مقالاتمقالات مختارة

زكاة تحيا مصر

زكاة تحيا مصر

بقلم د. محمد الصغير

حض الإسلام كثيرا على التراحم والتكافل، بل جعل عدم الاهتمام بالمحتاجين والمعوذين من ضروب التكذيب بالدين، وكذلك من يمنع فضله ويضن بما في يديه عن الآخرين ولو بمنع الصحن والماعون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

” أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7).”

وبلغت عناية الإسلام بالجانب الاجتماعي أن جعل التكافل فريضة وركنا من أركان الإسلام، ولم يتركها لرغبة الباذلين أو شح الممسكين، فكانت الزكاة أحد الأركان الخمسة التي يقوم عليها بنيان الدين،

وجعلها الله وفق نظام رباني محكم، حدد فيه كل ما يتعلق بالفريضة بالنسب المئوية والدرجات الحسابية التي تختلف حسب نوع المال وطريقة الحصول عليه بداية من 2،5% نسبة زكاة المال إلى 20% زكاة النفط والمعادن وما يخرج من كنوز الأرض، وحدد الوقت المعين لكل صنف ووقت إخراجه (كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) هذا في زكاة الزروع والثمار مثلا.

واهتم القرآن الكريم بأهم أضلاع الفريضة وهم المستحقون للزكاة، فحدد الله أوصافهم وحصر أصنافهم، قال تعالى في سورة التوبة

(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).

حتى قال رسول اللهﷺ: “إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقة، حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء”. رواه أبوداود.

اعلان

كل فريضة في الإسلام لها من جنسها نافلة، كنوافل الصلاة والصيام، والعمرة بالنسبة للحج، إلا الزكاة

ويغيب على بعض المزكين الفرق بين الزكاة والصدقة فيخلطون بينهما، فالأولى فريضة محددة ومقدرة وليس لك فيها فضل ولا منة، ولا يجوز لك تأخيرها واستثمارها، ولا أن تجعل نفسك وصيا على المحتاج إليها، فإن الله سائلك عن إخراجها وهو من يحاسب الفقير على ما آتاه، والثانية نافلة متروكة لك، ولو التزم الأغنياء بما فرض الله عليهم وأخرجوه طيبة به نفوسهم لما استشرت ظاهرة الفقر وعمت بلواها، لاسيما في البلاد التي تحالف فيها الفساد المالي مع الاستبداد السياسي، فكل يوم يمر…. يزداد فيه الغني غنى وطغيانا، ويزداد الفقير فقرا وحاجة !

كل فريضة في الإسلام لها من جنسها نافلة، كنوافل الصلاة والصيام، والعمرة بالنسبة للحج، إلا الزكاة فقد جعل الله معها نافلة الصدقة، وقرنها بفريضة سنوية أخرى هي “زكاة الفطر” في نهاية شهر الصوم

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ”.  رواه أبو داود

هل يسعى شوقي علام إلى تعويض صندوق تحيا مصر بهذه الحفنات من الأرز بعدما شح رز الكفيل؟!

ومن مقاصدها أن تعم فرحة الأيام المباركة كل بيت، ولا يحمل الفقير هما يوم العيد، ومع أن ذلك من المقرر المحفوظ، والمشتهر المعلوم من الدين بالضرورة فإنني وجدتني مضطرا للتذكير به والتأكيد عليه  بعد فتوى د. شوقي علام مفتي النظام المصري بجواز تقديم أموال الزكاة إلى صندوق “تحيا مصر” وهو أحد الصناديق التي لا يراقبها أحد، ولا يطلع على مصادرها أو جهات صرفها أي مصدر رقابي أو جهة محاسبية، وقد سبقه إلى ذلك وزير الأوقاف الذي حول الأموال الموقوفة على حوائج المسلمين إلى صناديق العابثين، مخالفا القوانين المرعية والقاعدة الأصولية التي تقول: “شرط الواقف كنص الشارع”، وهذا ما جعل المفتي ينافسه في الإثم، ويتقرب إلى ذات الصندوق بالفرائض، وربما تدخل الطرق الصوفية على الخط فتجعله من صناديق النذور، وتقيم مولدا لسيدي “المشير” !

هل بلغ التزلف ومسايرة السلطة الحاكمة إلى تغيير الشرائع المحكمة، وحرمان الفقراء من المورد الذي ينتظرونه كل عام ليخفف عنهم الآلام، وصرفه إلى نظام يتوسع في القصور، غير آبه بما تعانيه مرافق الدولة من قصور، وما كوارث السكة الحديد منا ببعيد، وجائحة كورونا التي كشفت تهالك المنظومة الصحية، حتى أصبحت بعض المحافظات مركزا للوباء، وقد بلغت استغاثات أهل سوهاج عنان السماء، ولا مجيب ولا مغيث…..

فتوى شوقي علام باطلة، ولا تمت إلى الفقه بصلة، ولا تستند إلى دليل صحيح أو اجتهاد ونظر سليم، وأغرب ما فيها أنها جاءت في رمضان والفقراء ينتظرون زكاة الفطر، وهي شيء يسير يقدر بثلاثة كيلو من الأرز أو الطعام” أو القيمة المقدرة” فهل يسعى شوقي علام إلى تعويض صندوق تحيا مصر بهذه الحفنات من الأرز بعدما شح رز الكفيل؟!

(المصدر: الجزيرة مباشر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى