مقالاتمقالات مختارة

رمضان والانتصار

رمضان والانتصار

بقلم د. عادل بن حسن الحمد

شهر رمضان شهر الانتصارات العظيمة في الإسلام، وهو شهر الجهاد.

وكلما اقترب شهر رمضان طارت القلوب إليه تترقب وصوله، وتتأمل تغير الأحوال فيه.

فما هو النصر الذي نرجوه من ربنا في رمضان القادم؟

وما هي الأسباب التي نأخذ بها لتحقيق النصر؟

أولا: معارك انتصرنا فيها:

انتصر المسلمون على الكفار في غزوة بدر 2ه، وفتح مكة 8ه، وفتح الأندلس 92ه، وعين جالوت 658ه، ومعركة شقحب 702ه، كلها وقعت في شهر رمضان، وغيرها كثير.

ثانيا: العوامل المشتركة بينها:

هذه المعارك والتي وقعت في رمضان، بينها عوامل مشتركة، يجدها من قرأ تفاصيلها، مثل:

  • كلها غيرت مجرى التاريخ.
  • العدو فيها أكثر من المسلمين.
  • صدق لجوء المسلمين إلى الله، والتضرع إليه بالدعاء، وإظهار الافتقار إليه.
  • تمسك المسلمين بدينهم وقوة إيمانهم.

وهذا يعني أننا إذا أردنا أن نحقق انتصارا في رمضان القادم، فعلينا أن نصدق في اللجوء إلى الله، والتضرع بين يديه، والأخذ بالأسباب المادية التي بين أيدينا، وبقدر استطاعتنا.

ثالثا: العبرة من هذه المعارك:

التاريخ فيه عبرة لمن يعتبر، ودراسة مثل هذه المعارك إنما يقصد منها أخذ العبرة، فما هي العبر التي يمكن أن نستفيد منها من هذه المعارك؟

سأذكر بعض العبر من هذه المعارك، ويمكن للقارئ أن يرجع لتفاصيل هذه المعارك لمعرفة المزيد.

فمن ذلك:

في غزوة بدر:

كان احتشاد قريش لمواجهة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبه الكرام، رياء، وسمعة، وصدا عن سبيل الله، فهزموا.

قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [الأنفال: 47]

في فتح مكة:

  • تحرك جيش النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنصرة المظلومين الذين قتلوا ركعا وسجدا، من قبل حلفاء قريش.
  • حِرص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تقليل إراقة الدماء في فتح مكة، وإلزام الصحابة بذلك.
  • أمْر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بتعظيم البلد الحرام، ولو كانوا فاتحين.
  • دخول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة متواضعا، شاكرا لله على الفتح المبين.
  • عفو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المشركين، وحرصه على دخولهم في الإسلام.

في فتح الأندلس:

  • قائد المسلمين طارق بن زياد مولى من البربر، وليس من العرب.
  • فرح موسى بن نصير، وهو القائد العام، بانتصار مولاه طارق بن زياد.

في معركة عين جالوت:

  • مبادرة القائد سيف الدين قطز بالخروج للعدو ومواجهته.
  • اجتماع كلمة المسلمين على قائدهم قطز.
  • قتل المنافقين الذين ساندوا التتار.

في معركة شقحب:

  • بروز دور العالم في قيادة المعركة ضد العدو.

هذه فوائد وعبر ذكرتها على شكل رؤوس أقلام، يمكن لكل أب أو أم أو مُرب أن يرجع إلى تفاصيل هذه الأحداث ويذكرها لأبنائه، وطلابه، ومن حوله، حتى يغرس في نفوسهم أن شهر رمضان شهر انتصارات عظيمة، بشرط أن نعمل وفق السنن الربانية المحققة للنصر.

رابعا: من ينتصر للمسلمين؟:

لا يوجد دم يراق في الأرض اليوم مثل ما تراق دماء المسلمين، ولا يوجد اضطهاد يمر به شعب مثل ما تضطهد شعوب المسلمين، ولا يوجد تهجير لشعب مثل ما تهجر الشعوب المسلمة، وعلى أيدي حكامها قبل أعدائها، والأمثلة على ما ذكرت لا تخفى على أحد.

فمن ينتصر للمسلمين؟

من رحمة الله عز وجل، أن جاء هذا الوباء العالمي (كورونا)، ليشغل بعض القتلة، والمجرمين، والطغاة، عن قتل المسلمين، فبدأت بعض الشعوب تلتقط أنفاسها قليلا لعلها ترتاح.

ومن رحمة الله عز وجل، أن انتشر هذا الوباء في جيوش كانت لا تهدأ عن قتل المسلمين.

ومن رحمة الله عز وجل، أن انتشر هذا الوباء في دول كانت ترعى قتل المسلمين، وتساند المجرمين، وترعى الإرهاب الحقيقي، وتصمت عن الجرائم التي تلحق بالمسلمين.

ومن رحمة الله عز وجل، أن أسكت بهذا الوباء الأقلام التي كانت تطعن في ثوابت الدين، وتستهزئ بالعلماء والمصلحين.

ومن رحمة الله عز وجل، أن كشف للناس بهذا الوباء انحطاط أخلاق الدول الغربية التي تتغنى بالمدنية، والتقدم، والحضارة، وحقوق الإنسان.

ومن رحمة الله عز وجل، أن جاء هذا الوباء ليدرك الناس رحمة الله بالمسلمين، عندما تتخلى عنهم الجيوش التي ترعرعت على أموال المسلمين.

هذه صور من رحمة الله بنا.

ويبقى السؤال:

من ينتصر للمسلمين؟

خامسا: الضعفاء ينصرون المسلمين:

بين لنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ضعفة المسلمين من الرجال والنساء عموما، والأطفال، يستطيعون نصرة المسلمين بالدعاء لهم، فقَالَ رسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلاتِهِمْ، وَإِخْلاصِهِمْ». (رواه النسائي)

فلا يبخل المسلم بدعوة ينتصر فيها للمسلمين؛ برفع الظلم عنهم، وبرفع الوباء، وبعودة الشريعة يحكم بها في الأرض.

سادسا: من هم أعداء الأمة؟:

أحد أهم عوامل النصر هو معرفة من هم أعداء الأمة.

إن جهلنا بعدونا قد يوقعنا في الوقوف معه ضد المسلمين. وقد يوقعنا في خططه، وموالاته، ونحن لا نشعر.

فكيف نعرف أعداء الأمة؟

غدا إن شاء الله نجيب على هذا السؤال.

والحمد لله رب العالمين.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى