تقارير وإضاءات

رمزيات مرسي الأربعة.. قراءة في مرثياته

رمزيات مرسي الأربعة.. قراءة في مرثياته

إعداد وسام فؤاد

دارت الكتابات تعليقا على مقتل الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي باتجاه تكريس رمزيته، وتحويله لأيقونة لنضال الشعب المصري. لم يكن لهذه الدراسة هذا الهدف حين بدأ الباحث في إعدادها، بل كانت تستهدف تحليل المنشور في هذه القضية على منصة التدوين المصغر “تويتر” فقط، وكانت التدوينات المتعلقة بالرئيس مرسي تقدر بالملايين، وكان التفاعل عليها يقدر بعشرات الملايين، وهو ما دفع للجوء لبعض تطبيقات الويب المتخصصة في تحليل منصة “تويتر” لرسم خريطة للأوزان النسبية للقضايا التي عولجت، وتقديم تحليل لمشاعر واتجاهات مرتادي “تويتر” حيال الحادث الأليم، ودور النافذين Influencers في إعادة توجيه تدفقات الكتابة في هذا الحادث الذي تصدر “تريندات” “تويتر” العالمية خلال أقل من ساعة من إعلانه.

ومع فحص حصيلة ما جمعه التطبيق، كانت وجهة البحث تتغير شيئا فشيئا. قادها في البداية جلال الحدث، وعززها إصرار تدفق المشاركات في “التريندات” المختلفة التي تناولت الحدث على تحويل الرئيس محمد مرسي إلى “رمز”، ليس سياسيا فقط؛ بل سياسي وقيمي: علمي وأخلاقي، وليس مصريا فقط، بل رمز عالمي باتساع نطاق الالتفاف حوله، والصلاة عليه، ما بدا وكأن نظرة العالم الإسلامي له التمست فيه مدخلا لقيادة مصر للدفاع عن العالم الإسلامي المقهور والمنسحق أمام الطغيان الصهيو- أمريكي، وهو ما أزعج محور الثورة المضادة، فعملت – دون جدوى – على تحويل هذا الطوفان العالمي إلى “حالة حزبية”، ولم تقدر أهمية أن تكون مثل هذه الحالة من باب القوة الناعمة الداعمة لمصر.

انتهى النزاع داخل نفس الباحث – أمام هذين العاملين – إلى تفضيل تحويل القضية إلى دلالات الرمزية في تدفقات المشاركة في “تريندات رثاء الرئيس”. وهي معالجة لا ينبغي أن يفهم منها أنها تعبير عن كل المشاركات. فقد كان هناك اختلاف، وكانت هناك محاولات مزايدة، وكان ثمة تجاهل، فضلا عما اقترفه الذباب الإلكتروني من خطاب بات علامة على التردي الأخلاقي، كاشفا عن هول ما يمكن لمستبد أن يصيب به رعاياه، وهذا كان من بين دوافع تجاهل هذا اللون من ألوان الخطاب غير الجاد. لكن – برغم ذلك – كانت القاعدة تصب في رمزيته. السطور القادمة تكشف عن الملامح الأربعة لهذه الرمزية.

أ. الرمزية الثورية

كانت أغلب مداخلات المعارضة المصرية، وبخاصة معارضة الخارج، تتعلق برمزيته الثورية. وفي واحدة من عشرات التغريدات له، علق الأكاديمي المصري محمد محسوب بأن “#الرئيس_الشهيد ضحى لأجل مصر تمسكا بمسار ديموقراطي أدرك أنه المخرج لها من نفق ظلام الاستبداد وتكالب الفساد”. ولفت إلى أن “الوفاء له يكون بالعمل لاستعادة الحرية التي قضى لأجلها، وتحقيق أهداف ثورة يناير التي آمن بها، والحفاظ على وطن لم يفرط بذرة من ترابه أو كرامته[1]. وفي نفس السياق، يلفت الإعلامي وائل قنديل إلى الرابط بين الانقلاب والكيان الصهيوني، في إشارة للرمزية الثورية للرئيس الأسبق، لافتا إلى أنه “من إنجازات 30 يونيو: رئيس منتخب لأول مرة بالتاريخ، يلقى ربه شهيدًا أثناء محاكمته على يد مجرمين قتلوا معنى الثورة وقيم العدل والحرية، ثم تمنع الصلاة عليه، ويحرم الناس من العزاء بعد أن يدفن بجنح الظلام، ولا يسمح لأحد بتسجيل وقائع تشييعه إلا لصحفي صهيوني”[2]. جدير بالذكر أن هذه الواقعة نشرت بنحو أكثر من 6000 تغريدة على موقع “تويتر”، وكان من أبرز من تداولها الحقوقي المصري بهي الدين حسن؛ الذي لفت إلى أن السيسي يمكّن الصحافة “الإسرائيلية” على حساب المصرية[3]. وفي نفس السياق، أشار الحقوقي “جمال عيد” للرمزية الثورية بمداخلة واحدة عبر حزمة تغريدات مكثفة عن القضية، حيث قال “نتفق نختلف، لكن رحمه الله الدكتور محمد مرسي، يعتبر الرئيس الوحيد في تاريخ مصر الذي جاء بانتخابات حقيقية، لم تشهدها مصر قبلها ولا بعدها”[4].

ومن أبرز التعبيرات عن الرمزية الثورية المصرية تغريدة بهي الدين حسن نفسه، حيث غرد ناشرا تقرير موقع “المنصة” حول خوف السيسي من شعبية الرئيس الأسبق، “خلف الصورة الرائجة في مصر والغرب عن نظام حكم يحظى بشعبية هائلة، وأجهزة أمن أخطبوطية ترصد دبيب النملة، وجيش يحتكر اقتصاد أمة بأسرها، ويحتل المركز الثالث في استيراد أسلحة تصدأ قبل أن تستخدم، هناك رجل يرتعش من ذكر لقب شخص دفنه أمس”[5]. جدير أن نلفت إلى أن الحقوقي المصري بهي الدين حسن كان صاحب أكبر رقم قياسي للتغريد وإعادة التغريد عن قضية مقتل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 5 أيام (33 تغريدة)، وأن تغريداته كانت أكثر حزمة تغريدات تنوعا من حيث نوعية التناول لمغرد واحد، وأنه تفوق على “لوبي دكتور محمد مرسي” في الاهتمام بالقضية.

وفي هذا الإطار، يشير الإعلامي قطب العربي إلى أن “غياب الرئيس مرسي (باستشهاده) لا يعني نهاية الثورة في مصر، وإن مثل غيابا لأخلص رموزها وأهم ثمارها”[6]، واعتبر أن “استشهاد الرئيس مرسي بهذه الطريقة وهو يدافع حتى آخر رمق عن ثورة يناير ومكتسباتها يمكن اعتباره طاقة شحن ثوري جديدة، تلهم دعاة الثورة والتغيير”. أكد “العربي” على وفاء الرئيس الأسبق بما وعد به، وأنه دفع حياته ثمنا للثورة والشرعية. وفي مقال آخر له، يشير “العربي” إلى جملة من الحقائق التي تدعم إقامة الرئيس الأسبق في هذا المربع، حيث لفت لعدم حدوث تواطؤ بين الرئيس أو حتى الجماعة وبين العسكر[7]، وأن التنسيق الذي حدث كان لابد منه لأية قوة سياسية تتقدم في مربع السلطة: تنفيذية كانت أو تشريعية، وأن علاقة مرسي “الأقوى” بالحالة الثورية مكنت فريقه الانتخابي من إلزام العسكر بإعلان النتيجة الحقيقية للانتخابات بدلا من تزويرها لصالح الفريق أحمد شفيق.

وأعاد “العربي” التأكيد على أن الرئيس الأسبق لم يبتعد عن الصف الثوري، بل دعاهم لرئاسة الحكومة ونيابة الرئاسة ومقاعد الوزراء والمحافظين، وكمستشارين له، منوها لرفض أغلبهم قبول هذه المناصب. كما لفت إلى أن حالة الابتعاد النسبي عن القوى الثورية الذي حدث لاحقا لهذا التوجه بالمشاركة كان مردها إلى “المناكفات ومحاولات العرقلة والإفشال التي شاركت فيها الدولة العميقة والقوى السياسية التي فشلت في الانتخابات وكانت ترى نفسها الأحق بالمنصب الأعلى في مصر، وبدأوا المؤامرات والمكائد ضد الرئيس بعد مرور أقل من شهرين فقط على وصوله إلى القصر الجمهوري، ودشنت الصحف والقنوات الممولة من السعودية والإمارات حملات تشويه مستمرة ضد الرئيس وحكومته، وحجبت عن الشعب ما حققت من إنجازات، بل كانت تسخر من أي إنجاز، في الوقت الذي لم توجد فيه أدوات إعلامية محلية قوية داعمة للرئيس بخلاف قنوات التليفزيون الرسمي والصحافة القومية التي لم تكن بقوة الإعلام الممول إماراتيا وسعوديا”. وفي معرض تعليقه على اعتقال السياسيين المتهمين في قضية “خلية الأمل”، قال “العربي” في السنة اليتيمة التي حكمها مرسي لم يكن أحد بحاجة إلى لقاءات سرية لتأسيس تحالف مثل تحالف الأمل الذي كان يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة[8].

وفي برنامج “حوار لندن” ناقش عمرو دراج وعزام التميمي وصلاح عبد المقصود قطاع من القضايا التي صبت في مربع تعزيز “الرمزية الثورية” للرئيس الأسبق محمد مرسي، وما كتب له من حياة بعد وفاته بالنظر لتماسكه وثباته المعطوف على سابق إصراره على تمكين المصريين، ورؤية الرئيس المصري الأسبق “مرسي” الرومانسية لقوة ثورة يناير[9].

ويبلور الكاتب وائل قنديل هذه الرمزية الثورية في النهاية بالإشارة لتواطؤ مكونات الدولة العميقة في قتله: “قتله القاضي المزور.. قتله العسكري الخائن.. قتله السياسي الأجير.. قتله الثوري المزيف.. قتله إعلام المهنية الملوثة.. قتله سفلة النضال الزائف.. قتله عجزنا وصمتنا.. قتلناه كلنا.. مرسي شهيدًا”[10]، وأعاد تكريس هذه الرمزية “شهيدنا الحي وشاهد ثورتنا الباقي”[11].

ب. الرمزية القيمية

كان من أولى الإسهامات في هذا المقام، ما كتبه عالم الفضاء المصري د. عصام حجي، حيث نشر مقالا في “شبكة الجزيرة” تداولته شبكات الإعلام الاجتماعي بكثافة (تداول: 7642 – تفاعل نحو 2.4 مليون تفاعل بين تعليق ومشاركة)[12]، وهو مقال حاول فيه “حجي” مقاومة ما أسماه “الجهل الذي شوه صورة الرئيس” بمحض حقائق لا تحمل تدخلا شخصيا. وفي هذا المقال لفت حجي لدراسة الرئيس المصري الرفيعة في جامعات أمريكية؛ وترقيه لدرجة التدريس فيها قبل أن يعود لوطنه مؤثرا خدمته. لفت “حجي” إلى أن الجامعة التي تخرج منها الرئيس الأسبق سبق أن تخرج منها “نيل أرمسترونج”؛ وهو أول من مشى على القمر؛ و”تشارلز بودن” أول رئيس من أصول ‏أفريقية لوكالة ناسا، وتخرج منها بشكل عام قادة ومفكرون منهم مصطفى العقاد مخرج فيلم “‏الرسالة”، وأيضًا رئيس وزراء اليابان وغيرهم. كما لفت “حجي” لمشاركة “مرسي” في بعض أبحاث وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، وأنه – باعتباره عالما (حجي يتحدث عن نفسه) تولى رئاسة الفريق الاستشاري للرئيس[13].

أما فيما يتعلق بالرمزية الأخلاقية، فقد تحدث “حجي” عن أمانيه بترسيخ “دولة العلم” في مصر، والتي عرف – لاحقا – أنها غير ممكنة بدون “دولة الأخلاق” التي حرص مرسي على إرسائها جنبا إلى جنب مع “دولة العلم”. وفي هذا الإطار، لفت حجي لوقائع تتعلق بالتسامح الديني في ثقافة مرسي، ساردا واقعة تقبيله رأس القبطية المصرية التي هاجمته في نيويورك عندما لم يعجبها حديثه عن مطالبة الجاليات المصرية في الولايات المتحدة بالتسامح، واعتبرته محض “كلام”. ويتحدث عضو البرلمان الأوروبي السابق، السياسي البريطاني أنس التكريتي عن تحول الرئيس الأسبق محمد مرسي لرمز لكل القيم النبيلة عبر صموده في سبيل التمسك بالديمقراطية والشرعية الانتخابية برغم كل ما تعرض له[14]. ومن دون استطراد في هذا المقام الذي نشر به الكثير، يعيد د. عمرو دراج تدوين تغريدة “موقع ميم” حول موافقة يوم استشهاد الرئيس #محمد_مرسي في 17 يونيو 2019، لذكرى إعدام سلطات الانتداب البريطاني لأبطال #ثورة_البراق الثلاثة: فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير. وتستمر مسيرة #الشهداء من أجل الحرية والكرامة و#فلسطين”[15].

وبرغم أن الحقوقي جمال عيد قام بتغريد مقال د. علاء الأسواني في إطار تأكيده على مهنية تغطيته لحادث مقتل د. محمد مرسي، وتأكيده لاستمرار اختلافه معه في الرأي، وهو المقال الذي كان يتحدث فيه “الأسواني” عن محدودية “ثقافة” الرئيس الأسبق – كما يرى، فإن المقال لفت لدماثة خلق الرجل والتأكيد عليها، مع الإشارة لبساطته[16]، وفي هذا من التأكيد على رمزيته الأخلاقية بما فيه، بصرف النظر عما قصده “الأسواني” من محدودية الثقافة لدى أستاذ تفوق وبلغ رتبة التدريس في إحدى الجامعات العريقة بالولايات المتحدة، وشارك في برامج بحوث فضائية.

وفي جماع لخصال الرمزية القيمية، ذكر المهندس حاتم عزام في تغريدة له: “لقي الرئيس مرسي ربه مقتولا لا قاتلا.. لقي الرئيس مرسي ربه حرا لا ذليلا.. لقي الرئيس مرسي ربه صامدا لا خانعا.. لقي الرئيس مرسي ربه وفيا لوطنه لا خائنا.. لقي الرئيس مرسي ربه شريفا لا فاسدا.. لقي الرئيس مرسي ربه مظلوما لا ظالما.. قتلوا الرئيس محمد مرسي على مدار ست سنوات[17].

ج. الرمزية العابرة للحدود

كانت المداخلات حول ردود الأفعال العالمية تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول تعلق بردود الأفعال الشعبية، حيث توالت بحسابات المعارضين المصريين أخبار التفاعلات الشعبية على مقتل الرئيس الأسبق من خلال ثلاثة مظاهر أساسية، المظهر الأول تمثل في صلاة الغائب على روح الرئيس الأسبق، وهي الأحداث التي شهدتها تقريبا كل دول العالم، وشملت تغريداتها موقع “تويتر”. وإن كانت الإحالات تقتضي أن نقدم بعض الإشارات، منها صلاة الغائب عليه في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة (في 5 ولايات)[18]، وألمانيا[19]، وكندا[20]، وبلجيكا[21]، وهولندا[22]، السويد[23]، وتركيا[24]، وأستراليا[25]. هذا، فضلا عن أكثر من مسجد في فلسطين بشطريها الشمالي[26] والجنوبي[27] بالإضافة إلى الصلاة في المسجد الأقصى[28]، والأردن[29]، وقطر[30]، والكويت[31]، والمغرب[32]، والجزائر[33]، وتونس[34]، والسودان[35]، وليبيا[36]، وموريتانيا[37]، ولبنان[38]، واليمن[39]، والصومال[40]، وسوريا[41]، فضلا عن بيان منسوب لهيئة علماء السعودية تدعو فيه أهل الحرمين للصلاة عليه بعد عشاء الخامس عشر من شوال[42]. كما صلي الغائب عليه أيضا في بعض الدول الأفريقية مثل تنزانيا وجنوب أفريقيا[43] وأنجولا[44]، وبعض الدول الأوربية مثل البوسنة[45]، وبعض الدول الآسيوية مثل ماليزيا[46]، والهند[47]، وباكستان[48]وأفغانستان[49].

وأفزعت هذه الرمزية “محور الثورة المضادة”، وكان رده على هذه الموجة العالمية أن هكذا نشاط عالمي يؤكد أن الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي لم يكن رئيسا، بل كان رئيسا لحزب، وأن هذا الحزب هو من صلى عليه[50]، ولم يتوقفوا برهة ليتفكروا في هذه الرمزية التي منحت لمصر كمدخل للانعتاق من العبودية العالمية، وكيف كان من شأنها أن تمثل مدخلا لدعم دور مصر العالمي، بعيدا عن الرشاوى الاقتصادية عبر بيع امتيازات النفط واستقدام شركات مثل “سيمنز” وغيرها، والإفراط في شراء الأسلحة على حساب الاحتياجات الحقيقية للمصريين.

أما المظهر الثاني في ردود الأفعال الشعبية فتمثلت في التظاهرات التي عمت دولا عربية وإسلامية، تندد بمقتل الرئيس المصري الأسبق، ومنها ما تداولته حسابات بعض الناشطين والإعلاميين، مثل تغريدة الإعلامية ليليان داود حول طاقة الحب التي تعم الدول العربية تجاه الثورة المصرية في كل من تونس والجزائر والسودان والمغرب، والتي نددت بالجريمة، وجملت شعارات من قبيل “لا إله إلا الله.. السيسي عدو الله”، وهي تدوينة أرفقت بفيديو كاشف لمحتواها[51]، وسقتها مثيلاتها في كل من الجزائر وليبيا والسودان وفلسطين وتونس[52].

المظهر الثالث تمثل في تيار الرثاء العام للرئيس محمد مرسي، بما تضمنه من نعي أو مناقب ومواقف أو قصائد شعر[53]، وهو التيار الذي دفع “هاشتاج” #محمد_مرسي أن يتصدر المركز الأول على “التريند العالمي” لمنصة “تويتر”، بعد أقل من ساعة على إعلان نبأ وفاته[54].

أما القسم الثاني من محور الرمزية العابرة للحدود، فيتمثل في المطالب الدولية بمناصرته. وينطلق هذا المحور من المرثية الخلوقة التي أبداها الرئيس التونسي السابق “المنصف المرزوقي، وهي مرثية هزت وجدان العالم العربي في ذاتها إلى جانب الفجيعة المرتبطة بمقتل الرئيس المصري الأسبق “محمد مرسي”. وكانت تداولات هذه المرثية من أكبر المداولات داخل الهاشتاجات المرتبطة بمقتل الرئيس “مرسي”[55]، وشهدت تداولات بلغت نحو 3 مليون “إعادة تدوين”، وبلغ التفاعل عليها 11 ضعف هذا الرقم، بحسب ما جمعه محرك التحليل المتخصص في تحليل نتائج تويتر: “تويتاليزر”.

كان لافتا أن أغلب قادة الدول العربية والدول الكبرى التزموا الصمت حيال مقتل الرئيس المصري الأسبق، ولم يكن ثمة مجال للارتجال، بما يوحي بأن الخطوة تحتمل القتل، ووجود ترتيبات مسبقة لضمان التزام الجميع الصمت. لكن ضغوط السياسة لم تحل دون انخراط عدد من الساسة عبر العالم في استنكار الجريمة. ليس المقصود هنا طبعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والذي انتهج خطا منفردا، حيث اعتبر الرئيس الأسبق “مرسي” شهيد قضية آمن بها[56]، ثم انتقل من الحديث عن الشهادة للحديث عن تهمة القتل، وكان تصريحه “تريند” في كل من تركيا ومصر، ثم ارتفع موقفه مجددا ليتهم “السيسي” في قمة العشرين بأنه من قتل مرسي[57]، وطالب خلال القمة بعدم رفع قضية اغتيال خاشقجي ومقتل مرسي من الأجندة العالمية[58].

أما شركاء “التريند” فقد كشفوا عن اتساع قائمة الساسة العالميين الذين عبروا عن الرمزية العابرة للحدود، وكان منها دعوة منظمة “هيومان رايتس ووتش”، “مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان” بتشكيل لجنة للتحقيق في جرائم حقوق الإنسان في #مصر ووفاة رئيسها السابق #محمد_مرسي[59]، ثم إصدار الأمم المتحدة بيانا دعت فيه لإجراء تحقيق دولي مستقل في ملابسات وفاة “مرسي”[60]، وهو ما أعقبه استنكار مصر للقرار، وهو الاستنكار الذي لقي تهكما واستهجانا عبر “تويتر”، كان من أطرفه تغريدة بهي الدين حسن “شعبي وأنا حر فيه! #مصر.. حكومة السيسي تستنكر اهتمام الأمم المتحدة بكرامة وسلامة المصريين في دولة تقول كل التقارير الحقوقية المصرية والدولية أنها تمارس التعذيب والقتل البطيء في السجون والفوري جهارا في الميادين وأماكن السكن ولا تخضع أجهزتها الأمنية للدستور ولا القانون الوطني أو الدولي[61].

غير أن المشاركات في هاشتاج #محمد_مرسي كشفت عن ردود فعل عالمية عدة، كان من بينها مطالبات الخارجية الألمانية بالتحقيق في وفاة الرئيس الأسبق[62]، ودعوة زعيم حزب العمال البريطاني المعارض “جيريمي كوربن” لوجوب التحقيق الكامل في وفاة الرئيس[63]. كما كتب النائب البريطاني المخضرم “كريسبين بلانت” عضو مجلس العموم البريطاني مقال رأي في “إندبندنت” البريطانية يطالب بالتحقيق في جرائم التعذيب في #مصر عقب مقتل الرئيس[64]، ووثق ردود الأفعال هذه عدد من المشاركين في “التريند”، أبرزهم د. عمرو دراج والحقوقي بهي الدين حسن. ومن جهة أخرى، أعلن عضو البرلمان الأوروبي السابق؛ السياسي البريطاني أنس التكريتي في نعيه للرئيس الأسبق مشيرا لكونه صار رمزا لكل القيم النبيلة[65]. هذا بالإضافة لدعوة النائبة الديمقراطية المسلمة بالكونجرس إلهان عمر لتحقيق مستقل في وفاة الرئيس وملابسات اعتقاله الوحشي[66].

د. الرمزية الحقوقية

كان التناول الأول لوفاة الرئيس الأسبق د. محمد مرسي باعتبارها جريمة قتل، ما أصدره الحقوقي المصري بهي الدين حسن، من بيان أعقب إعلان الوفاة مباشرة، حيث لفت إلى أنه لا يجب السماح “بدفن الحقيقة مع الجثمان”، وطالب بـ “تحقيق دولي فوري في أسباب الوفاة قبل التعجل بدفن جثمان الرئيس”. وعقب على طلبه بقوله “يعرف المصريون والعالم كله أنه يستحيل إجراء تحقيق نزيه واحد تحت إشراف حكومة السيسي وقضاته وأطبائه الشرعيين”[67]. نفس الرؤية وصفها كل معارضة الخارج، بدون استثناء، إلا أن كل من عمرو دراج ويحيى حامد، وهما طرفان من أطراف إدارة الرئيس الأسبق محمد مرسي، قد توجها في 25 يونيو لمخاطبة مكتب “المفوض الأعلى لحقوق الإنسان” في “الأمم المتحدة”، وذلك من خلال مكتب محاماه دولي (آي تي إن للمحاماة – لندن) كلفاه بهذا الأمر، لطلب إجراء تحقيق دولي نزيه وشفاف حول ملابسات مقتل الرئيس مرسي، وذلك لعدم الثقة في التقارير الرسمية المصرية التي تقول بوفاته بأزمة قلبية أثناء جلسة المحاكمة، في ضوء تكاثر الشواهد والتقارير التي تتحدث عن شبهات جنائية[68].

غير أن التحرك الرسمي من جانب “دراج” و”حامد” سبقه ما يشبه الإجماع لدى “معارضة المنفى” أو النخبة الحقوقية، على أن الرئيس الأسبق محمد مرسي قد قتل، ولم يمت. فالمهندس حاتم عزام كنموذج، أقر هذه القاعدة منذ اليوم الثاني لإعلان “الوفاة”، قال: “الرئيس الشهيد محمد مرسي قتل نتيجة عملية تعذيب مادي ومعنوي ممنهج على مدار ٦ سنوات، وهي جريمة تعذيب أفضى إلى الموت؛ يعاقب عليها القانون الدولي”[69]. ولمثل هذا ذهب د. محمد محسوب: “إذا صحت أخبار الوفاة المفاجئة للرئيس محمد مرسي، فنحن أمام جريمة قتل جديدة، قتل للرئيس الوحيد الذي انتخبه الشعب المصري عبر تاريخه، وقتل لكل صوت حر انتخبه أو حتى انتخب منافسيه، قتل لحرية الاختيار والانتخاب، ليظل مستقبل مصر مرهونا بإرادة مستبد أو قرار ديكتاتور”[70]. وفي نفس السياق ذهبت كل تدوينات المنظمات والمراكز والنخب الحقوقية المصرية.

وبرغم ميل “معارضة المنفى” للتعميم في تعاملها مع كل حالات الإخفاء القسري المجرد من الضمانات والتعذيب المنهجي والقتل خارج نطاق القانون، إلا أنها آثرت في قضية اغتيال “مرسي” أن تركز على هذه الحالة نظرا لرمزيتها، غير أن “معارضة الداخل”، وعموم النخبة الحقوقية المصرية حرصت على تطوير هذه الرمزية، واستغلال أيقونة “مرسي” في لفت انتباه العالم للأزمة الحقوقية داخل مصر. وفي هذا الإطار، أعاد الناشطون والحقوقيون تدوير تقاريرهم وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية حول الموت البطيء في السجون المصرية[71]، وإعادة تدوين منشورات لأصحاب تجارب[72]، مثل منشور الكاتبة “نورهان حفظي”[73] والناشط الحقوقي “أحمد مفرح” المدير بمنظمة “لجنة من أجل العدالة – Committee For Justice”[74] عن أحوال السجون وافتقاد المعتقلين والمسجونين وفق منظومة قوانين إدارة 3 يوليو لأي حق إنساني، وتحول السجون إلى “غرف للموت”[75]، والتأكيد على أن الرئيس المصري الأسبق لن يكون الأخير في قائمة تطول[76]. كما تداول الحقوقيون منشورات وتغريدات عن مطالبة 9 منظمات حقوقية بالسماح لمنظمة الصليب الأحمر بالتعرف على أوضاع السجون المصرية[77].

لم يكن الطرح الحقوقي والسياسي يخلو من المناشدات الإنسانية. حيث نشر بهي الدين حسن بالعربية والإنجليزية يستنهض الضمير الإنساني: “هل آن الأوان ليقظة الضمير الإنساني في #مصر والعالم؟ وفاة الرئيس السابق #محمد_مرسي بعد ٦ سنوات من القتل البطيء. أخشى أن هناك طابورا آخرا طويلا من سجناء السيسي وضحايا الإهمال الطبي المتعمد في غرفة انتظار الموت”[78]، وتداول السياسيون والحقوقيون مقالات لكتاب وسياسيين عبر العالم في هذا الإطار، منها مقال روبرت فيسك “من يموت في سجون الديكتاتور فهو قتيل” بالعربية[79] ومقاله الثاني بالإنجليزية[80]، ومقال “ديفيد هيرست” بعنوان “من قتل محمد مرسي”[81]، ومقال “كريسبن بلانت” عضو مجلس العموم البريطاني[82]، وتقرير “دويتشه فيله”: صدمة وفاة #مرسي.. متى يتخلى الغرب عن نظام #السيسي؟[83]. ونبه حقوقيون، في هذا الإطار، إلى أن تمرير وفاة مرسي بمثابة ضوء أخضر للتنكيل بالسجناء[84].

خاتمة

تبدو مصر أسيرة عدة خطابات للمظلومية التي لا تقتصر على فصيل دون آخر. فخطاب المظلومية في النهاية أحد تلوينات خطاب الهوية، خطاب التمييز بين “الظالم” و”أعوانه”، المفضي إلى التمايزات بين “نحن” باتت متعددة و”هم” تتسم بنفس التعددية؛ وإن كانت على الطرف المقابل. ربما حسمت بعض تعريفات “نحن” موقفها بصورة مطلقة في لحظة 30 يونيو 2012، بينما حسم البعض موقفهم في 30 يونيو 2013، وحسم آخرون موقفهم في 3 يوليو 2013، وحسم البعض موقفهم في 8 يوليو مع اقتراف القوات المسلحة “مذبحة الحرس الجمهوري”، اليوم تتبلور هذه المواقف في صورة تيارات، بعضها يريد التضحية والخلاص، وبعضهم قرر أن يبني ذاته المنسحقة أملا في تجنب مزيد من الانسحاق في “يوم معلوم” يغيب موعده، والبعض الثالث قرر التريث ريثما يعرف البعض ماذا يريد على وجه التحديد. وفي الطرف الآخر، وقف أصحاب السلطان الراهن في مربع الاستئصال، يخافون يوما تتقلب فيه إرادة رجل الشارع، فباتوا يجدون لتفريغ مصر من القيادات المحتملة، ويتركون المجال لمن يزايد على استقطاب بات معلوما من العقم السياسي بالضرورة. بين هذه المظلوميات جميعها، أتت مرثيات الرئيس الأسبق محمد مرسي رمزية متعددة المستويات والمسارات، ربح في صوغها من ربح، وفات القطار من لم يدبج بعد خطابا لائقا بتحديات الظرف[85].


الهامش

[1] https://twitter.com/MohammedMAHSOOB/status/1141990301902544897

[2] https://twitter.com/waiel65/status/1145659100136640512

[3] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1141796361035276289

[4] https://twitter.com/gamaleid/status/1140651320053043200

[5] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1141125466562211843

[6] قطب العربي، هل ماتت الثورة المصرية؟، شبكة الجزيرة، 3 يوليو 2019. http://bit.ly/2xw5KJ7

[7] قطب العربي، ماذا خسر المصريون بوفاة مرسي؟!، موقع “عربي 21″، 23 يونيو 2019. http://bit.ly/2KU64tK

[8] https://twitter.com/kotbelaraby/status/1143980243021156358

[9] https://twitter.com/amr_darrag/status/1142789557194305536

[10] https://twitter.com/waiel65/status/1140655690819788802

[11] https://twitter.com/waiel65/status/1140650180003409926

[12] https://twitter.com/essamheggy/status/1144012657344823298

[13] عصام حجي، د. محمد مرسي في ميزان العلم والأخلاق، شبكة الجزيرة، 26 يونيو 2019. http://bit.ly/2LBFS6R

[14] https://twitter.com/MorsiShaheed/status/1142377308361318401

[15] https://twitter.com/MeemMagazine/status/1142421806046994437

[16] علاء الأسواني، محمد مرسي كما رأيته (1)، موقع قناة “دويتشه فيله”، 2 يوليو 2019. http://bit.ly/2xzUyeh

[17] https://twitter.com/HatemAzzam/status/1140662743764230144

[18] https://twitter.com/RassdNewsN/status/1141240196324843520

[19] https://twitter.com/AhmedElbaqry/status/1141341647957110784

[20] https://twitter.com/AhmedElbaqry/status/1140786365786927106

[21] https://twitter.com/iumsonline/status/1141488632970338314

[22] https://twitter.com/waiel65/status/1140943264851419136

[23] https://twitter.com/asouda7/status/1144390319208894464

[24] https://twitter.com/TRTArabi/status/1141426673499422720

[25] https://twitter.com/ajmubasher/status/1140904564234870784

[26] https://twitter.com/qudsn/status/1144143323743100929

[27] https://twitter.com/IEzTSuwxTGaNAdw/status/1147189765688700928

[28] https://twitter.com/IEzTSuwxTGaNAdw/status/1147189765688700928

[29] https://twitter.com/aa_arabic/status/1142097342671327233

[30] https://twitter.com/mp3mp4Music/status/1143847618415607809

[31] https://twitter.com/Meshal_Alnami/status/1141023896940027906

[32] https://twitter.com/hureyaksa/status/1142934446238306306

[33] https://twitter.com/wassilaoulmi/status/1142286743347089408

[34] https://twitter.com/LoveLiberty/status/1141172571121041409

[35] https://twitter.com/MahranMahir/status/1140933118104342528

[36] https://twitter.com/ajmubasher/status/1141014460007682049

[37] https://twitter.com/dedew_dorar/status/1141338665139998722

[38] https://twitter.com/aa_arabic/status/1141672040086138882

[39] https://twitter.com/hsom67/status/1142098317935108096

[40] https://twitter.com/aa_arabic/status/1142135091738697728

[41] https://twitter.com/drzawba/status/1140750729210191872

[42] https://twitter.com/SaudiOlamaa/status/1140962814703603719

[43] https://twitter.com/A3lanTV/status/1141635577953030146

[44] https://twitter.com/Isalmnahaya/status/1141699311237046274

[45] https://twitter.com/Assaadtaha/status/1141389758368800773

[46] https://twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1140876968218357760

[47] https://twitter.com/drzawba/status/1141046132635832320

[48] https://twitter.com/ShehabAgency/status/1141323518778458115

[49] https://twitter.com/LoveLiberty/status/1141237906310336512

[50] https://twitter.com/maryam1001/status/1142726207999479808

[51] https://twitter.com/liliandaoud/status/1142772320727109633

[52] https://twitter.com/amr_darrag/status/1141089402246127616

[53] https://twitter.com/LoveLiberty/status/1142213515761074176

[54] أحمد صبري، محمد مرسي يتصدر الترند العالمي لتويتر قبل أقل من ساعة على خبر وفاته، صحيفة “المال” المصرية، 17 يونيو 2019.http://bit.ly/2FVV5f8

[55] https://twitter.com/Ebtesam777/status/1140732017627357185

[56] https://twitter.com/tcbestepe_ar/status/1140739248091475969

[57] https://twitter.com/moatazmatar/status/1145380800797519872

[58] https://twitter.com/osgaweesh/status/1144927987877470208

[59] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1140798421831421953

[60] https://twitter.com/gamaleid/status/1140995482421829633

[61] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1141345250235035648

[62] https://twitter.com/amr_darrag/status/1141393867645870080

[63] https://twitter.com/amr_darrag/status/1141085268839149569

[64] https://twitter.com/amr_darrag/status/1140989311611019265

[65] https://twitter.com/MorsiShaheed/status/1142377308361318401

[66] https://twitter.com/MorsiShaheed/status/1142064028388331520

[67] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1140674693843890177

[68] https://www.facebook.com/amr.darrag.9/posts/2237483992968062

[69] https://twitter.com/HatemAzzam/status/1140953847487180801

[70] https://twitter.com/MohammedMAHSOOB/status/1140652335183683584

[71] https://twitter.com/CIHRS_Alerts/status/1140658225383202817

[72] https://twitter.com/alaa/status/1141309551192526848

[73] https://www.facebook.com/norhanhifzy/posts/2317669044969633

[74] https://twitter.com/AhmedMefreh9/status/1142766146736840706

[75] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1141352200196841477

[76] https://twitter.com/CIHRS_Alerts/status/1141387432681705473

[77] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1141360702130655233

[78] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1140654469308436481

[79] https://twitter.com/Arabi21News/status/1141331043472928769

[80] https://twitter.com/amr_darrag/status/1141951743741300736

[81] https://twitter.com/amr_darrag/status/1141088635321761792

[82] https://twitter.com/BaheyHassan/status/1140699148456529920

[83] https://twitter.com/dw_arabic/status/1141058588783382529

[84] https://twitter.com/bitawqitMasr/status/1141688943844429824

[85] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

 

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى