رباعية الوعي !
بقلم محمد رضوان ملاك
تشهد الساحة الإسلامية العربية العديد من المتغيرات في ظل ظروف متقلبة، نشهد فقط بدايتها أما مستقرها ونهايتها فلا يمكن التنبؤ به بدقة وإن كان البعض يستطيع بما آتاه الله من علم وفهم أن يقرأ الأحداث المستقبلية قراءة منطقية فتكون النتائج التي يتنبأ بها مطابقة للواقع بنسبة عالية،
بينما في المقابل تجد البعض الآخر قراءته للمستقبل دائماً ما تكون غير صحيحة وهنا في هذا المقال سأتطرق لتحليل ذلك ….
الكون له سنن منطقية متكررة لا تتخلف وقد أشار الله سبحانه وتعالى لذلك في قوله تعالى “ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا” وأمرنا بالنظر في هذه السنن وكيف تسير وذلك لنتجنب الوقوع في الزلل مع كل حادث يحدث لنا “قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا”
ومن عرف هذه السنن فستكون نظرته للأحداث المستقبلية صحيحة يقرؤها بدقة كأنما ينظر في كتاب ….
ولمعرفة هذه السنن لابد أن يكون الإنسان واعياً بدرجة عالية فالوعي هو المفتاح الذي تتحقق به الرؤية الصحيحة لمستقبل الأحداث ، وحتى يكون الوعي بشكل كامل صحيح لابد أن يكون مكتمل الأركان وهذه الأركان أربعة سميتها رباعية الوعي.
1- الوعي الشرعي وهو ما يتعلق بمعرفة الأحكام الشرعية المختلفة فحيث أننا أمة ارتبط نصرها قدرياً بتمسكها بدينها فمتى ما تمسكت بالدين عزت وقويت ومتى تركته ذلت وضعفت وتاريخ هذه الأمة خير شاهد على هذه الحقيقة لمن قرأها وتتبعها عبر تاريخ الأمة الإسلامية الذي امتد زهاء خمسة عشر قرناً ،
فمتى ما أراد الإنسان أن يتحصل على الوعي كان لزاماً عليه أن يستصحب الوعي الشرعي فيعرف الأحكام الفقهية المختلفة من مصادرها الصحيحة الأصيلة ، لكن هذا القسم من أقسام الوعي غير كاف مطلقاً إن كان لوحده،
فكم رأينا من علماء في الدين مؤصلين لكنهم غير واعيين لما يحدث لأمتهم ولا يعرفون ماذا يحاك لهم وسبب ذلك هو غياب الأقسام الأخرى من أقسام الوعي.
2- الوعي بالسياسة الشرعية وهو قد يعتبر قسماً من النوع الأول لكن ذكرته منفصلاً لأهميته وهذا الوعي مبني على النظر في الأحكام الشرعية من ناحية سياسية واستنباط الأحكام السياسية لما يستجد في واقع الأمة بما يوافق السياسة التي كان ينتهجها محمد صلى الله عليه وسلم فمثلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله عن أخباره وأخبار قريش “نحن من ماء” ولم يفهم الأعرابي معنى هذه العبارة برغم أنه اشترط أن يخبروه من هم مقابل أن يعطيهم مالديه من أخبار ، ومن مثل هذه القصة في السيرة ومثلها كثير يفهم الإنسان السياسة الشرعية وكيف يتعامل مع مختلف الأحداث في واقعه ، ولك أن تتخيل ماحجم الكارثة لو أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف للأعرابي عن نفسه وعن أبي بكر ، فالوعي بالسياسة الشرعية لا يقل أهمية عن العلوم الشرعية المجردة وذلك لفهم واقع الأمة وتحليله وبناء النتائج المتوقعة عليه بعد ذلك … ومع ذلك فإن هذين النوعين من الوعي غير كافيين لامتلاك ملكة الوعي فلا بد من إضافة نوع آخر من الوعي لهذين القسمين.
3-الوعي السياسي أو الوعي بالواقع وهذا النوع من الوعي غيابه غاية في الخطورة ومتى فقده الإنسان فمعظم أحكامه وتنبؤاته ستكون خاطئة ، فمعرفة دهاليز السياسة الحالية ، وكيف قام النظام العالمي الجديد ومالذي ترتب على الحربين العالميتين الأولى والثانية والصراعات والحروب التي دارت في العالم في القرن التاسع عشر والعشرين وماهي نتائجها سيعطي للإنسان تصوراً واضح المعالم عن الدول القائمة اليوم وكيف تسير وكيف تتخذ قراراتها …
وأترك لك أخي القارئ تصور مدى جهل الإنسان بهذا الوعي ماذا سيكون له من نتائج كارثية على الفرد والمجتمع !!!
وكيف يستطيع الإنسان قراءة الأحداث بدقة وفهم دون استصحاب هذا الوعي السياسي الواقعي، ومع الأسف فإنك قد ترى أن معظم من يتكلم في أحداث أمته ويعطي التحليلات السياسية المختلفة لم يقرأ كتاباً في السياسة قط بل تجده يحذر من قراءة الكتب السياسية المختلفة ، ولذلك ارتبط في الأذهان أن كتاب الأمير لميكافيللي هو رمز للشيطنة السياسية وأن خلاصته أن الغاية تبرر الوسيلة فلذلك يتم التحذير منه ومن الاطلاع عليه علماً أنه الكتاب الأول في علم السياسة المعاصرة …
وهناك محاولات لتقريبه إلى القراء لعل ذلك يكون في مقالات لاحقة بعون الله ومشيئته وتوفيقه…… وننتقل للنوع الرابع الذي تكتمل به أركان الوعي.
4- الوعي التقني العلمي وأعني به معرفة التقنيات والعلوم الحديثة والقراءة في آخر مستجدات علم الحاسوب والفلك والطب والهندسة فقد أصبحت هذه العلوم تشكل جزءا مهماً أساسياً في صناعة الوعي، ومالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وكيفية التخلص من تبعاته الثقيلة في دول قامت على الديكتاتورية المطلقة إلا مثال واحد لمعرفة أهمية هذا النوع من الوعي التقني المعرفي الذي يستطيع الإنسان بامتلاكه أن يقوم بالتحليل الصحيح والنظر الدقيق كيف تتم إدارة المعركة تقنياً فلا تنطلي عليه أكاذيب الحيل العلمية ويصبح قادراً على التمييز بين صحيح أخبار العلوم وكذبها ويكون لديه تصوراً واضحاً عنها ….
فمتى اجتمع الوعي بأركانه الأربعة لدى الإنسان فستجده عند ذلك قارئاً جيداً للأحداث لايكاد يخطئ له تحليل ويعطي غالباً قرارات صائبة فيما ينبغي فعله أو تركه … ومتى تخلف أي نوع من أنواع الوعي الأربعة هذه كان الخطأ في قراءة الحدث وما يترتب عليه بمقدار ما نقص من الوعي لدى الإنسان، وكل ما كان وعيه أكبر قل الخطأ في تصوراته وقراراته ،
لذلك أقول أن معركة الأمة اليوم هي معركة وعي من الطراز الأول فلا يكفي الإنسان الحصول على نوع أو نوعين من الوعي دون استكمال هذه الرباعية المهمة ………
ثم تخيل أخي القارئ الكريم شخصاً لايملك أي نوع من هذه الأنواع من الوعي ثم يخوض في الصحافة كتابة وتحليلاً ويسمي نفسه بالمحلل السياسي فماالمتوقع من مثل هذا الرجل!!!!
نسأل الله أن ينير بصائرنا وأن يجعلنا ممن يعون الأحداث وأن يرزقنا العلم والفهم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
المصدر: رسالة بوست