رسالة تركية عاجلة لشيخ الأزهر ومفتي مصر: لا تفتريا على الله
إعداد ياقوت دندشي
وجه رئيس الشؤون الدينية التركي السابق، رئيس معهد التفكّر الإسلامي، البروفيسور محمد غورماز، رسالة عاجلة لكل من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ومفتي مصر شوقي علام.
جاء ذلك في رسالة مصورة نشرها غورماز، السبت، شدد فيها على “ضرورة التأثير على أصحاب القرار في مصر للتراجع عن قرار إعدام 12 عالما ومفكرا بعد فترة طويلة من المحاكمة والسجن بسبب الخلافات السياسية التي حدثت في مصر منذ عام 2013”.
وحذّر غورماز من أن “تنفيذ هذا الإعدام سيؤذي الأمّة الإسلامية جمعاء على الصعيد السياسي والديني، ويزيد الشقاق ويوسّع الخرق بين مكوّنات الشعب المصري المختلفة”، مؤكدا أن “من يفتي ويوقع هذا القرار سيسجَّل في التاريخ مفتي الدم والنار”.
وذكر أن “الحكم على هؤلاء العلماء والمفكرين بالإعدام بسبب الضغط السياسي، يتعارض أشدّ التعارض مع المبادئ الإسلامية الداعية إلى حُرمة دماء المسلمين ونفس الإنسان، وإلى احترام الفكر وحريّته، والحثّ على الإنصاف والحكم بالعدل حتى في حال الخصومة السياسية”.
وأعرب غورماز عن تقديره الظروف السياسية التي تمرّ بها مصر، معتبراً أنها “مدعاةٌ لإنهاء كل فتنةٍ داخلية تحاول النَيل من أمان المجتمع المصريّ والزجّ به في نير القلاقل الأهلية”.
ودعا غورماز “فضيلة المفتي (في مصر) الذي تمر أوراق الإعدام بين يديه، إلى مراجعة ذلك القرار والسعي إلى حقن دماء المسلمين بكل ما أوتيَ من قوةٍ ونفوذ”، مؤكداً أن “الأمّة الإسلامية لن تنسى أبداً جميل كلّ من وقف مع الحق ودرأَ الفتنة عن الشعوب المسلمة وبذل وسعه في جمع كلمة المسلمين ووحدتهم”.
وذكّر غورماز بـ”دَور الديار المصرية الشريفة منذ فجر الإسلام بوصفها منبعاً للعلماء ومأوى لطلبة العلم”.
وقال أيضا “لا ينكر مكانة الأزهر خاصةً ومصرَ عامةً في أمّة الإسلام إلا جاحدٌ”، مشددا على أن “هذه المكانة الكبيرة هي التي أورثت مصر مسؤوليةً كبيرةً فصارت قدوةً للعالم الإسلامي، ومحطّ أنظاره في العلم والعدل والتقوى والسلوك والحضارة والمدنية”.
وأضاف “لأجل كلّ ما سبق راعنا ما تواتر من أخبار بالحكم على 12 عالماً ومفكراً من مفكري مصر بالإعدام، بعد فترةٍ طويلةٍ من المحاكمة والسجن”.
وتوجّه غورماز إلى شيخ الأزهر ومفتي مصر، قائلاً “حسب عقيدة الإسلام، المفتيّ هو خليفة النبي في أداء وظيفة البيان، والمفتي هو موقّعٌ عن الله، ليس موقّعاً عن السياسة والحكومة والسلطة، فمن أقدم على الفتوى بمجرّد الخرس وما يغلب على الظن فهو آثمٌ وعمله محرّم، فهو قولٌ وفريةٌ على الله وعلى رسوله بغير علم، وهو يتحمّل إصرَ من أفتاه”.
وختم غورماز بالآية الكريمة من سورة الأنبياء “وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ”.
وكانت محكمة النقض المصرية أيّدت الإثنين 20 حزيران/يونيو 2021، أحكام الإعدام بحق 12 شخصا، فيما خففت العقوبة بحق 32 آخرين إلى السجن المؤبّد (25 عامًا)، وقضت بانقضاء الدعوى بحق الراحل عصام العريان الذي توفّي في السجن في آب/أغسطس 2020.
وجاءت هذه الأحكام بعد محاكمةٍ جماعية لـ 739 متّهماً على خلفية مشاركتهم في اعتصامات مُناهِضة للانقلاب في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة في تموز/يوليو وآب/أغسطس 2013 في القضية المعروفة بـ”فض اعتصام رابعة” الذي شارك فيه أنصار الرئيس المصري الراحل محمد مرسي اعتراضاً على الانقلاب عليه، وقد أسفرت عملية الفض عن سقوط آلاف الضحايا.
وكان فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية قد علّق على هذه الأنباء قائلاً إن “هذه الأحكام القاسية بالإعدام التي أُصدرت عام 2018 بعد محاكمة جماعية فادحة الجَور، تُعَدُّ وصمةً تُلطِخ سمعة أرفع محاكم مصر”، مطالباً السلطات المصرية بـ”إصدار أمرٍ رسميّ بوقف تنفيذها وإعادة محاكمة هؤلاء المحتجّين الذين أُدينوا بارتكاب جرائم تتّسم بالعنف، في إطار محاكماتٍ عادلةٍ ومحايدة، دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام”.
من جانبها، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية، السبت 26 حزيران/يونيو 2021، السلطات المصرية إلى “تخفيف أحكام الإعدام بحق 12 مُدانًا بينهم قياديون بجماعة الإخوان المسلمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ(فض اعتصام رابعة)، أبرزهم محمد البلتاجي وعبد الرحمن البر والوزير السابق أسامة ياسين”.
وفي بيانٍ نُقل عن جو ستورك نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دعت المنظمة الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي إلى “تخفيف عقوبات الإعدام فورًا”.
وقالت إنه “يتعيّن على مصر لكي تمضي قدمًا وقفُ أي إعدامات أخرى على الفور”.
وفي السياق ذاته، دعا ناشطون سياسيون وحقوقيون من مصر والعالم، ومنظماتٌ دولية، إلى “مطالبة الحكومة المصرية بوقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة مؤخرًا بحق عددٍ من السياسيين المصريين”.
وأعرب الموقعون على الرسالة عن أسفهم الشديد لأن السلطات المصرية حوّلت منذ صيف 2013 الآليات القضائية إلى منظومة قمع متكاملة أصدرت عدداً غير مسبوق من أحكام الإعدام بحق معارضيها ونفّذت العشرات منها”.
وأكد الموقّعون أن “أحكام الإعدام هذه تمثل انتهاكًا واضحًا للمواثيق الدولية وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث صدرت معظم هذه الأحكام بعد محاكمات تفتقر إلى أبسط معايير العدالة أمام محاكم خاصة أنشأتها السلطات المصرية لملاحقة كل معارضيها أو ناشطي المجتمع المدني”.
وشددوا على أن “ممارسات سلطة عبد الفتاح السيسي خالفت كلّ الوعود التي قطعها أمام الاتحاد الأوروبي ضمن إعلان التعاون المصري-الأوروبي عندما أكد على احترامه لحقوق الإنسان والاتفاقات ذات الصلة”.
وشددوا أنه “ما كان للنظام المصري أن يستمر في إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها لولا الصمت الأوروبي، بل وزيادة التعاون مع نظام السيسي وزيارة القادة الأوروبيين لمصر واستقباله في باريس 2020 و2021 وتقليده أرفع الأوسمة”.
من الموقعين على الرسالة، محمد محسوب درويش وزير مصري سابق وأستاذ قانون، أيمن نور رئيس حزب غد الثورة، بهي الدين حسن مدافع مصري عن حقوق الإنسان، محمد الفقي رئيس منتدى البرلمانيين المصريين من أجل الحرية.
ومن بين المنظمات الموقعة على الرسالة، التجمّع الفرنسي للدفاع عن الديمقراطية في مصر، جمعية العدل وحقوق بلا حدود، الجمعية النسائية لحقوق الإنسان، المصريون في الخارج من أجل الديمقراطية في اليابان، الجالية المصرية بجنوب إفريقيا.
هذا وكانت 31 منظمة وجمعية إسلامية قد رأت “في تأييد قرار الإعدام هذا نذيرَ شؤم وأنّ الإقدام على تنفيذه سيكون الحماقة الكبرى والجريمة العظمى التي ستفتح الأبواب على مصراعيها لما لا تُحمد عقباه”.
جاء ذلك في بيان مشترك صدر عن تلك المنظمات والجمعيات، عبّرت فيه عن غضبها واستنكارها الأحكام المُسبقة التي أصدرها القضاء المصريّ، بإعدام 12 من علماء وقيادات العمل الإسلاميّ، والحكم بالسّجن المؤبّد على عشرات آخرين. وطالبت المنظمات بـ”إلغاء هذه الأحكام الجائرة على الفور”، محذّرة من أن بقاءها “قد يفجّر الأوضاع وينتج أفعالًا لا يمكن لأحد السيطرة عليها”.
ومن أبرز الجمعيات والمنظمات الإسلامية الموقعة على البيان، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء أهل السنة، وهيئة علماء فلسطين، ودار الإفتاء الليبية، وهيئة علماء اليمن، واتحاد العلماء والمدارس الشرعية في تركيا، وجمعية الاتحاد الإسلامي في لبنان.
(المصدر: وكالة أنباء تركيا)