إعداد سمير حسين زعقوق
تقدر تقارير صادرة عن المنظمات المسئولة عن العمل الإسلامي في روسيا عدد المسلمين في جمهورية روسيا الاتحادية وحدها بثلاثين مليون نسمة، من تعداد سكان روسيا الذي يزيد عددهم عن (145) مليون، ورغم أن السكان الروس يتناقصون بمعدل نصف مليون سنويا تقريبا إلا أن الديمجرافيين يتوقعون انه بحلول عام 2020 سوف يكون واحد من كل خمسة من الروس مسلما.
والمسلمون في روسيا بأغلبيتهم من أهل السنة من أتباع المذهبين الحنفي والشافعي، ويشكل أتباع المذهب الحنفي الأغلبية في منطقة حوض الفولجا وأعماق روسيا وسيبيريا بينما يسود المذهب الشافعي في القوقاز، وأن عدد أتباع المذهب الحنبلي في روسيا قليل ولا يوجد عمليا مالكيون، ويعتنق المذهب الشيعي الجعفري بصورة أساسية الأذريين (حوالي مليوني شخص)، ويوجد في شمال القوقاز بالإضافة إلى ذلك عدد من الجماعات الصوفية.
وتعتبر الإدارات الدينية للمسلمين الهيئات القيادية للمسلمين في روسيا ، وجرى تأسيس أول إدارة دينية بمرسوم خاص من الإمبراطورة يكاترين مؤرخ في 22 سبتمبر عام 1788 بعنوان “مجلس أوفا الديني وفق القانون المحمدي”. وجرى الاحتفال ببدء أعماله في 4 ديسمبر عام 1789.
ويوجد في روسيا ما يقارب 40 إدارة دينية للمسلمين وأكثرها نفوذا الإدارة الدينية لمسلمي الشطر الأوروبي من روسيا ، وسجلت وزارة العدل الروسية الإدارة الدينية لمسلمي الشطر الأوروبي من روسيا في 23 فبراير عام 1994 باسم الإدارة الدينية لمسلمي إقليم روسيا الأوسط الأوروبي.
وتشهد روسيا في العقدين الأخيرين نهضة إسلامية نشطة ، فيجري تشييد المساجد (وصل عددها في عام أكثر من 5 آلاف).
ويجري إنشاء محلات تجارية ومطاعم وعيادات استشارية نسائية ومستشفيات وصالونات تجميل ووكالات تشغيل وأداء طقوس الدفن خاصة ومكاتب محاماة وصناديق خيرية وتعليمية ودور نشر ومنظمات دفاع عن حقوق الإنسان.
وفي كل مسجد هيئة شورى تنتخب لجنة من ثلاثة أشخاص لحل مختلف القضايا الجارية بما فيها تلك التي تتعلق بالممتلكات، ويعين أئمة المساجد مفتيي الإدارات الدينية، ويعتبر الأئمة زعماء دينيين ومسئولين عن الشئون المالية والاقتصادية للمساجد، وتشكل الإدارات الدينية للمسلمين على أساس قومي إقليمي.
ويوجد أيضا مجلس المفتين في روسيا الذي أسس في يونيو عام 1996، وهو يوحد عددا من الإدارات الدينية للمسلمين وينسق نشاطاتها.
وإذا كان تعامل الحكومة الروسية مع المسلمين جيداً فإن المسلمين هناك يعانون من هجوم شرس تشنه وسائل الإعلام التي يسيطر اليهود على 25% منها، والتي تنقل صورة مشوهة عن الإسلام، كما تنشرها وسائل الإعلام الغربية.
موائد الرحمن والقرآن
ينتهز المسلمون الروس شهر رمضان ليتمسكوا بدينهم وينتهزوا فرصة الشهر الكريم من أجل تثبيت دعائم دينهم وثقافتهم في نفوس أفراد المجتمع الإسلامي الروسي ، وفي هذا الإطار يقوم المسلمون أثناء موائد الإفطار بدعوة من يتقن قراءة القرآن ويعلم شيئاً عن الدين ليقوم بقراءة ما تيسر من القرآن ويلقي درساً أو موعظة مما يترك أثرا طيبا في المدعوين كما يساعد على جذب غير المتدينين من المدعوين إلى التدين والالتزام بالتعاليم الإسلامية ، كما نجد موائد الإفطار الجماعي التي تنظمها الجمعيات الخيرية والتي تماثل “موائد الرحمن” في مصر وتشارك العديد من الدول العربية والإسلامية في إقامة مثل هذه الموائد عن طريق البعثات الدبلوماسية مما يشعر المسلم الروسي بعمق الروابط بينه وبين باقي شعوب العالم الإسلامي.
وبخصوص تعامل الشعب الروسي والدولة الروسية عموما مع الشهر الكريم، فلا نجد أي تغير عن باقي أيام السنة فالبرامج التليفزيونية والإذاعية كما هي تبث دون احترام لمشاعر المسلمين كما يتواصل عمل المقاهي وأماكن تقديم المسكرات طوال شهر رمضان، الأمر الذي يشير إلى طبيعة مشكلات المسلمين في روسيا والتي ترتبط بعدم اعتبار المجتمع الروسي الأرثوذكسي في الغالب لهم جزءا أساسيا من أجزاء المجتمع مما يتطلب تحركا من المسلمين الروس وكذلك من بلاد العالم الإسلامي من أجل نيل المزيد من الحقوق للمسلمين الروس في ممارستهم عباداتهم بصورة عامة وخلال شهر رمضان المبارك.
عمرة رمضان
ويستعد المسلمون الروس قبيل رمضان للفوز بتأشيرة عمرة، على اعتبار أن عمرة رمضان تعدل حجة وفي العام الماضي حصل 2000 معتمر روسي تصاريح وتأشيرات دخولهم للأراضي المقدسة لأداء العمرة.
وأدى الشيخ راوي عين الدين رئيس مجلس المفتين في روسيا العمرة في رمضان الماضي مع أكثر من ألفي مسلم روسي .
ومن العادات السنوية أن تقوم الإدارة الدينية بتسهيل مهام وإجراءات الحجاج من خلال تشكيل المجموعات التي ترغب في أداء العمرة وإعداد الوثائق الضرورية بصورة مركزية. وتخصيص أمير لكل مجموعة مهمته تتلخص في مساعدة المسلمين في حل القضايا المعيشية اليومية محليا وتقديم المشورة لهم بشأن طقوس العمرة، ويحرص المعتمرون الروس بعد وصولهم للأراضي المقدسة على زيارة الأماكن التاريخية التي ترتبط بالمراحل المبكرة في تاريخ الإسلام مثل غار حراء وجبل عرفات والمدينة المنورة، كما يعكف مجلس المفتين في روسيا على إعداد وإصدار دليل للحجاج يحوي تفاصيل واجبات وشروط الحج والعمرة وكذلك دليل يحتوي على معلومات مفصلة ضرورية للحاج خلال تواجده في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويتوجه كافة الراغبين في أداء العمرة في شهر رمضان إلى الديار المقدسة جوا عبر عمان والقاهرة.
صلاة التراويح
وخلال أكثر من 70 عاماً من الحكم الشيوعي فـُرِضَت فيها القيود الصارمة على حرية ممارسة الأديان في روسيا وفي غيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وحُرِمَ المسلمون خلال كل تلك السنوات من حرية ممارسة شعائرهم الدينية ومع ذلك لم يفرّطوا في عقيدةٍ اعتنقوها قبل عدة قرون، اليوم وقد تنسّم مسلمو روسيا هواء الحرية فقد أصبح الفرح عنواناً لكل احتفالاتهم الدينية لا سيما في شهر رمضان المبارك، حيث تنتشر المساجد ، ويصلي المسلمون الروس صلاة التراويح كل يوم عشرين ركعة، وعدد المصلين يزيد كل رمضان، وليست المساجد فقط هي التي تحتفي برمضان ولكن الأشخاص مثلا في منطقة نيجني نوفجراد يحتفون في بيوتهم برمضان وكأنه عيد حيث يدعو شخصيات معروفة من المسلمين الروس مجلس الإفتاء في بيوتهم ويدعون الناس ويجلسون هناك يذكرون الله، ويأتي إمام المسجد ليقرأ القرآن، ويلقي كلمة عن فضائل رمضان ثمّ يدعو لنصرة الدين والأمة الإسلامية.
وتوجد في المساجد ذاته قاعات صلاة للنساء، بعضهن قدمن من أحياء بعيدة لأداء الفريضة، أعمار شتى ووجوه تنطق بما تعجز عنه الألسن، وتتلخص الشعائر الرمضانية عند الروس في الاجتماع حول موائد الإفطار والذهاب إلى أداء صلاة الجماعة، وتقوم المساجد الرئيسية بختم القرآن الكريم طوال شهر الأمر الذي يجعل من هذا الشهر عيدا يمتد على مدار ثلاثين يوما كذلك يحرص المسلمون الروس على أداء صلاة التراويح وتعتبر هذه العبادة هامة جدا في توحيد المسلمين حيث يشعر المسلم القادم إلى أداء صلاة التراويح بأنه قادم إلى جماعة فيستقر لديه الشعور الديني الإيماني.
رمضان طريق الهداية
تؤدي هذه الأجواء الرمضانية إلى إقبال بعض غير المسلمين على اعتناق الدين الإسلامي ، فقد أعلن الأستاذ الجامعي الروسي فولنتين بروساكوف إسلامه ، وكان فولنتين يعلم وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس اللغة الروسية أثناء دراستها الجامعية ، وبروساكوف روسي المولد وكان يعتنق اليهودية إلا أنه هاجر إلى أمريكا في زمن الاتحاد السوفيتي ، حيث كان رافضاً للشيوعية وعاش بها عشرين عاماً ثم إلى روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
وقد كان طريقه إلى الإسلام شاقا فقد هرب من الشيوعية ثم هرب من الديمقراطية الأمريكية ، وقد كان باستمرار ينتقد الكيان الصهيوني والصهاينة ولم تكن تعجبه أكذوبة شعب الله المختار وهو ما انعكس بوضوح من خلال كتاباته ، ويكتب اليوم عن الإسلام في صحيفة الفكر المعاصر الروسية وهي أول صحيفة شهرية توزع على نطاق واسع في روسيا يصدرها المركز الإسلامي في روسيا حيث تضم موضوعات تهم المسلمين والدعوة الإسلامية ، وكان 3 قساوسة روس أعلنوا إسلامهم كان رمضان من العام الماضي ويلعبون دورا فعالا في نشر الدعوة إلى الإسلام.
نموذج للقرى الروسية في رمضان
وفي قرية أربيشكا الروسية، قبيل الإفطار لا تلمح أحدا في شوارع القرية فالكل يجهّز للإفطار في المنازل، أما في المسجد فيتجمّع عدد من شيوخ القرية بانتظار أذان المغرب الذي ما إن يرتفع حتى يبدأ هؤلاء إفطارهم بتناول الزبيب، الحرص على أداء صلاة الجماعة بالنسبة لشيوخ أربيشكا بدا واضحاً حتى من غَلَبَتْه سنوات عمره أدّى الصلاة جالساً على مقاعد خُصصت لهذا الغرض، بعد الصلاة يتوجّه الجميع إلى منزل أحد الأثرياء الذي يجهّز مأدبة الإفطار الجماعي، تقليد درج عليه المقتدرون من أهالي القرية، ويكون الإفطار الجماعي على طاولتين ، واحدة للنساء في غرفةٍ تجاور المطبخ، وأخرى للرجال في الطابق العلوي، على الطاولتين تتوزّع أطباق الفاكهة والفطائر ويبدأ التتر إفطارهم بشرب الشاي، قبل ذلك كله ترتفع الأكفّ ويدعو الجميع بالخير لصاحب المنزل وأهله , ولا يضيع الوقت هباءً فما بين تقديم الأطباق المختلفة تُروى جوانب من السيرة النبوية الشريفة , حركة دءوبة ونشاط غير عادي لأهل المنزل كباراً وصغاراً فرحاً باستضافة هذا العدد من الصائمين، ملامح البهجة الرمضانية في القرى الروسية قد لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في دول عربية وإسلامية، فقط الظاهر والملموس أيضاً أن المسلمين الروس في فرحهم برمضان وكأنهم يعوّضون سنوات طويلة كان الجار يخشى أن يقول لجاره مجرد عبارة “رمضان كريم” لكنها أيام قد ولّت لم يبقَ منها سوى ذكريات تُستدعى كل مرة بمشاعر لا تخلو من مرارة.
(المصدر: مجلة الأمة الالكترونية)