مقالاتمقالات مختارة

سحب الاعتراف بالكيان العبري بين الممكن والمستحيل

سحب الاعتراف بالكيان العبري بين الممكن والمستحيل

بقلم مصطفى أبو السعود

قرر أحد الرجال العثمانيين افتتاح حمامٍ تركيٍ جديدٍ، ومن أجل جذب الزبائن بطريقة مبتكرة للحمام قام بتعليق لافته كبيرة كتب عليها “دخول الحمام مجاناً”، ذاع صيت الحمام الجديد في البلدة بأكملها وتهافت الناس عليه، وبعد دخول الزبائن إلى الحمام كان يحتجز الرجل ملابسهم، وبعد أن ينتهى الزبون و يقرر الخروج، يرفض صاحب الحمام تسليمه الملابس إلا بعد دفع ثمن استخدام الحمام.

هنا فوجئ الزبائن بتراجع الرجل عما كتبه على اللافتة بأن دخول الحمام مجاناً، وعندما واجهوه بما كتب على الباب رد قائلاً: “دخول الحمام مش زي خروجه”، وأصبح رد صاحب الحمام مثلاً يتداوله الناس عندما يتورط شخص في مشكلة بالرغم من أن بدايتها لم تكن تنبئ بنهايتها.

إسقاطاً لفكرة الرجل التركي على واقعنا الفلسطيني والعربي، فقد استطاع العدو إغراء بعضنا بدخول المعترك السياسي من بوابة الاعتراف المتبادل، فتوهم بعضنا بقدرتهم على تحقيق ما يصبون إليه، فخلعوا ملابسهم ونعالهم، ودخلوا حمام السلام، دون أن يقرأوا رأي القرآن والتاريخ في اليهود وغدرهم، فاكتشفوا أن سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني ليس مثل الاعتراف.

لكن وبعد مرور ربع قرن على الاعتراف بالكيان الصهيوني بدأت الأصوات تتعالى بضرورة سحب الاعتراف، فلا يخلو مجلس سياسي من المطالبة بضرورة بذلك في خطوة رد اعتبار للقضية الفلسطينية التي ما استفادت من ذلك الاعتراف شيئاً.

ولو تأملنا في منطلقات تلك المطالبات سنجدها تسير وفق رؤى تفتقد للانسجام المُغري، بل لا أبالغ لو قلت أنها متناقضة، ففريق يطلب سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني لأنه يرى فيه تصويب لمسارٍ سياسي ما كان يجب أن يكون ،لأن الاعتراف بقاتلك ومغتصب حقك هو سابقة غير شريفة في التاريخ الحديث، وهو إهانة للتاريخ والجغرافيا الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأحيائه وأمواته، هذا المطلب أقرب للحقيقة لأنه ينم عن رغبة صادقة من أصحابه أنهم لم يكتفوا بالشعارات فقط، بل مارسوا ذلك على أرض الواقع من خلال مقاومة الكيان الصهيوني بكل شيء، لأنهم يرون أن الرد المنطقي على وجود الاحتلال هو خلع السن بدل تناول المزيد من المسكنات.

بينما ينطلق الفريق الثاني في دعوته لسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني من باب التكتيك والمناورة تماشياً مع المطالب الشعبية ونفي الحرج عن نفسه، حيث يحاول أصحابه لعب دور البطولة في مسلسل يعرف المشاهدون أنه مسلسل أقرب للتهريج، لأن هذا الفريق رمى بكل ثقله في حضن الكيان الصهيوني ولم يحتفظ بورقة قوة.

لكن السؤال المطروح بقوة هل سحب الاعتراف أمر ممكن أم أنه أمنية مستحيلة؟

الإجابة عن هذا السؤال تقتضي التجول في أروقة الفعل السياسي والميداني الفلسطينية والعربية والدولية، فعلى الصعيد الداخلي هل جبهتنا الداخلية جاهزة لتلك الخطوة، وماذا عن المحيط العربي الرسمي، وهل سيدعم العالم تلك الفكرة؟

من المؤسف أن تكون الإجابة “لا” فبعضنا متمسك بالكيان الصهيوني ويدافع عنه بكل قوة قولاً وفعلاً، بل ويدعو غيره للتعامل معه باعتباره حقيقة لا مفر من الاعتراف بها، ثم إن الهرولة العربية الرسمية تجاه التطبيع تنفي إمكانية تحقيق تلك الفكرة، بل إن من يتأمل بذلك يجد أن التطبيع يمد طوق النجاة لدولة الاحتلال.

هنا لا أدعو طبعا للبقاء في كنف الاعتراف، لكن سحب الاعتراف فكرة تتطلب خطوات جبارة تبدأ بإيجاد رغبة فلسطينية وعربية خاصة ممن وقعوا في شباك غرام العسل الصهيوني، ثم بوقف التنسيق الأمني وفك الارتباط الاقتصادي شيئاً فشئياً، وترك الشعب يقول كلمته ويواجه مصيره، وتحمل الألم الناجم عن ذلك، وسيكون ذلك الألم القادم من العزة أفضل بكثير من الأمل الكذاب، وإلا ستبقى هذه الفكرة أمنية مستحيلة.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى