رداً على فتح باب الرحمة.. متطرفون يسعون لسرقة آثار بجواره
إعداد أسيل جندي
لا يعج المسجد الأقصى المبارك بالمعالم الشامخة في ساحاته ومصلياته فقط، بل بآثار قيمة يُعرض جزء منها في المتحف الإسلامي بالمسجد، وأخرى تم وضعها جانبا في ظروف غير مناسبة بسبب ضيق مساحات التخزين.
العوارض الخشبية أحد هذه الآثار التي كانت تحمل سقف الرواق الأوسط بالمصلى القبلي، وتم استبدالها خلال ترميم المجلس الإسلامي الأعلى للمصلى بين عامي 1938 و1945،
ووضعت هذه العوارض بعد إزالتها شرقي مسجد عمر ثم نقلت إلى الجهة الغربية من المصلى القبلي وبعدها إلى المنطقة الشمالية من المصلى المرواني، واستقرت لاحقا عند باب الرحمة، لكن بعد ملاحظة موظفي الأوقاف إقدام المتطرفين المقتحمين للمسجد على تصوير الأخشاب ولمسها قاموا بنقلها إلى الأسفل على يسار مصلى باب الرحمة.
العوارض الخشبية على يسار مصلى باب الرحمة بالمسجد الأقصى (الجزيرة نت) |
ادعاءات
وتدّعي جماعات الهيكل المتطرفة أن هذه العوارض الخشبية تعود لفترة “الهيكل الأول” قبل ثلاثة آلاف عام، وأنها بقيت بعد هدمه واستخدمت في بناء “الهيكل الثاني” وأن المسلمين استخدموها لاحقا لبناء سقف الرواق الأوسط للمصلى القبلي.
وقد فنّد هذه الادعاءات إيهاب الجلاد الباحث في تاريخ القدس والمسجد الأقصى قائلا إن الرواية الإسرائيلية تزعم أن الهيكل الثاني هُدم عام 70م بينما بُني المصلى القبلي بين عامي 705و 714، والفارق بين الهدم وبناء المصلى أكثر من ستمئة عام.
وقال الجلاد “لا يعقل أن هذه الأعمدة الخشبية بقيت تنتظر المسلمين حتى يأتوا ويبنوا المصلى، وفي حال وجدت أعمدة خشبية بعد هدم الهيكل الثاني كما تدعي جماعات الهيكل المتطرفة فبالتأكيد استخدمت في بناء كنائس ومعابد أخرى الفترة البيزنطية”.
باحثون: العوارض الخشبية تعود للفترة الأموية (الجزيرة نت) |
محاولات متكررة
أحمد ياسين الباحث بشؤون القدس والمقيم بالأردن تطرق -في معلومات نشرها- لمحاولات الاحتلال سرقة الكثير من هذه العوارض وإخراجها بأي شكل من الأقصى بهدف إعادة تأهيلها لاستخدامها في بناء “الهيكل الثالث” ولتتبع المتطرف يهودا عتصيون النجارين الذين بِيعت لهم العوارض التالفة، وإقدامه على شرائها ووضعها في مستودعات خاصة لإعادة ترميمها.
وتسعى الجماعات المتطرفة حاليا -وفقا لياسين- للحصول على ما تبقى من العوارض الخشبية المحفوظة بجانب مصلى باب الرحمة، ومع إعادة فتحه أمام المصلين، وبعد أن أصبحت المنطقة مأهولة بالمقدسيين بشكل غير مسبوق لم تتوقعه هذه الجماعات باتت سرقة هذه العوارض أكثر صعوبة.
وهو الأمر الذي أدى لإطلاق دعوات تطالب بأخذ هذه العوارض الخشبية وتسليمها لمعهد الهيكل الثالث، ومن بين المطالبين بذلك المتطرف يسرائيل مداد -أحد مسؤولي هذه الجماعات-في تغريدة له على تويتر.
اهتمام قديم
وفي تعقيبه على ذلك، قال الجلاد إن موضوع اهتمام التجار اليهود بهذه العوارض قديم، لكنه أثير مؤخرا بسبب الهزيمة التي لحقت بالاحتلال في قضية باب الرحمة إذ يحاولون من خلال التطرق لهذه العوارض التقليل من خسائرهم.
وفي حديثه للجزيرة نت، تطرق الجلاد للمحة تاريخية عن هذه المواد التي وضعت بشكل عرضي لتدعيم أعمدة المصلى القبلي ومنع ميلها في الفترة الأموية على يد عبد الملك بن مروان وبعدها ابنه الوليد، مضيفا أنها صنعت من خشب السرو، وتُعرض قطع من الخشب المزخرف الذي زُيّن به سقف المصلى في المتحف الإسلامي.
ورغم العوامل الجوية والزلازل والهزات الأرضية صمدت هذه الأعمدة الخشبية، ولم ينهر المصلى القبلي حتى أعيد ترميمه على يد المجلس الإسلامي الأعلى.
الفترة الأموية
د. ناجح بكيرات نائب رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالقدس قال إن جزءا بسيطا من هذه العوارض الخشبية يعود للفترة الإسلامية المبكرة عندما بنى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مسجدا خشبيا بالأقصى، بينما تعود معظم الأخشاب للفترة الأموية.
ونفى أن يكون لهذه الأخشاب أي علاقة بالهيكل المزعوم، وهم “تارة يدعون أن الهيكل بني من الحجارة وتارة يقولون من خشب الأرز، لكن ما نحتفظ به في الأقصى خشب سرو من الفترة الأموية، وهذا يدحض كل أكاذيبهم”.
وعن أهمية الاحتفاظ بما تبقى من أخشاب أثرية، أكد د. بكيرات أن مناقصات طُرحت سابقا لتفريغ المسجد من الأعمدة الخشبية لكثرتها واشتراها تجار لكن لا نية لبيع الأخشاب المتبقية بتاتا.
وقال “لم نهمل هذه الأخشاب يوما والدليل أننا نعرض عينات منها بالمتحف الإسلامي، لكننا لا نملك مساحات للاحتفاظ بما تبقى منها في ظروف مناسبة.. ولفت إلى أن شرطة الاحتلال ترفض إدخال حاويات تستوعب هذه الأخشاب لحفظها ورعايتها، لكننا نفكر حاليا باستخدام أحد الأروقة لعرض هذه العوارض الخشبية بالإضافة لأبواب أثرية لم نتمكن من عرضها جميعها بالمتحف”.
(المصدر: الجزيرة)