القرآن ..بعد أن اعتاد صوتك يقرأ له وهو بعد جنين عوديه على قراءة الفاتحة والمعوذات وهو يرضع.
4-في سياق تعويد الطفل على روتين ثابت للنوم, يمكن الاعتماد على الأذكار ..اقرأي له أذكار النوم وسورة الملك عندما تضعينه في فراشه..قومي بتلاوة أذكار الاستيقاظ من النوم عندما تتفتح عينه بعد نومه..عوديه أنك تكررين دائمًا أذكار الطعام والفراغ منه عندإطعامه.
5- الرضيع ليس دمية..الرضيع يسجل ,ويراقب ويخزن ..تجدينه بعد أن يتعلم الكلام يعرف اسمه وأسماء أفراد العائلة..خزنهم في ذاكرته خلال مرحلة المهد..ولذلك لم يخطيء من قال أن أبناؤنا يربوننا..نجد أنفسنا نضبط ألسنتنا وتعابير وجهنا حتى لا يلتقط أحهم عبارة مسيئة أو كلمة بذيئة
6- لقنيه كلمة التوحيد حافظي على تكرارها وأنت تهديدينه كما قال النخعي : ( كانوا يستحبون أول ما يفصح أن يعلموه لا إله إلا الله فيكون ذلك أول ما يتكلم به)
7- لا بأس إن بدأت الأم في هذه المرحلة بإلقاء بعض الأناشيد والقصص على الطفل التي تساعدها في ترسيخ التوحيد ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
نكمل إن شاء الله في القادم من حديثنا الكلام عن مراحل التربية العقدية لنجيب عن السؤال متى نبدأ في غرس العقيدة؟
(المصدر: موقع البوصلة)