“رجعية”! مثقفوها يدعون إلى “خلافة أوروبية”
بقلم أمير سعيد
“مشروع الشرفة الأوروبية”، التي تضم بين مؤسسيها ساسة وفلاسفة وكتاب، مثل الأديب النمساوي الحائز جائزة نوبل ألفريد جيلينك، أطلقت الفكرة، ورفعت الشعار “سيادة المواطنين تحل مكان سيادة الدول”، ضربت الدولة القومية في مقتل، أو هكذا تسعى وراء فكرتها الجديدة.
فلمناسبة الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى، فجر ناشطون أوروبيون مميزون قنبلتهم بالدعوة إلى جمهورية على مستوى القارة، تحل مكان دولها القومية، وخطط الناشطون لإعلان “جمهورية أوروبية” في عشرات من المدن.
لكن أليس هذا المنطق هو المنطق الذي أسس عليه نظام الخلافة المعمول به في العالم الإسلامي على مدى 13 قرناً من الزمان، ذلك النظام الذي لا يذكر اليوم من قبل النخبة العربية إلا مشفوعاً بكلمة “أوهام”، “أوهام الخلافة”؟!
الفرق الإجرائي هو أن دعاة الجمهورية الأوروبية (الأممية) هم ساسة وفلاسفة وقادة رأي، في حين يختلف الأمر عند دعاة الأممية الإسلامية، وفي الحقيقة ليس هذا هو أبرز ما في المقارنة؛ فالمفارقة أن أولئك الذين يدعون إلى أممية أوروبية جامعة يسيرون ضد حركة التاريخ التي لم تكد تشهد وحدة أوروبية جامعة، وإنما قروناً من الصراعات الدامية، ومع هذا لا تقيم دعوتهم على أنها نوع من الخيال والأوهام والجنون، بخلاف فكرة الأممية الإسلامية ذات الرصيد التاريخي الممتد.
لكن رغم هشاشة الدعوة الأولى، ورسوخ الثانية، إلا أن الحاضر يؤيد الأولى، ويجعل الثانية في طور الأماني والأحلام بصدق، كون أوروبا قد باشرت بالفعل خطوات جيدة في نسيان ماضيها الأليم والنظر إلى الأمام، ومضت أمتنا الإسلامية متنكرة – في معظمها – لماضيها، غارقة في حاضرها البائس بكل ملامحه الكالحة في تشرذمها ونسيانها لإرثها الحضاري العظيم.
(المصدر: موقع المنهل)