سلسلة أعلام المسلمين
تقديم أنس مراد الرهوان
سلسلة صادرة عن دار القلم بدمشق، وهي دار نشرٍ أسسها الأستاذ محمد علي دولة رحمه الله تعالى، وهو رجل من أبناء دمشق، ردَّ الله عليها وعلى جميع بلادنا عافيتها وعزها، رجل عاطر السيرة طيب الذكر، له سهمة حسنة في الدعوة إلى الله جل جلاله، وجهود مباركة في مدافعة الأباطيل، وقد أسس داره تلك على أهداف نبيلة، واستكتب فيها قامات علمية باذخة، وصدرت عن داره كتبٌ وسلاسل بديعة إلى الغاية، من أشهرها (سلسلة أعلام المسلمين).
وهي مجموعة كتب عن زمرة مباركة من أعلام أمتنا في قديم الدهر وحديثه، لعدة مؤلفين، وقد قرأت منها طائفة حسنة، وكانت لي خير أنيسٍ في بعض الزمان، وكثيرا ما أوصيت ببعضها لمَن يسألني عما يقرأ في التراجم -في ضمن ما أوصي به-، وكثير منها مرفوع على الشبكة، موجود في موقع المكتبة الوقفية.
وبطبيعة الحال فإن نفَس التأليف يتفاوت بين بعض الكُتَّاب وبعضهم، وربما بين كتب المؤلِّف الواحد، وقد قرأت منها:
– (السيدة خديجة أم المؤمنين وسباقة الخلق إلى الإسلام)، لعبد الحميد محمود طهماز، وهو كتاب لطيف شجي، كان فاتحة قراءتي لكتب هذه السلسلة.
ومن مؤلفات طهماز قرأت أيضا: (معاذ بن جبل إمام العلماء ومعلم الناس الخير)، ولم أكمله لأن عامة مادته معروفة عندي، و (أنس بن مالك الخادم الأمين والمحب العظيم)، وهو لطيف الحجم، أشبه ما يكون بسيرة ذاتية لأنس بن مالك، لأن عامةَ محتوى الكتاب من رواية أنس رضي الله عنه.
– (أبو بكر الصديق خليفة رسول الله)، لعبد الستار الشيخ، وهو كتابٌ عظيم رسما ومعنى، غزيرُ المادة، يقع في نحو ٧٠٠ صفحة أو أكثر من ذلك، وقد كنت لا أتصور أن يُجمع من سيرة الصديق رضي الله عنه هذا القدر من الصفحات.
وقرأت للمؤلف أيضا: (عمر بن الخطاب الخليفة الراشدي العظيم) وهو من أوعب الكتب التي قرأتها في سيرة عمر رضي الله عنه إلى جانب (طبقات ابن سعد)، و (عثمان بن عفان الحيي السخي ذو النورين)، و (عبد الله بن مسعود عميد حمَلة القرآن وكبير فقهاء الإسلام)، و (عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين)، و (الإمام البخاري أستاذ الأستاذين)، و (الحافظ الذهبي مؤرخ الإسلام)، وهذا الكتاب -بحسب المؤلف- أوعب ما كُتب عن الذهبي رحمه الله، وله فيه نقدات يسيرة على الأستاذ بشار معروف في مؤلَّفه عن الإمام الذهبي.
وهذا المؤلف شامي وكتبُه هذه ممتازة، جميعها واسعة المادة طويلة المباحث عبقرية التقسيم، يظهر فيها الجلَد البحثي والنفَس الطويل، ودقة الفهم وحسن العبارة، والغوص عميقا في بطون الكتب لجمع مادة تآليفه، مع الاهتمام بدفع الشبهات وإبطال الأضاليل المتعلقة بهؤلاء القمم الشوامخ، ويعيبه -في تصوري- أمران: شيء من الحدة في قلمه، ونزوعٌ إلى تعظيم بني أمية فوق الحد، جعله هذا النزوع يستسهل تضعيف (حمران بن أبان) مولى عثمان بن عفان -وحمران من الثقات- من أجل الدفاع عن الوليد بن عقبة، رضي الله عن الجميع.
وقرأت أيضا:
– (أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه)، لوهبة الزحيلي رحمه الله، وقرأت له أيضا: (عبادة بن الصامت صحابي كبير وفاتح مجاهد)، وربما يكون أميز ما فيها سهولة الأسلوب وشحنة الشجن فيها، لكن عامة مادتها مطروقةٌ عندي.
– (أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء)، لوهبي سليمان غاوجي، وهو حنفي المذهب ويبدو أنه مفْرِطٌ في محبته للإمام رحمه الله.
– (عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن) لمصطفى سعيد الخن، وكتبتُ عنه مراجعة في حسابي في إنستغرام، خلاصتها أنه جميل لكن ليس فيه ما يميزه من ناحية المادة.
– (الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة) لعبد الغني الدقر، وهو كتاب حسن جميل، وقرأت له أيضا: (سفيان بن عيينة شيخ شيوخ مكة)، وهو كسابقه حسنا وجمالا.
– (عبد الله بن الزبير العائذ ببيت الله الحرام)، لماجد لحام، وهو كتاب رائع إلى الغاية، شعرتُ حين قراءتي له أنه امتلأ بالموضوعية في عرض سيرة ابن الزبير رضي الله عنهما حتى فاضت منه، وهو في هذا الباب أحسن بكثير من عبد الستار الشيخ، وإن كان مشرب التأليف مختلفا، كما أن كتاب ماجد لحام يكاد يكون سردا محضا خاليا من الأسانيد إلا في النادر، قريب اللغة إلى الفهم جدا.
– (سعد بن أبي وقاص السباق للإسلام)، لصلاح عبد الفتاح الخالدي، وهو كتاب جميل جدا، جمع أشتات سيرة سعد رضي الله عنه في ضميمةِ (الشجاعة الفاردة)، وامتدادها في حياة هذا الصحابي العظيم، وفيه لفتات حسنة كتوجيهه لرواية “ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمتُ فيه، ولقد مكثتُ سبعة أيام وإني لَثلثُ الإسلام” التي وردت عن سعد.
– (زيد بن ثابت كاتب الوحي وجامع القرآن)، لصفوان عدنان داودي، وهو كتاب حسن لطيف، وأظن أني قرأت للمؤلف (أبي بن كعب) أيضا.
– (أم سلمة العاقلة العالمة أم المؤمنين)، لأمينة عمر الخراط، ولها أيضا قرأت: (أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية المجاهدة)، وأظن أني قرأت أيضا: (أم المؤمنين حفصة بنت عمر الصوامة القوامة)، وعموما فهي تآليف حسنة، فيها عرضٌ لسيرة هؤلاء الصحابيات العظيمات، وما يمكن استفادته من حياتهن وأعمالهن، وهي من الكتب التي تصلح كثيرا للنساء مع غيرها من مؤلفات الأستاذ أمينة في هذه السلسلة.
أما أحسن ما قرأت في هذه السلسلة فيما أرى، فهي مؤلفات الأستاذ محمد محمد حسن شراب عليه رحمة الله ورضوانه، وقد قرأت منها: (أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية)، و (تميم بن أوس الداري راهب أهل عصره)، و (الإمام الزهري عالم الحجاز والشام).
فأما كتابه عن أبي عبيدة فهو أفضل ما قرأت في هذه السلسلة على الإطلاق، فهو طويل عريض كثير المباحث دقيق التفصيلات، يظهر فيه الجهد والصبر على البحث وحسن الخلوص إلى النتائج التي يريدها المؤلف، وحسبك أن عدد صفحاته قريب من ٣٠٠ صفحة، بينما لو جمعتَ أخبار ابي عبيدة في بطون الكتب وحذفت منها المكرر، لما بلغت عشرين أو ثلاثين صفحة إذا طالت!
وقد ذكر المؤلف في مقدمته أنه عاش في مكة زمنا حتى تجاوز حاضرها إلى الماضي التليد، وعاش في المدينة دهرا طويلا -٢٥ سنة- وكتب في تاريخها مجلدات، حتى تمثلت له بصورتها القديمة، ثم انطلق إلى الشام فصال فيها وجال، كل ذلك ليُعايش سيرة أبي عبيدة ويحسن تصورها وكتابتها، وله تحريرات تاريخية ولغوية واصطلاحية وبلدانية بديعة.
تبقى بعض المشكلات في كتابه هذا، المشكلة الأولى: أن لغته ليست أدبية، وأن بعض مباحثه لا يصل فيها إلى نتيجة واضحة، بل يكتفي بمناقشة المشهور فيها وربما نقضه، لكن لا يخلص إلى بديل واضح له، وربما كان في طيات هذه المشكلة ميزةٌ كبرى، وهي عصف الأذهان وشحذ الهمم لبحث تلك المواضع والوصول إلى مقاربة فيها.
أما كتابه عن تميم الداري فهو عظيم أيضا، وفيه تحريرات كثيرة تاريخية وبلدانية ونحو ذلك، وربما تتكرر بعض مباحثه لكن تكرارها مطلوب بحثيا.
وأما كتابه عن الإمام الزهري، فهو أحد المجلدات التي كتبها في تاريخ المدينة المنورة، وهو كتاب نفيس أيضا، وكتبُه الأخرى عن المدينة ليست في ضمن هذه السلسلة، وقد قرأت منها (أخبار الوادي المبارك)، وهو -كعامة كتب شراب- تحفة من التحف.
وبعض كتب هذه السلسلة قرأتها ولم أكملها، وهي: (مصعب بن عمير الداعية المجاهد) لمحمد حسن بريغش، وأذكر أنه كان يحاول تقديم سيرة مصعب رضي الله عنه في صورة سردية حركية، لكن كثُر خلطُه فتركتُ الكتاب، وكتاب (معاوية بن أبي سفيان صحابي كبير وملك مجاهد) لمنير الغضبان، وأذكر أني تركته لأن فيه تعصبا غير محمود وعرضا غير موضوعي، وكتاب (محمد بن إسحاق إمام أهل المغازي والسير)، لمحمد عبد الله أبو صعيليك، لم أكمله ولا أدري السبب تحديدا لكنه ليس لمطعن فيه كما أذكر.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)