مقالاتمقالات مختارة

رمضان وكسر المألوف

رمضان وكسر المألوف

بقلم د. عدنان بن محمد أمامة

من المقطوع به أن الشارع لا يريد من تشريع العبادات على الناس صورها، وأشكالها، بل مقاصدها، وحكمها، وغاياتها التي تتحقق من خلالها.

وقد صرح القرآن والسنة بالغاية من فريضة الصيام، فقال سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”، وقال صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه، وشرابه”.

فالمقصود من الصوم إذن ليس مجرد ترك الطعام، والشراب، بل ترك الحرام كله، والتحرر من كل أنواع العبوديات لغير الله، والخضوع التام له وحده سبحانه.

وذلك أن الإنسان لطول إلفه للطعام والشراب، في مواعيد محددة، خارج رمضان، يصبح شبه عبد لهذا المألوف، ويصعب جدا عليه تركه، والتحرر منه.

فيأتي رمضان ليكسر هذا الإلف، ويحرر المسلم من أن يخضع لأحد إلا الله.

وإذا كان الشارع يريد من الصائم أن يتحرر من العادات المباحة طاعة لله، وانعتاقا من العبودية لما سواه، فمن باب أولى أنه يريد تخليصه من العادات، والمألوفات المحرمة، التي استعبدت كثيرا من الناس، فهل حقق المسلمون غاية الصوم يا ترى؟

حين نرى كثيرا من المسلمين، هجروا في نهار رمضان، عادة الطعام، والشراب، لكنهم مصرون على ما اعتادوه من أكل الربا، واكتساب المال بالطرق الحرام، خيانة، وغشا، وتزويرا، ورشوة، وجحدا، وقمارا، وبيعا للمحرمات، وسرقة لدواء الفقير، وطعامه، ومحروقاته.

وحين يصر الكثيرون على عادة الجور في الميراث، تفضيلا لبعض الأبناء، وحرمانا للبنات.

وحين نرى سلطان العادات الاجتماعية الموروثة يتقدم على سلطان الشريعة، في أفراحنا، فنجهد في إقامة أعراس نُبرز فيها العروس أمام الجميع، وقد كشفت عما لا يباح كشفه لغير عريسها، وتختلط فيها النساء الفاتنات، وهن بأبهى حلتهن، وزينتهن، بالرجال الأجانب، والجميع يتمايل على صوت مزامير الشيطان.

 وحين تكون قدوات نسائنا في لباسهن، واهتماتهن، الممثلات، والفنانات، والراقصات، والمغنيات، وعارضات الأزياء، وسافلات الشاشات، وقدوات شبابنا أصحاب البناطلين الممزقة، والشعور المنفوشة، وأبطال الكرة، ونجوم التمثل الهابط.

 وحين تملي علينا تقاليدنا الجاهلية بحجة عزة النفس الفارغة، هجر الأرحام، والجيران سنوات، وسنوات، نعلم جيدا أن صومنا ليس الصوم الذي يريده الله، وأن فضائل رمضان من مضاعفة للحسنات، ومغفرة للزلات، ورفع للدرجات، وعتق من النيران لن يحصلها أمثال هؤلاء، وندرك أن نصر الله لهذه الأمة، وفرجه عليها لا زال بعيدا وفقا لسنته الثابتة ولينصرن الله من ينصره.

رمضان فرصة للتخلص من كل أنواع العبوديات لغير الله، والتلذذ بالخضوع له وحده جل في علاه

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى