سرايا المقاومة الشعبية.. نقلة نوعية في الثورة الشامية
بقلم أحمد زيدان
بقدر ما شكل العدوان الروسي الأخير على الشمال المحرر والذي بدأ مطلع شهر رمضان المبارك تهديداً ومحنة حقيقية على الثوار وحاضنتهم، شكل بالمقابل منحة وفرصة للثورة والثوار في التفكير بأدوات جديدة لمواجهة العدوان الذي كلف الأهالي مئات القتلى والجرحى بينهم 165 طفلاً شهيداً حصدتهم طائرات العدوان الروسي والأسدي، فضلاً عن دمار كبير في البنية التحتية وإرغام أكثر من 300 ألف مدني على النزوح من مناطقهم وسط صمت عالمي مطبق ورهيب..
لكن بالمقابل جاء توحد الفصائل الشامية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تحت غرفة عمليات عسكرية موحدة ليجدد الأمل من جديد لدى الثوار وحاضنتهم الشعبية بأن الصف الثوري لا يزال قادراً على العمل مع بعضه، ولا يزال بمقدوره صد عاديات الهجمات المعادية، بل واستعادة المبادرة كما حصل في السيطرة على الجبين وتل الملح والضواهرة وغيرهم، فضلاً عن استعادة مناطق استراتيجية كتلة الحماميات ليوم واحد ثم الانسحاب منها، والأهم من ذلك الصمود الأسطوري في وجه كل ما تفتقت عنه عقلية الإجرام الروسية ومصانعها الإجرامية..
غير أن الأهم في هذه الهجمة الأخيرة هو بروز فكرة سرايا المقاومة الشعبية والتي أفلحت في نقل الثورة الشامية من الجهاد النخبوي الثوري للجهاد الشعبي، تجلى ذلك باستجابة الأهالي بشكل كبير ولافت، لم يكن يتوقعه أشد الناس تفاؤلاً، بعد أن أدرك الأهالي أن الهجمات الأخيرة تستهدف الأرض والعرض، وترمي إلى تحويلهم إلى موريسكيين جدد، لا أرض لهم ولا وجود، فكان لا بد مما ليس منه بد، وهو التعاون والتنسيق مع الفصائل الثورية من أجل تحصين المواقع وتدشيمها ودعم العمل الجهادي القتالي كعمل رديف ومساعد للنقاط العسكرية المتقدمة، فأصدر حينها مجلس الشورى المحرر برئاسة الدكتور بسام صهيوني مشروعه بتشكيل سرايا المقاومة الشعبية بحيث تضم كافة الشرائح، على أن تكون بعيدة كل البعد عن الفصائل والجماعات، وأن تكون لكل أفراد الشعب السوري الراغب في المشاركة بالثورة، لإعادتها جذعة كسيرتها الأولى..
ويأمل القائمون على سرايا المقاومة الشعبية نقل الثورة الشامية إلى حركة تحرير شعبية تشمل الكبير والصغير والرجل والمرأة، وعبرها التأكيد مجدداً على أن الثورة الشامية ليست عسكرية فقط، وإنما ثورة شعبية لكافة شرائح المجتمع، وليس ثورة نخبوية جهادية منعزلة عن حاضنتها الشعبية، بعد أن تحولت الحاضنة ذاتها إلى رأس حربة حقيقية مثلها كمثل الثوار صفاً بصف وكتفاً بكتف..
قسّم القائمون على سرايا المقاومة الشعبية المناطق المحررة إلى سبع مناطق، وهي المنطقة الغربية والشرقية والشمالية والجنوبية والوسطى ومنطقة إدلب، ومنطقة المخيمات، وكان تركيز سرايا المقاومة الشعبية برئاسة السيد حازم أبو عمر ابن عشائر الشرقية على شريحة العشائر والقبائل بأن تكون القوة القتالية للعشائر قوة رديفة للثوار وتحديداً في النقاط الباردة، وكان المشروع الأول الذي رفعته السرايا هو” حصّن بلدك”، استهدفوا من خلاله توفير أكثر من مليون كيس رمل لتحصين الخنادق في الخطوط الأولى، وإلى جانب هذا تم حفر الخنادق لحماية ثغور الثورة، والعمل على حفر خناق في الخطين الثاني والثالث، ثم العمل لاحقاً على حفر خنادق حتى في القرى والبلدات من أجل الاتقاء بها من الضربات والغارات الجوية، وتخفيف الإصابات التي يرمي إليها الاحتلال وذيله..
وقد دخل لاحقاً مشايخ وعلماء وطلبة علم في الشمال المحرر على خط هذه السرايا مثل الشيوخ عبد الله المحيسني ومصلح العليان وعبد الرزاق المهدي وأبو محمد الصادق وغيرهم، ورفع بعضهم مشروع الخندق، إذ تمكنوا من جمع تبرعات من عموم المسلمين لتحصين الثغور، مع حفر خنادق على طول الخطوط الأولى، وقد نجحت الحملة بشكل لافت في جمع تبرعات قدرت بعشرات الآلاف من الدولارات من البلدة الواحدة، وبلا شك فإن نجاح الثوار في الصمود على مدى ثلاثة أشهر تقريباً في وجه أكبر هجمة عدوانية بتاريخ الثورة منح الثقة للحاضنة الشعبية بثوارها ومقاتليها على الحدود، وبالتالي شجعهم على تقديم النفس والنفيس لحماية ما تبقى من جغرافية الثورة..
سرايا المقاومة الشعبية مشروع أعاد للثورة ألقها، وأعاد إليها مدنيتها، وأعاد تلاحم شعبها بكافة شرائحهم، كما منح الثقة من جديد بقدرة الثوار على الصمود ومن خلفهم حاضنتهم، وأرسل رسائل مهمة للقوى المعادية بأن الثوار ليسوا وحدهم في الخنادق وإنما الشعب كله معهم، وأن هذه الثورة ليست فصائلية عسكرية منبتة عن الشعب، وإنما هي ثورة شعبية مطلبية، والقضاء على ثوارها ومجاهديها لا يعني القضاء على الثورة التي هي في جوهرها وأساسها فكرة وحالة شعبية سقف مطالب الثوار لا يقل عن سقف مطالب شعبها في أقصى نقطة عن خط النار الأول..
(المصدر: مدونات الجزيرة)