رسالة الى علماء الأمة في منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة
بقلم د. ابراهيم الديب – رئيس مركز هويتي لدراسات القيم و الهوية.
في سياق ما تعانيه الأمة من تحديات ومشاكل داخلية تعيق حركتها ونموها وتطورها، وأخرى خارجية تحاصر قدرتها على الفعل والإنجاز لخدمة مصالح الإسلام والمسلمين، في هذه المحطة التاريخية من عمر الأمة، أتقدم لحضراتكم علماء ومفكري الأمة الإسلامية، ومراكز البحوث والدراسات المتخصصة في جوانب العلوم والمعارف الإنسانية والكونية كافة، ورؤساء ومديري المؤسسات الإسلامية المحلية والإقليمية منها والعالمية بهذه التحديات العشر التى أراها في مقدمة سُلّم اهتمامنا وأولوياتنا في المرحلة المقبلة من عمر الأمة؛ بهدف المساعدة في ضبط وترشيد وتفعيل الجهود المخلصة التي يقوم بها الجميع أفرادًا ومؤسسات وبخاصة أننا نعيش عالمًا مختلفًا عن كل ما سبقه من الحقب التاريخية التي مرت على الإنسانية كلها، عالمًا من أهم قوانينه حكمة المعرفة والمؤسسية والاحتراف والاستراتيجية والتحالفات.
وقد اجتهدت في جمع وتنظيم هذه التحديات؛ لأضعها بين عقولكم وأيديكم المباركة أمانة للتاريخ وللأجيال القادمة التى تسعي لعمل شيء جاد وفاعل لإعادة إحياء هذه الأمة المباركة:
- عدم وجود خريطة متفق عليها للمشاكل الكبرى للعالم الإسلامي، وترتيب أولوياتها من حيث الأهمية وأولوية الحاجة إلى التناول، ومن ثم إمكانية توزيع المهام والأدوار بين الدول والمؤسسات المختلفة وبين المراحل الزمنية التالية؛ لتحمل مسؤولية مواجهة وعلاج هذه المشاكل.
- ضعف أثر وفاعلية المؤسسات الإسلامية الكبرى في مواجهة التحديات الكبرى للأمة، مقارنة بالأهداف المأمولة منها من ناحية، وبقدر ما تمتلكه من موارد وقدرات من ناحية، بفعل وقوعها تحت قبضة وتأثير السياسات الخاصة بالدول الإقليمية، ومن ثم يبقى التحدي الكبير هو كيفية تحريرها من قبضة الدول المسيطرة عليها ، لتمكينها من المواجهة والتصدي لقضايا الإسلام الحقيقية بحرية وطلاقة.
- مشكلة التنظيمات الإسلامية المتعددة الأفكار والبوصل والرايات، في ظل غياب مرجعية عليا حاكمة للفكر الاسلامي المعاصر ، يمكن أن تمارس مهمة المرجعية المعيارية الحاكمة والمنظمة لضبط وترشيد وتوجيه أفكار ومناهج وبوصل هذه التنظيمات، وبخاصة بعدما تكشف للعيان بعد محاولاتها وتجاربها في سوريا وأفغانستان والجزائر والسودان ومصر…إلخ، من ضعف إمكانياتها وقدراتها حتى الآن على تفهم مشاكل الأمة وتقديم الحلول الناجعة لها؛ لتكون بذلك جزءًا من الحل، ولتتحول مجريات الأحداث عبر العقود الثلاثة الأخيرة؛ لنكتشف حقيقة المشهد، كونها تمثل جزءًا كبيرًا من الأزمة.
- الاتساع المتزايد للفجوة العلمية والحضارية بين الدول العربية والإسلامية والدول الغربية والأسيوية المتقدمة، وليبقى السؤال مطروحًا وبقوة عن كيفية التطور العلمي والحضاري وسد هذه الفجوة العلمية بين الأمة العربية والإسلامية والعالم المتقدم
- غياب الرؤية والمسار الاستراتيجي لرأس المال الخيري العربي والإسلامي المؤسس استراتيجيًّا وفق المقاصد العليا للدين من ناحية، وأولويات التحديات التي تواجهها الأمة والإنسانية من ناحية أخري ، حتى أنك لا تجد أثرًا للمليارات التي تنفق سنويًّا، لأي إنتاج علمي أو صناعات أو تنمية ما مقارنة بحجم ما ينفق، وربما يهدر سنويًّا، وما تحتاجه الكثير من المشاريع العلمية والإنتاجية الحقيقية المحنطة بلأدراج؛ نتيجة عدم وجود تمويل لها، ومن ثم مطلوب إعادة توجيه بوصلة وسياسات رأس المال الخيري العربي والإسلامي تجاه تنمية ونهضة الأمة، نحو توطين وتمكين البحث العلمي والتكنولوجي وتنمية القدرات البشرية، وبناء صناعات صلبة كبيرة ترفع الفقر والتخلف عن الأمة العربية والإسلامية والإنسانية جميعًا، مشاركة مع بقية أمم الأرض.
- اتساع الفجوة بين النظرية والتطبيق، حيث أصبح العرب والمسلمون يمتلكون كمًّا كبيرًا من المعرفة التراثية، بالإضافة إلى ما يتم إعادة إنتاجه باستمرار من رسائل علمية في مجال العلوم الإنسانية تضم إلى سابقتها على أرفف المكتبات، ما أصبح يمثل عشرات أضعاف ما لدى غير العرب والمسلمين، ولكنها لا تطبق، ولا يستفاد منها، فلا أثر لها في حل مشاكل الواقع، أو تطويره، ربما لعدم صلاحيتها للواقع المعاصر؛ لخلل ما في منهجية اختيار الموضوعات وفلسفتها ومنهاجها العلمي، وربما لغياب المقدرة على ترجمتها إلي مشاريع عمل، وربما لغياب الممول المغامر القادر على المساهمة في إنتاج حقيقي جديد.
- الفقر الشديد في النقل والإنتاج المعرفي في مجال العلوم التطبيقية، في مقابل التسارع المستمر في اتساع الفجوة مع العالم المتقدم، بين عالم يعيش ويتحدث عن الماضي، وعالم يسارع الخطى نحو المستقبل.
- الانفصام النكد بين المُفَكِّر والمخطِّط والمنفِّذ ورجال المال والأعمال، فالأربعة يسيرون في أربعة مسارات منفصلة ومتقاطعة أحيانًا، بحسب توجهات السوق العالمي والمصالح الفردية الخاصة على حساب المصالح الوطنية العليا بفعل غياب الفكر الاستراتيجي الجامع الشامل لقضايا العرب والمسلمين.
- الفرقة وغياب التنسيق والتعاون بين الأمة العربية الغارقة في التخلف وبين الأجزاء اليقظة من الأمة الإسلامية من الدول الصاعدة الإسلامية في آسيا، ومن ثم الحاجة إلى إعداد سؤال وملف جديد بعنوان: ماذا يمكن أن تقدم الدول الأسيوية الإسلامية المتقدمة لدول المنطقة العربية في محنتها الحالية مع مشاكلها الحضارية المختلفة وتحدياتها والمخاطر المحيطة بها؛ كونها قلب العالم الاسلامي ومحل قيادته الروحية الجامعة؟
- الانفصام الغريب بين المسلمين في الغرب وأمريكا وبين قضايا الإسلام الأساسية الكبرى، وكأنهم لا ينتمون عقائديًّا وروحيًّا وفكريًّا لهذه الأمة، ومن ثم كيفية تفعيل المسلمين الأوربيين والأمريكيين الأصليين، وكذلك المسلمين المهاجرين إلى الغرب؛ لخدمة قضايا الإسلام والمسلمين عبر استراتيجية واضحة ومحددة الغايات والأهداف، متنوعة الوسائل بحسب طبيعة كل منطقة ودولة وظروفها.
المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.