بقلم د. محمد عمارة
أبرز سلبيات “الاستشراق الاستعماري” [وهو أحد ألوان الاستشراق، وهو اللون الذي نخصه بالحديث هنا]، الذي عمل ويعمل رجاله على “خدمة مشاريع الهيمنة والاحتواء الغربية لنا”، نستطيع أن نصنفها تحت هذه العناوين :
1 ـ “نقل مشكلات اللاهوت الكنسي الغربي إلي الإسلام”: وذلك بالتشكيك في إلهية الوحي القرآني، ومصداقية السنة النبوية، وتصوير الإسلام باعتباره هرطقة شرقية، وصورة عربية من اليهودية والمسيحية.. وكذلك تصوير الشريعة الإسلامية وكأنها صورة عربية من القانون الروماني.
2 ـ “نقل الثنائيات المتناقضة التي تميزت بها الحضارة الغربية إلي الفكر الإسلامي”: التناقضات بين الدين والدولة.. بين العلم والدين.. بين الدنيا والآخرة.. بين الذات والموضوع .. بين الفرد والمجموع.. إلخ.
3 ـ “تضخيم حجم الفرق والمذاهب الهامشية والمغالية” (الباطنية والغنوصية): التي ظهرت في الحياة الفكرية الإسلامية؛ وذلك لإظهار المسلمين وكأنهم أمة من الشراذم والأقليات الهامشية والمغالية، وذلك علي حساب الوحدة.
4 ـ “إشاعة العلمانية الغربية في الأوساط الفكرية والسياسية الإسلامية”: لنزع القداسة عن المقدسات الإسلامية، وإزاحة المرجعية الدينية عن الحياة؛ تمهيدا لإلحاق الشرق الإسلامي بالغرب العلماني ثقافياً وسياسياً؛ بإزالة التميز الديني والفكري الذي يعصم الشرق من هذا الإلحاق والذوبان.
5 ـ “تربية أجيال من الحداثيين العرب والمسلمين والشرقيين”: الذين يبشرون ـ نيابة عن المستشرقين ـ بالحداثة الغربية التي تقيم قطيعة معرفية كبرى مع الموروث، والموروث الديني علي وجه الخصوص، والتي تستبدل الدين الطبيعي ـ القائم علي العقل والعلم ـ بالدين الإلهي؛ وذلك حتي يتماهي الشرق مع الغرب الذي دفعته الحداثة إلي هذا المصير.
6 ـ “الترويج للنزعة التاريخية/ التاريخانية”: التي تنزع عن ثوابت الدين -عقائده وقيمه وأحكامه- صفة الاستمرار والخلود؛ فتحيله إلي التقاعد والاستيداع مع تغير الواقع ومرور التاريخ.
7 ـ “إشاعة المعنى العرقي والعنصري الإثني للقومية” بين شعوب الشرق: لنقل القوميات الإسلامية من كونها دوائر لغوية وثقافية تحتضنها الجامعة الإسلامية، إلي نزاعات عرقية وعصبيات إثنية، وألغام تفجر الصراعات داخل العالم الإسلامي؛ حتي يكون بأسه بينه شديدا، فيصبح فسيفساء ورقية يسهل على الغرب الاستعماري احتواؤه وإلحاقه بالمركزية الحضارية والسياسية الغربية.
8 ـ “العمل على إحلال العاميات واللهجات المحلية محل اللغة العربية الفصحى”: وذلك لفصل الواقع اللغوي عن القرآن العربي، ولقطع أوصال الوحدة اللغوية التي بناها القرآن الكريم والشريعة الإسلامية؛ وذلك لفَرْنَسَة وجَلْنَزَة الألْسِنة في بلاد العروبة والإسلام، وتحويل الأمة الوحدة إلي أمم شتي.
تلك كانت أبرز السلبيات التي زرعها الفكر الاستشراقي [الاستعماري] بشكل مباشر، أو عن طريق تلامذته، في الحياة الفكرية الإسلامية؛ خدمةً لمؤسسات الهيمنة الغربية ـ الدينية والسياسية ـ التي عمل في خدمتها هذا اللون من الاستشراق.