
رسالة بشأن مطالب وقف الحرب
د. عبد الهادي سعيد الأغا
٠ إلى العلماء والقادة وجميع أبناء شعبنا:
من وسط أوجاع النزوح.. نريد وقف الحرب، فكيف السبيل؟!!
كثرت الدعوات من بعض العلماء والشخصيات العامة تنادي بوقف الحرب!! وهذا هو مطلب كل أبناء شعبنا في الداخل والخارج، ولكن ما السبيل لإيقافها؟
فالحرب ليست معشوقة أحدٍ كي يستمتع بها، وليست سهـرة عرس کي نُطفئ أنوارها، فلا يوجد أحد من شعبنا يريدها…
كيف لا وهي أول ما تأكل تأكل قادتها، وهذا الذي رأيناه، فقد أكلت القادة وأبناءهم ونساءهم وإخوانهم وجيرانهم وامتدت لكل من يقف معهم، وهكذا كل أبناء شعبنا وكلهم أبطال هذه المعركة…
وقد أخبرنا القرآن أن الله كتب علينا القتال وهو كرهٌ لنا، فقال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) [البقرة: 216]، فكُرهُ الحرب حالة فطرية عند أصحاب الفطر السوية، وكيف السبيل للخروج من معركة مفروضة عليك لا اختيار لك فيها…
فالحقيقة أنها عدوانٌ ظالمٌ من محتلٍ غاشمٍ بدأ منذ 77 عاماً وقد قتل منا قبل هذه المعركة منذ اغتصابه لأرضنا أكثر من 150 ألف نفس بريئة، في معركة مفتوحةٍ تستهدف أرضنا وقدسنا وشعبها، إنهم يريدون إفراغ فلسطين من أهلها، وإعلان تهويدها، وهدم أقصانا وإقامة هيكلهم، وتحقيق هذا فقط دون مقاومة منا، هو الذي يمكن أن يوقف قتلهم لنا وحربهم علينا.
وإذا توقفنا أمام هذه الحرب الطاحنة، فإن وقف الحرب هو الشرط الثابت لقيادة المقاومة في كل جولات تفاوضها، والاحتلال هو الذي يرفض أن يلتزم بوقف الحرب أو العدوان بتعبير أدق.
فما الذي يقصده من يطالب اليوم بوقف الحرب، بسبب كثرة القتل والجراح والنزوح وغيره؟!!
ألم تعقد المقاومة اتفاقاً برعاية دولية وعربية لوقف الحرب عبر ثلاثة مراحل من الوقف المؤقت الذي يفضي إلى الوقف الدائم، فمن الذي نكث عهده، وغدر وقتل 400 نفس في ليلة الغدر الشهيرة يوم 18 مارس؟!! .
فالمقاومة وافقت والتزمت بوقف الحرب، ولكن العدو يريدها إبادة مستمرة.
🔻 وأما السبيل لوقفها بالطريقة التي يريدوها عدونا، فمعروفة وهي:
– أن تستسلم وتُسلم سلاحك وتركع صاغرًا لعدوك وغاصب أرضك، ولكنك لن تسلم، وسندفع جميعًا أثماناً مضاعفة من أرواحنا وأرضنا، وسينتهي وجودنا في فلسطين كلها بما في ذلك الضفة وعرب الداخل، والعدو لا يُخفي هذه النية، فهو يُريد أن يُقيم إسرائيل الكبرى على أرضٍ يهودية، وقد أخبرنا الله عن صنيع عدونا إن ألقينا سلاحنا، فقال تعالى: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً)[النساء: 102]،
ستكون واحدة قاضية علينا، ومُنهية لوجودنا على أرضنا، وستكون عندها معاناتنا الحالية لا تذكر أمام الفظاعات التي سيرتكبها العدو في ميلته القاضية، ولن يسلم عندها لنا عرضٌ، ولا أرضٌ، ولا نفسٌ، ولا دينٌ؛ لأنهم لن يتركونا حتى يردوننا عن ديننا، وقد أخبرنا الله بذلك فقال: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[البقرة: 217].
وهل أخطأ أجدادنا وآباؤنا وهم يقدمون أرواحهم دفاعاً عن دينهم ووطنهم؟!! أم أن أرواحنا أغلى من أرواحهم؟؟ ودماءهم أرخص من دمائنا؟!! أم أن الموت الذي بدأ يطوف حولنا جعلنا نُغير مواقفنا، وقد أخبرنا الله عن ذلك، فقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [البقرة: 144-145].
فهل لو عجلَّ الله نصرنا في هذه المعركة ستكون مواقفنا كما هي اليوم؟! أم أننا سنتحدث بلغةٍ أخرى؟!
إنه هو الله الذي بيده النصر (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ)[الأنفال: 10]، ينزله وقتما يشاء وهو العزيز الرحيم، ولكن الصادقين لا تتغير مواقفهم إن عجل الله نصره أو أجله، فالأمر أمره والخلق خلقه، قال تعالى: ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الأحزاب: 23].
٠ أيها العلماء والقادة والأصدقاء:
هذه قضيتنا العادلة، وحقنا لا لبس فيه، وهذه معركة من أوضح المعارك بين الحق والباطل ولا لبس فيها، ليحيى من حيَّ عن بينه، ويهلك من هلك عن بينة، والله غالب على أمره، وهو بالغ أمره، وناصر عباده أهل الحق بإذنه تعالى قريبًا، ولن يزيدنا إجرام العدو وفظاعاته إلاّ إيماناً وتسليماً، وهو تحقيقٌ لقوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)[الأحزاب: 23].
وإن كل ما أصابنا من هدمٍ وقتلٍ وجرحٍ ونزوحٍ ليس بسبب مقاومتنا، وإنما بسبب ترك الأمة لفريضة الجهاد الذي يحمي الدين والأنفس والديار، ولنقرأ قول الله : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40].
السبيل الوحيد لوقف الحرب هو الاستغاثة بالله، ومواصلة الجهاد والكفاح، وأن نعض على الآلام والجراح، وأن لا نصرخ أولاً، فالعدو يوشك أن يصرخ، فقد صبرنا قرناً ولن ننطق ذلاً ولا كفراً، والنصر صبر ساعة (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[يوسف:110]، (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[ البقرة: 250] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم
د. عبد الهادي سعيد الأغا
وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
إقرأ أيضا :نداء نشطاء من غزة لليوم العالمي من أجل غزة