رسالة إلى الإسلاميين في تركيا ممن لم ينتخبوا أردوغان
بقلم أ. محمد إلهامي (خاص بالمنتدى)
أكتبها بالعربية، وأعلم أن ثمة من سينهض لترجمتها إلى التركية، وكثير من إخواننا الأتراك الإسلاميين يعرف العربية أيضا.
قال الله تعالى {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}
وقال تعالى {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}
وقال رسول الله ﷺ “لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية”
هذه رسالة إليكم من أخيكم مرَّ بنفس هذه التجربة قبلكم، وقد قيل: اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر، ضلَّ قومٌ ليسوا يدرون الخبر.
وهو تاريخ قريب ليس بعيدا..
في مصر، ضاق بعض الإسلاميين ذرعا بالرئيس محمد مرسي لأنه لم يحارب الفساد ولم يطبق الشريعة بالسرعة التي يرغبون فيها، وبعضهم ضاق به لأنه لم يتول المناصب التي يرغب فيها، وبعضهم وقعت عليه مظالم حقيقية لم يكن مرسي قادرا على رفعها،
وهناك أخطاء أيضا لدى الرئيس مرسي -سواء كان معذورا فيها أو لا-
وهذا ما استثمره عبد الفتاح السيسي فأقنع بعض هؤلاء الإسلاميين أنه أكثر حرصا على الدين والشريعة من مرسي، وأن بقاء مرسي في الحكم هو تشويه للدين، وأن إسقاطه ضروري لحماية سمعة الإسلام ولكي لا يكره الناس الدين،
وأنه هو (عبد الفتاح السيسي) أحرص على الدين والإسلام من مرسي.
ولهذا اتخذ هؤلاء الإسلاميون قرار الوقوف إلى جوار السيسي في لحظة فارقة، والآن لا يطلب أحدهم أكثر من البقاء حيا خارج السجن، وأن يحتفظ بوظيفته التي هو فيها فلا يفقدها!
وفي السودان أيضا، وقعت الخيانة الأساسية من بعض الإسلاميين في السودان الذين كانوا ساخطين على عمر البشير، ولم يكن البشير خاليا من الأخطاء والمشكلات، ولكنه كان على دين، وقد بذل كثيرا جدا من المساعدة لحركات المقاومة في فلسطين،
وكانت السودان ملجأ للهاربين من جحيم السيسي في مصر وجحيم بشار في سوريا..
ولكن هؤلاء الإسلاميين ساهموا في هذا الانقلاب العسكري على البشير، وجاؤوا بالشيوعيين الذين زادت في عهدهم كل مشكلات السودان وازدادت انهيارا في الاقتصاد، وازدادت في معدلات الفساد،
وأصبحت السودان مسرحا للنفوذ الأجنبي، وصار ذهب السودان نهبا لروسيا والإمارات وغيرهما، وفوق كل ذلك أغلقوا الجمعيات الخيرية ومراكز تحفيظ القرآن وكثيرا من الكليات الشرعية وأمور أخرى كثيرة، وفتحوا العلاقات مع إسرائيل، وأغلقوا المؤسسات الداعمة لفلسطين،
وأسقطوا الجنسية عن الفلسطينيين الذين حصلوا عليها في عهد عمر البشير.
إخواني في تركيا..
العاقل لا يستجير من الرمضاء بالنار، والعاقل لا يهرب من الثعلب ليلقي بنفسه في أنياب الأسد..
ومهما كانت مشكلات أردوغان التي ترونها أو التي يضخمها لكم الأعداء، فأنتم تعرفون جيدا أن كمال كليتشيدار أوغلو ليس هو البديل الأفضل. لا في الدنيا ولا في الدين.
وتذكروا كيف كانت تركيا قبل عشرين سنة.. إن الإنسان الذي فقد الذاكرة لا يستطيع أن يتخذ قرارا سليما.. والأمة التي فقدت الذاكرة لا تستطيع أيضا.
لا تقولوا: لدينا ديمقراطية نستطيع بها تغيير كمال كليتشيدار أوغلو إذا لم يفعل شيئا. قد قالها قوم من قبلكم فأصبحوا بها خاسرين!!
في مصر كانوا يظنون أن السيسي سيترك السلطة، وكانوا يقولون “ميدان التحرير موجود”، وفي السودان كانوا يظنون أن البلد ستذهب إلى انتخابات مضمونة النتائج لهم، وظلوا ينتظرونها ويمنون أنفسهم الأماني ويشاهدون ضياع البلد، حتى وصلوا إلى هذه المرحلة.
إذا ذهب أردوغان فلن تكون عندكم ديمقراطية.
الديمقراطية التي كانت عندكم كانت ظرفا دوليا، وكانت ديمقراطية زائفة.. كان الغرب متصارعا مع الاتحاد السوفيتي وكان يريد أن تكون تركيا جزءا منه، لهذا فرض عليها نظاما ديمقراطيا فيه انتخابات وتداول للسلطة، ولكن إذا جاءت الانتخابات بما لا يشتهي الغرب تحرك الجيش ليصنع انقلابا عسكريا
من جديد، وليعيد تنظيم السلطة السياسية بحيث لا تتكرر هذه النتيجة.. كان الجيش يتراجع إلى الخلف لأن المطلوب من تركيا أن تكون تابعة للغرب في نظامها.
نحن في العالم العربي لم يكن الغرب محتاجا إلى هذا، فكان يؤيد الديكتاتورية البشعة بكل وضوح وبغير تردد..
الآن ضاع الاتحاد السوفيتي، ولم يعد الغرب يحتاج إلى تركيا.. إذا سقط أردوغان الآن فقد سقطت معه الديمقراطية.
قد يظن البعض منكم أن الشعب التركي مختلف عن الشعوب العربية.. هذا غير صحيح، وليتكم تكتشفوا هذا قبل فوات الأوان..
فنحن في العالم العربي أيضا كان شعب كل بلد يظن أنه صاحب تجربة فريدة، مع أن المصائر كلها باتت واحدة.
العرب يحسدونكم على وجود نظام ديمقراطي وعلى وجود قائد مثل أردوغان.. وهم يتعجبون أشد التعجب كيف لقائد صنع كل هذا لشعبه أن يدخل جولة إعادة.. لو ترشح أردوغان في بلد عربي لاكتسح الجميع.
ولكن للأسف ليس عندنا ديمقراطية كالتي عندكم! فلا تبدلوا نعمة الله كفرا.
واعلموا أن اختياركم ليس مؤثرا عليكم وحدكم.. بل هو مؤثر على الأمة كلها.. لو استطاع كمال كليتشيدار اوغلو وأنصاره أن يتمكنوا من الدولة فلن يكون الضرر خاصا بكم،
بل سيكون خاصا بكثير من المسلمين في بلاد كثيرة منها فلسطين وليبيا وقطر وأذربيجان وغيرها، ومنهم المسلمون في تركستان الشرقية وفي بورما بل والأقليات المسلمة في أوروبا وأمريكا.
وهذه المسؤولية العظيمة سوف تُسأل عنها أمام الله.. ولا يمكن أن تقارن بالمشكلات التي تراها في أردوغان.
وإلى الذين يقولون إن الديمقراطية كفر وممارسة الانتخابات شرك، أقول: حتى كبار علماء السلفيين مثل الشيخ ابن باز وابن عثيمين أفتوا بأن ينتخب المسلمون حتى لو بلاد غير إسلامية من يكون حكمه أحسن للمسلمين من غيره، لأن ترك الانتخابات في هذه الحالة هو مساعدة في تثبيت الشر، فالترك فعل،
وعدم النهي عن المنكر هو فعل للمنكر، وترك الأمر بالمعروف هو فعل للمنكر. قال تعالى {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون}، وقال تعالى {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يصنعون}..
فتأمل كيف أن الله تعالى سمى ترك النهي عن المنكر فعلا، وسماه صُنعا.
وفقكم الله للخير والسداد والرشاد.