
رسالة إلى السادة الموظفين العلماء!
(١)
بقلم د. أسامة الأشقر ( خاص بالمنتدى)
1. يبتدئ التضليل عند دوائر الفتوى الوظيفية بالتشكيك في المسلّمات الشرعيّة التي نؤمن بها ممّا تلقّيناه من مصادر التشريع وأئمته الكبار، ويفتتحون لنا التضليل بمنطق منهجيّ بأنّ ثمّة حكماً شرعيّاً، ومناطاً للحكم، وتحقيقاً لهذا المناط، ثم يحتالون بالقول إن الحكم مبثوث في بطون الكتب، ويتجاهلون الإشارة إليه وبيانه، ثم يشغلونك بالمناط وتحقيق المناط، ويقولون إن فهم ذلك صعبٌ جدّاً لا يفقهه إلا أهل الحكم والولاية، وهم أصحاب الشأن وحدهم دون غيرهم، ويتكلمون باسم الحكومة في شأن سياسيّ لا يفقهون فيه إلا ما ظهر على السطح لهم مما لقّنتهم إيّاه أبواق الحكومة وإعلامها ومكاتب الظلّ فيها.
2. أكثر هذه الدوائر الوظيفية لا يفرّقون بين المتغيرات السياسية المؤقتة وظروفها، والثوابت السياسية المستقرّة التي يمكن المناورة حولها وليس بها أو عليها؛ ولا يعرفون أنهم يعطّلون الأحكام الشرعية الثابتة بدعوى تعذّر تنزيلها بسبب ظروفها المؤقتة؛ وأكثر دوائر الفتوى هذه من أشد الناس سذاجة في السياسة وتدابيرها وتراتيبها، ولا يفهمون منها إلا الطاعة للسلّم الوظيفي؛ ولا يعرفون أن السياسة علمٌ كبير وخطير له أكاديمياته وأساتذته وخبراؤه، وهم ليسوا بالضرورة سلطة متنفذة آتية بالتغلّب أو الوراثة أو الاستقطاب.
3. لا تجيبنا دوائر الفتوى الوظيفيّة هذه عن إشكالية الجمع بين طاعة قرار السيّد المتنفّذ على قرار الدولة من جهة، وبين توجّهات هذا السيد المتنفّذ وارتباطاته وارتهان قراره السياديّ للعدوّ وحلفائه في مسألة منع النصرة المؤثّرة، فكيف نطيع حاكماً مغلوباً على أمره السياديّ وقراره الاستراتيجي في واجبٍ شرعيّ كلّي يريد نقضه وإزالة العمل به!
4. واجب الفتوى في هذه الظروف الصعبة أن تتوجّه إلى الحكام العاجزين والغائبين والدول اللاهية والمتجاهلة والمتواطئة كما توّجهونها إلى الأفراد والأعيان والأحزاب المغلوب على أمرها، والعجيب أنّكم توجبون على شعوبكم العجز وهم ليسوا بعاجزين، والأمر كلّه في حقيقته يتعلق عندكم بتقديرات مرجعيّاتكم الموهومة أو الجبانة أو المرتبطة.
5. أهل الثغر مُستضعَفون الآن ويُقتلون، وهم يبادون الآن لأنّهم مصرّون على حقوقهم التي أمرهم الله بالدفاع عنها وصيانتها، وليس ثمّة وقت مستقطَع في هذه الإبادة، وليس عندنا ترف الانتظار، بينما جيرانهم الأقربون والقريبون لا يقومون بأيّ أمر ذي بال رغم وجوب النصرة عليهم كما تقرّر لديهم في مصادر الفتوى ومراجعها المعتبرة، ولكن دوائر الفتوى الوظيفية تشتغل على خط التثبيط، ولم تعمل يوماً في خط التثبيت.
6. إذا كنتَ غير قادر على القتال أو النصرة أو تعذّر عليك ذلك، فاعترِف بما أنتَ عليه سرّاً أو جهراً، وصارِح ذوي الشأن والرأي المستقلين الأمناء بعجزك، وهم سيقررون إذا كان ادّعاؤك هذا حقّاً أو مداراة والتفافاً.
7. ومهما كان الأمر فيجب على دوائر الفتوى أن تفتح باب الاجتهاد في إمكانات النصرة التي لا تنتهي أشكالها وأساليب الإمداد والإسناد فيها، وإيّاها أن تتورّط في تخذيل الناس ومنعهم من أداء ما يجب عليهم.
8. وأما الحدود والدولة القطريّة فإنها لم تكن يوماً في التشريع مانعاً من موانع النصرة أيها العلماء، وإنما هي شأن إداريّ تنظيميّ بحت يُحترَم ويُلتزم به في غير معصية الله.
9. واستقرار البلدان ليس شأناً تكتيكياً بل هو شأن استراتيجيّ، وزعزعة الاستقرار تكون بترك هذا الكيان على حاله وتمكينه ومسالمته، ومن المعلوم لدى حكوماتنا في أدبيات الأمن القومي والوطني أن هذا الكيان عدوّ استراتيجيّ لكنهم منذ سبعين عاماً يتعاملون معه على أنه خصم سياسي يمكن التفاهم معه.
10. شفقتكم الزائدة ودموعكم الزائفة علينا لن تنطلي على الناس، وكان بإمكانكم على الأقلّ أن تدعو الدول للاجتماع على كلمة سواء وردع العدو وتخويفه وتهديده ولو بالضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية… ولكنكم لم تفعلوا ذلك أبداً.
11. وأمّا اجتهادكم في البحث عمّا يثبّط الناس، وتردادكم للتحليلات الفاسدة غير الموضوعيّة، وتبريركم لسقوط مواقف حكوماتكم فهذا من الخذلان المبين الذي ستحاسبون عليه عند رب العالمين، وأخشى أن يسلّط ربّنا سبحانه الناسَ عليكم يوماً ليحاسبوكم ويؤدبوكم كما رأيتم من قبل.
12. ولا يجوز لكم أن تصفوا حكوماتكم بغير ما هي عليه، فالمواقف والأحكام تؤخذ من ألسنة الأفعال لا ألسنة الأقوال أيها السادة العلماء.
13. ودعوى عدم التوازن في القوّة من التضليل فلطالما كانت معارك الإسلام الأولى من غير توازن، وكان النصر حليفهم مصحوبين بمعيّة الله وتوفيقه لعباده، ونعلم أن الله لا يكلف نفساً فوق وسعها، ونعلم أيضاً أنه أمرنا بإعداد ما نستطيع، وقد أعددنا فائق القوة التي استطعناها وحققنا الكثير حقاً وثبتنا ثباتاً عظيماً، وكان ينقصنا أن تكونوا معنا، لكننا عجزنا عن استدعائكم منذ عقود طويلة رغم وجوب ذلك عليكم، ولو أردتم النصرة حقّاً لأعددتم لها عدّتها، بل كان بعضكم ممن ناصبَنا العداء جهارة وكأننا العدو دون أولئك الأوغاد، فاتقوا الله أيها المفتون، وكونوا لله فيما تعلمون!
إقرأ أيضا:بيان علماء من الأمّة حول الإبادة الصهيونيّة المستمرّة والمتصاعدة في قطاع غزّة