مقالات المنتدى

سلام الله عليك يا حلب

الكاتب: محمد الأمين مقراوي الوغليسي

حَلَب حَلَب، بهذه العبارات، كان الناس قبل آلاف السنين، ينادون بعضهم بعضا، بعد أن يكون نبي الله إبراهيم الخليل -عليه السلام- قد حلب الحليب من الماشية، فيذهب الناس لأخذ حصتهم من حليبٍ حلبته لهم أطهر يدين في ذلك الزمان، واليوم يتنادى الناس في حلب على التعاون لرفع أنقاض تراكمت على جثة صبي وصبية، يتنادون اليوم هلموا إلى هذا الملجأ، أسرعوا إلى هذه الدار لعل ما تبقى منها من حجارة تحميكم، عبارات تترد كلما  عاد الطيران الروسي إلى سماء الشهباء حلب، وهو الذي لم يفارق سماءها أصلا، يفرغ بين ثانية وأخرى حمم الموت والدمار، حلب الحضارة والتاريخ، حلب الرخاء والازدهار تعجز اليوم عن توفير الأكفان لشهدائها.

حلب الأسطورة

ومن حلب تخرج الأساطير، لكنها أساطير حقيقية، تخالف أساطير الإغريق والرومان، سطرتها أجسام تشع طهرا ونورا وبطولة، فتلك صبية لبست حجابها، تنتظر الموت القادم، لكنها تنتظره مستورة تعيد إحياء ذكرى حياء فاطمة بنت محمد –صلى الله عليه وسلم-، وإن نجت فتخشى أن تكشف كاميرات الإعلام شعرها الذي سترته دهرا .. هذه هي حلب، دمروها لأن فيها أحفاد فاطمة وعائشة –رضي الله عنهن-، دمروها لأن فيها نسمات من دعوة الخليل –عليه السلام-، دمروها لأن فيها أناسا يقولون ربي الله” دمروها لأن قومها” أناس يتطهرون”.

من خذل الشامخة حلب؟ من الذي أوصل الأسطورة حلب لهذه المأساة؟  الكثيرون خذلوا حلب وهؤلاء أبرز المخذلين:

نخبة الصالون العلمانية ودماء حلب:

إنها النخبة التي آثرت الطعن في الإسلام، وإشغال المسلمين بمواضيع تافهة، بل وراحت تمزق صفوفهم وتهز عقيدتهم، مسؤولة عن مأساة حلب، والنخب الوظيفية التي تعتقد أن قراءة كتاب أهم من الالتفات إلى صراخ صبي حلبي أو بنت إدلبية مسؤولة عن مأساة حلب، وتلك النخب التي تمضي وقتها في التملق المقرف للجماهير ليلا ونهارا وعرض ما يطلبه الجمهور بدل ما يوجبه واجب الوقت مسؤولة أيضا عن مجازر حلب، والنخبة التي  تحرص أشد ما تحرص على هيبتها الخرقاء فلا تتحدث إلا من موقع أكاديمي –ليته يعبر عن الواقع- مسؤولة عن فاجعة حلب، وتلك النخب التي تحاول تغطية عورات مواقفها ببعض الانتقادات الجافة المحتشمة للطائفية الشيعية المقيتة، والإجرام الفارسي الدنيء مسؤولة أيضا عن كارثة حلب، تلك النخب التي بدل أن تقف مع الأمة، فإنها تذبحها من الوريد إلى الوريد بكتابات تتجمل في ظاهرها غير أنها قبيحة في مضمونها .. تدّعي أن الحديث في التنظير وهندسة التغيير واجب الوقت، بينما هي مجرد نخبة متسولة، تتسول من دولة إلى دولة، أو من صالون إلى صالون آخر، وبعضها يتسول الاهتمام الرسمي، وبعضها يفعل المحال لينشر صوته وصورته وكتاباته، ويستحي من قول كلمة الحق أمام مشاريع طائفية تحرق المنطقة من دمشق إلى بغداد ومن حلب إلى الموصل ومن حمص إلى صنعاء.

إن نخبة الصالون تلك التي تبرر خيانتها لواجب الوقت بمحاولة تسخير نصوص الوحيين في خدمتها، وهي تعي في أعماقها أنها مجرد نخبة مزيفة متسولة، خانعة، مسؤولة عن مأساة حلب وحمص، وإدلب وحماة وبغداد وصنعاء وغيرها. وسترمى في مزابل التاريخ كمثيلاتها التي سبقتها في الخذلان والخيانة.

وهؤلاء أداروا ظهورهم لحلب:

يتحمل مسؤولية مأساة حلب أولئك الذين لا همّ لهم إلا الطعن في الشباب الذين حملوا البندقية دفاعا عن الأرض والعرض والدين، يمضون وقتهم في طعن هذا الشباب، مع العلم أن جلهم لم يقدم شيئا حقيقيا لمعارك التحرير بسوريا، ولم ينصر الثورة بقطرة دم واحدة، وقديما قالوا إمامنا أمامنا، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هؤلاء لم يكتفوا بالخذلان، بل مارسوا الطعن في إخوتهم، وساهموا في تمزق الصف السني في مواجهة المشروع الصليبوشيعي. وهؤلاء مسؤولون عن دمار حلب وعن مأساتها، فليشهد التاريخ والأمة بذلك.

دون أن ننسى ما فعله عملاء الاحتلال الروسي في غروزني عندما اجتمعوا لإقصاء أهل السنة وكأنه لم يكفهم ما فعله الروس بالمسلمين في سوريا، هؤلاء العملاء الجبناء، الذين يحملون حقدا كبيرا لكل ما هو سني وكل ما يرمز للسنة في العالم العربي يتحملون دماء أهل سوريا مهما برروا مشاركاتهم وستلعنهم دماء أطفال حلب.

الشعوب العربية المسلمة وماذا بعد؟

وسيسجل التاريخ أنه في الوقت الذي كان الحلف الشيعي الصليبي يقتل بلا هوادة في حلب كان المسلمون منشغلين بحفل الكرة الذهبية، وبمباريات الألمان والإسبان، وكان بعضهم مشغولا بمسابقات الطرب والغناء وعرب آيدول، وكان البعض الآخر مشغولا بالفساد الأخلاقي والجري وراء شهواته.

إن الفساد الذي عم شعوب العالم الإسلامي أنزل علينا سخط الله وغضبه، فسلط علينا أرذل خلق الله من الصين إلى روسيا إلى إيران، حتى صارت حثالات الشيعة الصفوية والنصيرية تأتينا من بقاع شتى لتقاتلنا وتمرغ شرفنا في الأرض.

وسيكتب التاريخ أن الجبن عم الأرجاء، وأن الخوف لف النفوس حتى صرنا لعبة بين يدي الأمم .. فإن كان التاريخ يحكي أن التترية كانت تقول لمئة مسلم انتظروا حتى أتي بالسيف، فسيكتب هذه المرة أن شعوبا ودولا مسلمة ظلت تنظر إلى السفاح وهو يذبح دولا ولا تحرك ساكنا وهي تعلم أن الدور قادم عليها.

وقد تفرق الثوار سببا آخر فيما حدث وبهم يختم هذا المقال، فحلب التي لم يدخلها الصليبيون دخلها الروس والمجوس والصفوين لأن الثوار انشغلوا فعلا وحقا وواقعا ببعضهم ولم يقدروا إمكان وقوع هذه اللحظات، فكان تشتتهم الفراغ الذي دخل منه العدو، والفراغ الذي تسلل من  خلاله الجواسيس بينهم.

فسلام الله على الشهباء حلب، وسلام الله على حلب الخليل عليه السلام، وسلام الله على من رحلوا ثابتين صامدين، ولن تموت ثورة ثبت كل هؤلاء فيها رغم الحصار والخيانات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى