رسالة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بمناسبة إعلان وقف إطلاق النار
نحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، يوافي عظيم نعمه وفضله وكرمه ولطفه ونصره، ونصلي ونسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله سيد المرسلين وقدوة المجاهدين المرابطين، أما بعد.
▪️ لقد عاشت غزة المجاهدة الصابرة على مدار 470 يومًا معركةً فاصلة من معارك المسلمين في تاريخهم الحديث، وهي معركة الأمة المستضعفة التي غفلت عن تاريخها وحضارتها ورسالتها، فجاء طوفان الأقصى يحيي الأمة من جديد، ويحشد أهل الحق لمدافعة طغيان الباطل، ويدفع العدوان عن المقدسات، ويستكمل مسيرة تحرير فلسطين، فبدأت الأمة تجني الثمرة، وستستمر الآثار الإيجابية للمعركة في استنهاض الأمة عاجلًا وآجلًا بإذن الله تعالى.
🔸 وفي هذا المقام نحمد الله أولًا أن حفظ مقاومتنا وشعبنا، وأيدنا بتأييده، ونصرنا بنصره، وأبدلنا من بعد الخوف أمنًا، ومن بعد النزوح والترحيل عودة، ففرحنا اليوم كرمٌ منه سبحانه، قال تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4، 5]، ثم نشكر المجاهدين بأنفسهم وأموالهم وبيوتهم وجهدهم ومبادراتهم، ونشكر أمهات المجاهدين وزوجاتهن اللواتي حملن مسؤوليات كبيرة، ونشكر الذين سهروا على الثغر الدعوي والتعليمي والأمني والطبي والإغاثي والخدمي، فالذين جاهدوا في هذه المعركة كثر، فكل الذين قدموا وضحوا وصبروا مجاهدون وإن تعددت مواقعهم وأدوارهم، ولا يلام إلا القاعد المتخاذل المحروم، الذي حرم نفسه من نيل الثواب والأجر، وحرم شعبه من المساندة والتراحم.
يا حملة الشريعة ودعاة الإسلام:
جزاكم الله خيرًا على أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر، وإقامتكم للجمعة والجماعات في ظل الحرب، وتقدمكم الناس مساندة لاحتياجهم، وتخفيفًا من معاناتهم، وتذكيرًا لهم بواجباتهم، وإطلاقًا للجولات الدعوية والزيارات الميدانية، وإقامتكم للمصليات وحلقات التحفيظ في مخيمات النزوح رغم القصف والشدائد، فقد قدمنا في القطاع الديني قائمةً طويلةً من الشهداء والجرحى والأسرى وشعبنا اليوم ينتظر منا مواصلة أدوارنا، واستكمال واجباتنا، وإقامة المزيد من المصليات، وتأهيل المساجد القائمة لاستقبال المصلين، وتحقيق أدوار المسجد في الدعوة وتعليم القرآن الكريم، والإجابة عن الأسئلة الفقهية للناس في شأن عبادتهم ومعاملتهم وأحوالهم الشخصية، فالمعركة خلَّفت جراحات غائرة، تتطلب منا أن نكون بلسمًا شافيًا لها، كما أحدثت اختلالات وانحرافات يجب العمل على تصويبها والاستدراك فيها، فواجبنا أن نقود الناس بالحق والشرع ونبين لهم ما عليهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة له، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].
ومن المضامين التي ينبغي العناية بها في الخطب والدروس والجولات والوسائل الدعوية المختلفة، ما يلي:
① تعلق القلوب بالله تعالى، ومقابلة نعمة النصر والفرح بالطاعة والعبادة والاستغفار والسجود والتكبير، والرضا عن أقدار الله تعالى، والاتعاظ بسننه في الاستخلاف والتدافع، وحفظ المؤمنين، وتوهين كيد الكافرين.
② تعظيم قدر صلاة الجماعة والجمعة، والعودة لإعمار المساجد، والعمل على إعادة بنائها وإعمارها ماديًا ومعنويًا، والانطلاق منها لإصلاح المجتمع.
③ مواساة الناس، والربط على قلوبهم، والتخفيف من معاناتهم، وتذكيرهم بعظم جزاء الصابرين الراضين، والدعوة لكفالة الأيتام، وإكرام ذوي الشهداء والأسرى، وإعانة الجرحى، وإعالة الأرامل وزوجات الشهداء.
④ الترشيد في مظاهر الفرح والابتهاج والانتصار، والتزام الضوابط الشرعية في المناشط الاحتفالية، وتجنب إطلاق النار في الهواء؛ لما فيه من هدرٍ للسلاح في غير وجهه، وتعريض الناس للأذى المادي والمعنوي.
⑤ رفع الروح المعنوية للمجاهدين، وحفظ أسرارهم، وتفقد أحوالهم، والذود عن أعراضهم، وإحسان الظن بهم، وشكرهم على ثباتهم، وإعانتهم بما يحتاجون، والدعاء لهم في ظهر الغيب، والوفاء لدماء إخوانهم الشهداء.
⑥ أخذ الحذر والاحتراس من غدر العدو، وعدم الركون للراحة والدعة، فالمعركة مع الاحتلال مستمرة، والعدو ينتظر كل لحظة للانقضاض على شعبنا ومقاومتنا.
⑦ تعزيز التكافل الاجتماعي بين الناس، والتعاون على البر والتقوى، وإعانة أصحاب الحاجات وما أكثرهم، وتجريم ابتزازهم واستغلال حاجاتهم، وأكل أموالهم بالباطل.
⑧ المساهمة في إطلاق المبادرات المجتمعية، وإسناد لجان الأحياء، ومشاريع الإغاثة والمساعدات، وتقديم نموذجٍ مشرقٍ في عدالة التوزيع، وموضوعية المعايير، والتجرد من الحظوظ والاستئثار.
⑨ إظهار القناعة والعفة في التعامل مع المساعدات، والأخذ على قدر الاحتياج، والصدق في المعطيات والمعلومات الخاصة بتوثيق الأضرار والتعويضات، والزهد في الاستكثار منها، وعدم التزاحم على الحطام الفاني، فالغني من يحتاج أقل لا من يملك أكثر.
⓪① توسيد الأمانات إلى الأكفاء، واختيار المؤهلين الصالحين للقيام بالمسؤوليات الحكومية والمجتمعية والإغاثية، وتعزيز الرقابة المجتمعية والرسمية على الأخطاء والتجاوزات، والدعوة للمحاسبة العادلة لمن ثبت إجرامهم وخيانتهم واستغلالهم حاجات الناس.
①① تعزيز فقه النصيحة؛ للهيئات والشخصيات والمبادرين والعاملين في المجالات المختلفة، والعمل على إصلاح الناس، ومعالجة أخطائهم وتقصيرهم بالحكمة والموعظة الحسنة، من غير تعييرٍ أو تلاومٍ.
②① حث الناس على حفظ المؤسسات العامة، وأملاك المجتمع، ورد المقدرات العامة التي عندهم، من أثاثٍ للمدارس والكليات والمستشفيات والبلديات والمؤسسات؛ ليتسنى استئناف عملها من جديد، ودعوة المؤسسات العامة لتنظيم آليات جمعها وتأمينها والانتفاع بها في الغرض المقصود منها.
③① الإحسان إلى الأهل والأقارب والجيران، وتعويضهم بعد الحرمان الذي عاشوه خلال الحرب، وتسوية الخلافات العائلية بالتراضي والرفق، والتسامح في شأن الحقوق.
④① تعزيز الوحدة بين أبناء الوطن الواحد، والاعتصام على القرآن والسنة، وبث فقه الاختلاف، وأدب التعامل مع المخالف، والحذر من التفرق والتنازع والخلاف، وتعزيز مبادرات الإصلاح بين المتخاصمين، ومساندة لجان الإصلاح في تفعيل عملها.
⑤① تحري الحلال في الأعمال والأقوال، والرجوع في المسائل النازلة المستجدة لأهل الشريعة من العلماء الأثبات، والمؤسسات الفقهية المرجعية في بلدنا.
⑥① الاهتمام بتحصين المجتمع من الجرائم والانحلال، وسد الثغرات التي يعمل الاحتلال على إحداثها، حيث يسعى جاهدًا لإسقاط الجيل، وإغراقه في وحل العمالة والإدمان والرذيلة.
⑦① نشر الإيجابية والأمل والفأل الحسن، وإحسان الظن بالآخرين، والتماس الأعذار للذين قصروا معنا أو أخطأوا في حقنا، وفتح باب العفو والاستدراك والتسامح.
⑧① التركيز على الإنتاج والإنجاز والعمل النافع، وعدم بث الإحباط واليأس، وترك الانشغال بالذين تخاذلوا أو قصروا.
⑨① العناية بنشر العلم الشرعي والتأهيل القيمي، واستدراك العملية التعليمية التي تعطلت معظم فترة الحرب، وخاصة أن المبادرات التعليمية التي نشأت خلال الحرب لم تهتم بمساق التربية الإسلامية.
⓪② الاهتمام بترسيخ فقه الأولويات، وواجبات المرحلة، والتركيز على الاحتياجات الأساسية في الإنفاق، والتقليل من الكماليات والنفقات التحسينية التي يمكن الاستغناء عنها.
🤲 سائلين الله تعالى أن يتقبل الشهداء، ويشفي الجرحى، ويعجل بفكاك أسرانا، وتحرير أقصانا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين
✍️ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
الأربعاء ١٥ رجب ١٤٤٦ هجري
الموافق ١٥ كانون ثاني ٢٠٢٥ ميلادي