سراج الدين حقاني.. من هو وما دلالات ظهوره للعلن لأول مرة؟
إعداد حميد الله محمد شاه
بعد نحو 7 أشهر من استيلاء حركة طالبان على السلطة في كابل منتصف أغسطس/آب الماضي وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، ظهر إلى العلن نائب زعيم حركة طالبان ووزير الداخلية الأفغانية بالوكالة سراج الدين حقاني.
ألقى الرجل الثاني في حركة طالبان -قبل أيام- كلمة أمام الكاميرات والصحفيين في حفل تخريج للشرطة الأفغانية في العاصمة كابل بحضور سفراء الصين وروسيا وتركيا وقطر وإيران وباكستان وكازاخستان والإمارات العربية المتحدة -على الرغم من عدم اعتراف أي دولة رسميا حتى الآن بالحكومة الأفغانية الجديدة- إلى جانب ممثلي الأمم المتحدة وبثت القناة الرسمية فعاليات الحفل على الهواء مباشرة.
ظهور سراج الدين حقاني -الذي يعرف بين مؤيديه وأصحابه بـ”خليفه صاحب”- للعلن أثار التساؤل عن سبب الظهور أمام الكاميرات وبحضور دبلوماسي في العاصمة كابل، بدون رفع اسمه من القائمة السوداء الأميركية أو الاعتراف بحكومته.
فالوقت والمكان -اللذان قرر حقاني الظهور فيهما- قد تم اختيارهما بدقة، حسب مصدر مقرب من الوزير حقاني الذي قال للجزيرة نت “إن قرار ظهوره بعد مطاردة أميركية وأجنبية استمرت لعقدين كاملين كثير جدا، وحان الوقت لكي يظهر بين مؤيديه، فحقاني أراد أن يقول لشعبه إنه لا يخاف على حياته بعد الانسحاب الأميركي، وإن الحكومة الجديدة تسيطر على الوضع الأمني والميداني بشكل كامل في أفغانستان”.
كما يقول الباحث السياسي حكمت جليل -للجزيرة نت- “ظهور الرجل بعد نحو 7 أشهر من وصول طالبان للسلطة، يعني أن الأمور تمشي في الاتجاه الصحيح، وأن الحرب لن تعود لأفغانستان كما يروج لها البعض”. ويضيف “بقاء الرجل متخفيا من الإعلام والناس سيدل على ضعفه، وقد يرسل رسالة سلبية إلى المجتمع الدولي والأفغاني بأنه غير قادر على حماية نفسه، فكيف يحمي شعبه؟”
ويذكر أن أغلب قادة طالبان تخلو في الأشهر السبعة الماضية عن الخطوات الاحترازية الأمنية التي لازمتهم منذ 20 عاما، وظهروا أمام وسائل الإعلام، بل ونشروا صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي بأسمائهم الحقيقية، لكن لا يمكن الجزم بسبب ظهور سراج الدين حقاني في العلن، رغم عدم إلغاء واشنطن حتى الآن مكافأة الـ10 ملايين دولار التي وضعتها للقبض على حقاني.
يقول الكاتب والباحث السياسي عبد الله أواب للجزيرة نت “العالم مشغول هذه الأيام بالأزمة الأوكرانية، وملف أفغانستان أصبح شبه منسي”، ويضيف “ربما رأى حقاني أنه الوقت الأنسب لظهوره أمام الكاميرات، ويمكن اعتبار الخطوة وسيلة لتطبيع حكم طالبان داخل البلاد وخارجها، وأن سياسة التخفي لا تبدو طبيعية بالنسبة لحكومة، حيث يخفي أحد مسؤوليها المهمين نفسه من شعبه”.
في حين يتساءل الشعب الأفغاني متى سيظهر زعيم حركة طالبان الشيخ هبة الله آخوند زاده وقادة عسكريين، مثل عبد القيوم ذاكر وصدر إبراهيم، على غرار سراج الدين حقاني.
من هو سراج الدين حقاني؟
ولد سراج الدين حقاني في ديسمبر/كانون الأول 1979، في مديرية زدران بولاية بكتيا، وينتمي إلى أكبر قبيلة بشتونية وهي زدران التي تسكن جنوب شرق أفغانستان.
درس العلوم الشرعية برعاية والده الشيخ جلال الدين حقاني، وهو أحد أشهر قادة الجهاد ضد الروس في ثمانينيات القرن الماضي، وألحقه والده عام 1984 بمدرسة أنجمن القرآن للعلوم المعاصرة.
بدأ سراج الدين نشاطه العسكري عام 2003 ضد القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان، بتوصية من والده الذي عارض الغزو الأميركي للبلاد منذ سقوط حكومة طالبان الأولى عام 2001.
وشارك عام 2004 في أول عملية عسكرية ضد القوات الأميركية في ولاية خوست، ويقول مصدر مقرب من الوزير حقاني -للجزيرة نت- “اختارت عائلة حقاني مدينة ميرانشاه القبلية سكنا لها، ومن هناك كانت تراقب الوضع الأمني في أفغانستان، ومن هناك شارك حقاني في أول مواجهة عسكرية ضد القوات الأميركية بولاية خوست”.
عينته حركة طالبان عام 2006 مسؤولا عسكريا لولايات الجنوب الشرقية “لوغر، بكتيا، بكتيكا، خوست”، في حين أدرجته الولايات المتحدة عام 2008 على القائمة السوداء للمطلوبين لديها، وأعلنت مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
قام مقاتلو سراج الدين حقاني بقيادة سنكين خان عام 2009 بخطف الجندي الأميركي بوبرغدال، الذي احتجز لمدة 5 سنوات في الشريط الحدودي بين أفغانستان وباكستان، حتى أفرج عنه في عملية تبادل بوساطة قطرية، أطلق بموجبها سراح 5 من كبار قيادات حركة طالبان من معتقل غوانتنامو عام 2014، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
شبكة حقاني
قاد سراج الدين ما يعرف بـ”شبكة حقاني” التي قامت بين 2010 و2019 بأعقد العمليات العسكرية ضد القوات الأجنبية والأفغانية في عموم الولايات الأفغانية، وخاصة العاصمة كابل.
ويقول مصدر في المخابرات الأفغانية السابقة للجزيرة نت “كانت شبكة حقاني تختار أهدافها داخل العاصمة كابل بعناية فائقة وخطة مدروسة، وكانت تضرب في توقيت ومكان لم يخطر ببال الأجهزة الأمنية الأفغانية، وكانت تقوم بتنفيذ هجمات مزدوجة، مثل هجومي فندق كونتيننتال، ولم تتمكن المخابرات خلال العقدين الماضيين من توجيه ضربة قوية لها”.
عين سراج الدين حقاني نائبا لزعيم حركة طالبان الراحل الملا أختر محمد منصور عام 2015، وهي المرة الأولى التي يُختار فيها نائب لزعيم الحركة من خارج ولاية قندهار (الحاضنة التقليدية للحركة) ليتم اختياره وزيرا للداخلية بالوكالة، بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة عام 2021.
وفي الحكم الجديد لطلبان، تسيطر شبكة حقاني على المؤسسات الأمنية الرئيسية في الحكومة الأفغانية الجديدة، بما في ذلك وزارتي الداخلية والاستخبارات وعدد من الوزارات الأخرى.
وما لا يقل عن 5 أعضاء في الحكومة الأفغانية هم القادة الرئيسيون لشبكة حقاني، لكن طالبان تقول إن شبكة حقاني جزء من “الإمارة الإسلامية” وليس لها اسم أو كيان منفصل.
يقول الكاتب والباحث السياسي أسد وحيدي -للجزيرة نت- “حركة طالبان وحتى سراج الدين حقاني لا يعترفان بوجود شبكة حقاني ككيان منفصل، وإدراج الولايات المتحدة شبكة حقاني في قائمة الجماعات الإرهابية محاولة أميركية لشق صف طالبان وتقسيمها، ولكنها لم تتمكن من ذلك”.
اقترن اسم حقاني وشبكته بتنفيذ هجمات انتحارية وعمليات مزدوجة وخطف أجانب لفرض شروط الحركة في أي مفاوضات، وهو ما حدث في عمليات تبادل الأسرى، والتي تمت 3 مرات على الأقل بين طالبان وواشنطن قبل انسحابها من أفغانستان.
حسب مصادر أمنية، نفذت شبكة حقاني أول هجوم انتحاري عام 2007، إذ استهدفت فيه القوات الألمانية على الطريق السريع بين كابل ومدينة جلال آباد. وفي تجمع لمؤيدي طالبان في قندهار، قال حقاني “دربت وجهزت خلال عقدين ماضيين 1050 مهاجما انتحاريا ضد القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان، فالحصول على (الاستقلال) لم يكن أمرا سهلا، لو لم تكن هذه التضحيات”.