سجين يحاكم ساجنيه
ومن قفص الاتهام، وهو مكبل بالأغلال، أخذ الشيخ المجاهد في محاكمة جلاديه، فقال في دفاعه (ضمن ما قال): “إنني بعيد عن مسرح الحياة الاجتماعية منذ خمسة وعشرين عاما. ولست أدري ما الذي آل إليه النظام الجمهوري القائم، فإذا كان في وضع يصدر معه القوانين التي تحد من حرية أولئك الذين يعملون لدينهم وآخرتهم، وتضعهم تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة، مفسحا بذلك المجال لاستشراء الإلحاد واستفحاله (لا سمح الله)، فإني أعلن على مرأى ومسمع منكم جميعا، ودون أدنى مبالاة. إنه لو كان لي ألف روح، فإنني مستعد للتضحية بها جميعا في سبيل الإيمان والآخرة، هذه هي الحقيقة، ونحن نقولها بكل قوة.
أيا من بعتم دينكم بدنياكم، أيها التعساء، افعلوا ما شئتم، ستكون الدنيا وبالا عليكم، لقد فُديت هذه الدعوة المقدسة بملايين الأبطال، ونحن مستعدون لأن نفديها بأرواحنا. إننا نفضل البقاء في السجن ألف مرة على أن نرى الحرمات تنتهك.
في ظل الاستبداد، لا يمكن أن يقال إن هناك حرية.. حرية العلم أو حرية الضمير أو حرية التعبير أو حرية الدين، وبقي على طلاب الحرية أن يموتوا أو يبقوا في السجون محتمين بالله تعالى، قائلين: “حسبنا الله ونعم الوكيل”.
إن الزنادقة والمنافقين قد غرروا بكم، وصفعوا العدل والحق، وانحرفوا بالدولة عن وظيفتها الأساس إلى مشاغل لا فائدة منها، واتخذوا من الاستبداد جمهورية، ومن الردة نظاما، ومن الجهل والسفه مدنية، ومن الظلم قانونا، وبذلك خانوا وطنهم وضربوه ضربة ما كان الأجنبي يضرب مثلها. أما نحن، فإننا منتسبون إلى الأمة الإسلامية والأخوة الإسلامية، نحن حزب الله، خدم القرآن الكريم”.
بهذه الشجاعة التي لا يرقى إليها إلا من كان مع الله، فكان الله معه، حاكم المسجون ساجنيه، بل وحاكم النظام العلماني الذي فرضه كمال أتاتورك (1881-1938م) على الشعب التركي المسلم.
ولذلك، فإن على الذين يعجبون من انتصار الشعب التركي المسلم على هذه العلمانية المتوحشة؛ أن يطالعوا سيرة بديع الزمان النورسي، وأن يقرأوا سيرة هذا المجاهد، وأن يطالعوا “رسائل النور” ليعلموا أن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها.
وصدق الله العظيم “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون” (الصف: 8).