سفر الحوالي.. وكتاب المسلمون والحضارة الغربية
بقلم د. وائل الشيخ أمين
تأخرت كثيراً في كتابة هذا السطور حيث عزمت على كتابته، لكن هيبة صاحب الكتاب في قلبي وهيبة الحديث عنه هي من أخّرتني.
السبب الذي دعاني للكتابة هو هدية وصلتني من مكتبة المناهل -جزاهم الله خيراً- وهي كتاب الشيخ سفر الحوالي، حفظه الله وفك أسره، اسم الكتاب: المسلمون والحضارة الغربية، وهو في ستة مجلدات.
الكتاب للشيخ سفر، وما أدراكم ما الشيخ سفر!
علمٌ من أعلام الأمة وأهم رموز الصحوة الإسلامية في السعودية مع قرينه الشيخ سلمان العودة فك الله أسره.
لن أتحدث عن الشيخ سفر بما هو شائع عنه بين الناس فمن يعرفه لن أضيف إليه، ومن لا يعرفه يستطيع أن يبحث عنه ويعرف فضله وأهم محطات حياته.
لكني سأتحدث عن أمور شخصية عايشتها مع الشيخ سفر.
حيث كنت كثير الزيارة له، وأزعم أنه كان يحبني كما كان يخبرني بذلك أبناؤه، ويده هي اليد الثانية -بعد يد الشيخ باسل الجاسر رحمه الله- التي كنت أقبلها كلما التقيته.
كان الشيخ مريضاً جداً بسبب أزمة صحية حصلت معه عام 2005 وهي نزيف دماغي جعلته لا يستطيع الحديث بشكل واضح، فكان يعاني عندما يتكلم ويعاني من يسمعه حتى يفهمه، حتى إني في زياراتي الأولى له كنت لا أفهم أكثر كلامه فيترجم لي أحد أبنائه.
كما كان مصاباً بفشل كلوي ولشدة أمراضه وضعف جسمه كان لا يستطيع أن يسير دون أن يسنده أبناؤه.
الزيارة للشيخ ما كانت متاحة على الدوام بل كانت فقط يوم الأربعاء بين صلاتي المغرب والعشاء، وهذا توجيه المخابرات له طبعاً، حيث كنا نزوره في صالة بيته التي يسبق الدخول إليها أن نمرّ بموظفين في مكتب الاستقبال.
ما أجمل تلك الزيارات يا الله!
الشيخ في صدر المجلس وأبناؤه يخدمون الضيوف بالتمر والقهوة العربية والشاي الأخضر، والضيوف جميعاً محبوا الشيخ من بلدان شتى قدموا مكة المكرمة فجاؤوا إلى الشيخ، من بورما وفلسطين ومصر وسورية والصومال والعراق وليبيا وغير ذلك، كل يحكي للشيخ ما يجري في بلده ويستمع إلى دعائه ونصحه وتوجيهه، لا يجمع الحاضرين إلا هم الدين والأمة والعمل لهما ومحبة الشيخ.
في إحدى الفترات كنت أزور الشيخ أسبوعياً، وكان يفرح للقائي ويسألني عن سبب تأخري لو فعلت، ويسألني عن الشام والثورة والمجاهدين وأحوال الناس فيدعو لهم وينصح، وكان من أشد المحذرين من القاعدة وداعش من بداية الثورة.
كما كانت علاقتي بابنيه عبد الرحمن وعبد الله طيبة أيضاً واستفدت منهما كثيراً خاصةً عبد الرحمن فقد كان عاقلاً عالماً صاحب تجربة.
في الفترة الأخيرة قبل اعتقاله بعام تقريباً تبرع له ابنه عبد الله بكليته فتحسنت حالة الشيخ الصحية، لكن بقي كلامه ثقيلاً ويحتاج من يسنده في مشيه.
في الأيام الأولى من شهر تموز 2018 أرسل لي بعض الأخوة يسألونني: هل فعلاً كتاب المسلمون والحضارة الغربية للشيخ سفر!
حيث كان الكتاب قد نشر في تلك الأيام، فتواصلت مع ابنه عبد الله وسألته فكان جوابه:
نعم الكتاب للشيخ الوالد لكنه نشر قبل أن يراجعه المراجعة النهائية (أو شيء بهذا المعنى).
شعرت من جوابه أن الأمر مقلق، قمت بتحميل الكتاب مباشرة،
فرأيته في أكثر من ثلاثة آلاف صفحة!
فذهلت والله، ما هذه الهمة العجيبة من شيخ مريض جداً، خاصة أني علمت أنه قد ألفه في فترة قصيرة جداً لا تبلغ بضعة أشهر.
ثم قلّبت في أبواب الكتاب وفصوله فوجدت فصلاً بعنوان: نصيحة إلى آل سعود.
وفيها من الشدة ما فيها، فخفت كثيراً على الشيخ.
في اليوم التالي تم اعتقاله مع ثلاثة من أبنائه أسأل الله أن يخفف عنهم وأن يفرج عنهم جميعاً وأن يعظم أجرهم فيما لاقوه في سبيله.
لذلك فرحت كثيراً بالكتاب الهدية وأشكر هنا من أهداني الكتاب فضيلة الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب عالم جليل ومن خيرة العاملين لدين الله وأنا أقلّ من أن أزكيه، أسأل الله أن يبارك له في صحته وعمره وأهله وعلمه وأن يتقبل منه جميع ما قدمه لهذا الدين.
وللأسف أنا مضطر أن أقول إني قرأت في أماكن كثيرة في الكتاب وأختلف مع عدة أمور فيها، وما اضطرني لقول هذا إلا مذهب البعض في أننا لو أثنينا على كتاب أو عالم فهذا يعني أنه معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أو أننا لا نختلف معه أبداً.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)