حدَّثني صديق أمس عن زوجين أوروبيين انتقلا للعمل في مدينة عربية وانقطعت أخبارهم عنه، ثم فوجيء بهم قد عادوا إلى بلدهم الأول وارتدُّوا عن دينهم هم وأبناؤهم.
وبعد لقاءات عدة تبيّن أنهم صُدموا من أوضاع لم يتوقعوها؛ تتراوح بين العنصرية والتحرُّش والنفاق الاجتماعي داخل حقول تعليمية!
أُشفق على من يبحثون عن الحق في مثل هذه الأزمنة المضطربة المتداخلة.
باسم الإسلام يُقتل أبرياء غافلون ويُردد قاتلهم: (الله أكبر)!
وتنتشر آلاف المقاطع في الشبكات للنحر، والقتل، والاستخفاف بالحياة باسم: (دولة الإسلام)، أو باسم: (الثأر للحسين)!
من ينفِّذ هذا الإرهاب أحد طرفي الإرهاب، لكن من ينشره ويجعله سلعة في الأيدي هم أولئك المستسهلون لضغطة زر النشر؛ ليجعلوا من هذا القبح مادة مستساغة مع الزمن والتكرار -وإن فعلوا ذلك بحسن نية-.
بلاد العروبة وبلاد الإسلام أصبحت خارطةً حمراء؛ تُنتهك فيها الحقوق، ويُعتدى فيها على الأطفال والنساء والشيوخ والعاجزين.
وفيها أكبر عددٍ من أصحاب الإعاقات والعاهات ومقطّعي الأطراف.. بسبب الحرب العمياء والتدمير العشوائي.
وهي تحتل المراتب الأخيرة في سلم التنمية، والعدالة، والتعليم، والصحة، والتوظيف، والشفافية، والنمو الاقتصادي.
قصص العنف الأسري ضد الأطفال وضد النساء تتكاثر وبعضها موثّق بالتصوير.
حالات عديدة رأيت فيها أحد الأبوين يزجر طفله أو يتلّه أو يسحبه أو يضربه في المطار أو السوق في مدننا العربية!
جاءت من تلك العصا الغليظة التي كانت مغزلنا الوحيد في التربية، كانوا يتوارثون المعرفة يوم أن توارثنا تلك العصا..
خطيب أو إمام أو داعية يصعد المنبر ويتكلم برؤيته الضيقة ورأيه الخاص؛ الذي ربما لا يقبله محيطه القريب، وهو يقوله على رؤوس الأشهاد للقريب والبعيد، وقد يعد هذا شجاعةً أو صدعاً بالحق، وإن لم يكن معه من الله برهان، وليس لديه علم ولا هدى ولا كتاب منير.
وربما تحدَّث في مسألة علمية كونية صارت من القطعيات المفروغ منها حتى لدى البسطاء وهو ينفيها باسم الله وباسم الإسلام وباسم القرآن!
يا لجرأتنا على الله باسم الله..
مجتمعات متدينة عجزت عن استيعاب تنوعها واختلافها فتحولت إلى بؤر للصراع المستميت الممتد؛ الذي لا يتوقّف إلا ليلتقط أنفاسه من جديد!
مع الوقت صرنا بيئة جاذبة للأمزجة الحادة حتى لمن يدخلون في الإسلام نبدأهم بالتطعيم بهذه المعاني.
انشغالات جزئية شكلية فرعية خلافية تسيطر على التفكير والاهتمام، وتشغل عن الله، وعن الحياة والعمل والحضارة والإبداع.
إعلام يُموّل بالمال العربي والإسلامي، ويوجه لعقول عربية وإسلامية، ولا يخدم هوية، ولا يعالج مشكلاً، ولا يكرس قيمةً، ولا يربي على الإنصاف والعدل.
كانت الشتيمة متستّرة لا يعرفها إلا القلّة، مَنْ الذي جعلها سافرة لهذا الحد..؟!
كنا نرتكب أخطاء في محيطنا الضيق وضمن سياق خاص، ومع الشبكات المتكاثرة لم يعد خطؤنا مفهوماً، لقد تجاوز الأصدقاء والدوائر الشخصية إلى المحيط العالمي الذي لا يعرف مستوى المتحدثين ولا يدرك أهميتهم ولا يحيط بظروفهم النفسية، والذي بمقدوره أن يفسر الكلام والمواقف وفق ميله ومزاجه وربما يكون جاهلاً أو سَيِّئ النية!
قوى عالمية رسمية وشعبية تستثمر كل هذا في صناعة انطباعٍ سلبي عن الإسلام وأهل الإسلام وتاريخ الإسلام، وتصنع من الحادثة المفردة قصة عريضة، وترددها على مدار الساعة؛ لتحدث تراكماً لدى المشاهدين، وتبني جداراً من الكراهية والخوف من هذا الدين.
ثَمَّ شأن إيجابي كبير فليست الصورة قاتمة من كل وجوهها، بيد أن مشاهدة هذا الخيط الأسود الكالح ضروري للعمل على كسر دوامته وتخفيف حدته.
سؤال يطرح نفسه كثيراً:
أين مَنْ يُقدِّم الأنموذج الأخلاقي الطيب لأبناء مجتمعاتنا القريبين منا، والذين اهتزت ثقتهم فينا، وفيهم من اهتزت ثقته بدينه، وفيهم من تطرّف وغلا ، وفيهم من ألحد وتجرأ على قدسية ربه بسخيف القول، وجعل المعاني الإيمانية العليا مادةً للتندر والسخرية والتجديف؟!
أين الأفراد الأنموذج في العقل والتفكير والتوازن والتسامي عن تمثيل جماعة أو مدرسة أو حزب أو تيار إلى أفق التسامح الإسلامي الواسع؟
وأين المدارس الأنموذج في البناء التربوي، والتأصيل النبوي، والاستيعاب والبعد الإنساني؟
أين المجتمع الأنموذج في الواقعية والترابط واحترام الاختلاف والصلة والبر والعفو والإحسان؟
أين الإدارة الأنموذج في العدالة والتنمية والتخطيط والحقوق؟
أين الفقيه الذي يتربَّى ويُربِّي على قاعدة: (لا يتحدَّث الناس..)؟!
القول سهل، وسأتفق جزئياً مع تعليقات أسفل هذا المقال تُحمّلني مسؤولية ذلك، أو تقول إن الكلام مثالي افتراضي وأنت صوّرت لنا ما نعرفه جيداً ولم ترسم لنا المخرج الذي تقترح!
أن أكون المرآة -أحياناً- ولو أظهرت قبحًا خير من أكون صامتًا أو شاتمًا في الحشد..
(موقع الإسلام اليوم)