رسائل ربانية من عبق الإسراء والمعراج
بقلم محمد عبد الرحمن صادق
إن الإسراءَ والمعراج يُعدُّ من أصعب الأحداث الإيمانيَّة التي مرَّت على الإسلام والمسلمين؛ وذلك لكونه حادثًا وصفيًّا يصعب على العقل البشري المجرد تصديقُه، وإذا لم يتشبَّع هذا العقل بالإيمان العميق، لصَعُبَ عليه استيعاب هذا الحدث؛ لذا نجد أن من الصحابة مَن فُتنوا وتساقطوا في هذا الحادث، وفي المقابل نجدُ أن من تشبَّع بالإيمان وعاشه وعايشه قد تقبَّل الأمر ببساطة كبيرة وبيقين تام؛ كما فعل الصدِّيق أبو بكر رضي الله عنه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: “لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به، و صدَّقوه، و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدَق، قالوا: أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ وجاء قبل أن يُصبِحَ؟ قال: نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ” (السلسلة الصحيحة).
– إن الإسراء والمعراج ليس مجرد آية واحدة تتلى في سورة الإسراء كما يعتقد البعض ذلك في قوله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” فلقد تلى ذلك ذكر عيوب ومسالب وفضائح وممارسات اليهود التي استحقوا بسببها أن يُنحوا عن قيادة البشرية لتحل مكانهم أمة كرَّمها الله تعالى بالقرآن فقال تعالى: “إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً” فبالقرآن نحيا وهو مصدر عزنا وقوتنا وخيريتنا وريادتنا طالما تمسكنا به.
– إن الإسراء والمعراج رسالة ربانية لأولياء الله تعالى أنه إذا انقطعت بهم أسباب الأرض وتنكر لهم أهلها فإن خلاصهم في السماء وهناك سيُرَحِّب بهم أهلها لأن الله تعالى لا يتخلى عن أوليائه ولأن الله تعالى ما أنزل هذا الدين ألا ليعُم ويسُود ويقُود بعِز عزيز أو بذل ذليل ولو كره الكافرون.
– ورسالة ربانية منه سبحانه وتعالى للعالمين أن أمة محمد قد تشرفت باستلام الريادة وأن مراسم تكليف نبي الإسلام بقيادة البشرية وريادتها قد أبرمها الله تعالى في السماء وبشهادة ومباركة كل الأنبياء وحق على كل الأمم والشرائع الاتباع والخضوع والإذعان لأن من كلَّف الأمم السابقة في البداية هو من كلَّف محمداً ولا يشذ عن ذلك إلا هالك.
– ورسالة ربانية للعالمين أنه قد آن أوانُ انتقال القيادة الروحية من أمة إلى أمة؛ من أمةٍ ملأت تاريخها بالغدرِ والخيانة والإثم والعدوان، إلى أمة تتدفَّق بالبر والخيرات، ولا يزال رسولُها يتمتع بوحي القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم.
– ورسالة ربانية للعالمين أن عهدًا من هذه الدعوة الإسلامية قد أوشك على النهاية والتمام، وسيبدأ عهدٌ آخر جديد يختلف عن الأول في مجراه؛ فلقد انتهى العهد الذي رأوا فيه التنكيل بالمسلمين ورأوا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة وشعابها مطرودًا ومُطارداً إلى عهد التمكين والسيادة والريادة وتكوين الدولة التي تضارع بل تفوق أقوى وأعتى الدول والامبراطوريات في زمانها.
– ورسالة ربانية للعالمين أن الريادة في قمتها الروحية والإيمانية قد اكتملت حين أَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء عليهم السلام؛ ليربط أمتَه بكلِّ أصولها وأسلافها من الأنبياء والمرسلين.
– ورسالة ربانية للعالمين أن الريادة في قمتها المكانية قد اكتملت حين وصل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في معراجه إلى السماء حيث لا يصل أحدٌ.
– ورسالة ربانية للأمة الإسلامية بصفة عامة ولدعاتها وأئمتها بصفة خاصة أن يهتموا بتأصيل الإيمان في النفوس وبتثبيت العقيدة في القلوب حتى إذا هبت عليهم أحداث جِسام مثلما حدث في حادث الإسراء والمعراج كانوا أمامها كالجبال الشم الرواسي.
– إن الجميع وخاصة أعداء هذا الدين يوقنون أن المارد الإسلامي قادم لا محاله ولكنه الآن كالليث الجفول وأنه حين يستيقظ من غفوته لن يكون أمام أعدائه سوى أن يعترفوا به ويدينوا له ويدخلون فيه أفواجاً طوعاً وحباً وليس إكراهاً وقسراً.
– النداء الآن للأمة الإسلامية عامة : إن بيتَ الله الحرام، وبيت المقدس هما بمنزلة العينَيْنِ من الرأس، واليدين من الجسدِ، والقدَمَيْنِ من البدن، وحين تفقدُ الأمةُ أحدَ هذَيْنِ الركنَيْنِ، فإنها ستبقى مشلولةَ الجانب، فلا ترى بوضوح، ولا تعملُ بجدٍّ، ولا تتقدَّم خطوة واحدة للأمام، فكيف لنا أن نبصر بعينٍ واحدة، أو أن نعمل بيدٍ واحدة، أو نمشي ونتقدَّم بساق واحدة؟
(المصدر: موقع بصائر)