سلسلةُ السننِ الربانيةِ (8) .. (مقاصدُ المنعِ)
بقلمِ د.أسعد أبوشريعة (خاص بالمنتدى)
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الصادقِ الأمينِ، الذي لا نبيَ بعدهُ، وعلى آلهِ الطيبينَ وأصحابهِ الميامينَ الذينَ نصرَ اللهُ بهمُ الدينَ..
الحمدُ للهِ الذي منعَ فَأعطى ، وقليلٌ من يرى منعهُ عطاءً ، فمن مُنعَ ورأى مقصدَ المنعِ ثبتَه اللهُ عزَ وجلَ.
وذُكرَت مقاصدُ المنعِ في آياتٍ عدةٍ :
١_ منعُ البسطِ بمقصدِ عدمِ الطغيانِ:
قالَ تعالى: { ۞ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } [ الشورى : 27 ]
كم من فقيرٍ لا يصلحُ لهُ إلا الفقرَ، فلو أغناهُ اللهُ لطغى، وكم من مريضٍ لا يصلحُ لهُ إلا المرضَ فلو رفعَ عنهُ اللهُ لطغى ، ويومُ حنينٍ لو نصرَهم اللهُ منذُ بدايةِ المعركةِ لفتنَهم .
٢_ منعٌ مقصدُه الصناعةِ:
قال تعالى : { أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي }
[ طه : 39 ]
مُنعَ موسى عليهِ السلامُ أن يُربّى في كنفِ والدتهِ ، حتى يكونَ في بيتِ فرعونَ، ويرى بعينهِ طغيانَه ، لأنهُ سيواجهُ فوعونَ وطغيانهِ ، وكم من محرومٍ لا يعلمُ أن حرمانَه لغايةٍ نبيلةٍ .
٣_ منعٌ مقصدُه التمييزَ بينَ الخبيثِ والطيبِ:
قال تعالى: { مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } [ آل عمران : 179 ]
لا تظهرُ معادنُ الناسِ إلا في المنعِ، فمن كانَ يريدُ الحياةَ الدنيا لا يصبرُ على أيِّ منعٍ منها فيظهرُ على حقيقتِه، وكم من ممنوعٍ لا يرى ما أعطاهُ اللهُ من تنقيةٍ للبيتِ من الخبيثينَ .
٤_ منعٌ مقصدُه التمحيصُ، تمهيداً لمحقِ الكافرينَ:
قال تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 141 ]
فالتمحيصُ تنقيةٌ للمؤمنين من شوائبَ لديهم ، أي تأهيلُ المؤمنين للنصرِ، فلا محقٌ للكافرينَ دونَ تمحيصِ المؤمنينَ، وكم من جماعةٍ مُنعتْ النصرَ فأعطيت التمحيصَ .
٥_ منعٌ مقصدُه عطاءُ الجنةِ والإقرارُ بأنَ النصرَ من عندِ اللهِ:
قال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة : 214 ]
إنَ المنعَ له صورٌ عدةٍ، فالضراءُ في الجسدِ، والبأساءُ في لوازمِ وإحتياجاتِ الحياةِ بشكلٍ عامٍ، والزلزلةُ تعبيرٌ عن شدةِ ما وصلَ لهُ حالُ العبدِ من الضيقِ، وكلُ هذهِ الأشكالِ من المنعِ تُسجلُ للعبدِ في صحيفةِ حسناتِه.
ومن فوائدِها أن العبدَ يكون قد وصلَ إلى مرحلةٍ لا يرى النصرَ بالسننِ الكونيةِ وأن لا سبيلَ للنصرِ بها، فحينَها ينصرهُ اللهُ عزَ وجلَ، فيقرُ العبدُ إقراراً قلبياً وقولياً وعملياً أن النصرَ من عندِ اللهِ وحدهُ، فيسلمُ من الفتنِ .
الخلاصةُ :
فما منعُ اللهِ الدنيا عن المؤمنين إلا ليَعطيهم إمّا عدمُ الطغيانِ، أو لتنقيتِهم من الشوائبِ الفكريةِ والأحوالِ القلبيةِ الخاطئةِ، أو لتمييزِ بيتِهم، فيعلمون الخبيثَ من الطيبِ أو لتأهيلِهم للحكمِ بلا ظلمٍ، أو ليثيبَهم على ما صبروا جنةً وحريراً .