راسخ الكشميري يكتب: باكستان والأقليات الدينية والعرقية
أستغرب أحيانا من أخبار عن باكستان مثل المرفقة التي يدعي فيها موقع نصراني أن باكستان تمنع المواد الغذائية عن النصارى، ليس من الضروري أن نقول عن باكستان أنها دولة مثالية، ولكن من الظلم أن تتهم بمثل هذه الأقاويل، فالمطلع على الأخبار يدرك هشاشتها، باكستان تعتني بالأقليات عناية تامة.
مؤخرا قامت باكستان ببناء معبد السيخ المقدس لديهم، وفتحت مجال لجميع السيخ في العالم بزيارة ذلك المعبد، كتبت عن هذا الموضوع من قبل، ويمكن قراءة السطور التالية ففيها مزيد:
سنتحدث عن السيخية وكيف تعاملت باكستان مع إحدى الأقليات فيها على رغم الصدع التاريخي بينهما، وسنتحدث أيضا في نهاية الأمر عن المسجد البابري الذي قام القضاء الهندي قبل قليل بسحبه من المسلمين، وإعطائه للهندوس، تستطيع أن تقارن من هو الأكثر انفتاحا تجاه الأقليات، الهند أم باكستان؟
– من هم السيخ؟
السيخية ديانة توفيقية أخذت فكرتها وروحها من الإسلام والهندوسية، فقد ولد مؤسسهم (گرو نانک) في بيت هندوسي ثم كانت له صلات وميل نحو المسلمين أيضا، والسِّيخ كلمة معربة من (سِكھ) بكسر السين، وإدغام الكاف في الهاء، ويعني ذلك (التلميذ)، أما كلمة (گرو) Guru بالعربية (غورو) تعني (المعلم).
العنصر الإسلامي – الذي قد يحير القارئ- والموجود في السيخية هو (التوحيد)، فهم يعترفون بإله واحد بأسماء متعددة ظاهرها هندوسية، وهي مثلا (براهما)، و(هاري)، و(رام)، أما كتابهم المقدس فيسمى (كرانت) (گرانتھ) Granth وهو خليط من قصائد وخواطر للمؤسس (نانك)، والشاعر الهندي (كبير).
السيخ في الأصل (بنجابيون)، عاصمتهم (أمرِتْسَر) الواقعة في (بنجاب) الهند، يزيدون على 27 مليون نسمة، متمركزون في الهند، ومتوزعون في أنحاء العالم، ما يميزهم هي العمائم الكبيرة والملونة، في باكستان يتمرمز أكثرهم في لاهور، وملتان، وراولبندي، و فيصل آباد، ومدينة (ننكانه صاحب).
– ماذا كان دور السيخ تجاه باكستان حين الاستقلال؟
على الرغم أن السيخ عادوا المسلمين، وبالأخص في كشمير، فتاريخهم هناك مريع جدا من الناحية الإنسانية، وكانوا متحدين مع الهندوس حين استقلت باكستان عن الهند، وأذاقوا المسلمين الويلات خصوصا لأولئك المسلمين الذين قدموا هاجرين من الهند إلى باكستان.
– لماذا باكستان مهمة لهم؟
أصبحت باكستان مهمة للسيخ بل وأصبحوا مؤخرا يظهرون وقوفهم مع القضية الكشميرية، وأظن أن أسباب ذلك دبلوماسية وسياسية، فلديهم في باكستان مقدسات في مدينة (ننكانه صاحب) حيث ولد مؤسسهم، وكذلك ممر كرتاربور حيث الوعيد الذي قضى فيه مؤسسهم آخر حياته.
– ما هو ممر كرتاربور؟
نأتي على الحدث الذي حدث في باكستان وهو افتتاح ممر كرتاربور للسيخ، (كرتاربور) مكان مقدس للسيخية لأن مؤسس السيخية (نانك) مات فيه، في ظل الوحشية التي تمارسها الهند تجاه باكستان من جهة والأقليات غير الهندوسية في الهند وبالتحديد المسلمين فإن موقف باكستان من الأقليات إيجابي.
قد لا يكون كلامي الإيجابي عن الأقليات في باكستان دليلا، فالإنسان بطبيعة الحال يدافع عن بلده، ولكن لكي تكون منصفا ارجع إلى الإرشيف الإعلامي الباكستاني، والهندي، ستجد الفرق واضحا من يدعي أنه أكبر بلد ديمقراطي وفي ذات الوقت تعتبر تلك الديمقراطية سجنا للأقليات، ومن يحترم الأقليات.
لكي تقارن باكستان مع الهند اجتماعيا ليس من الضروري أن تستمع إلى باكستاني يعدد لك محاسن بلده ويغض الطرف عن الإساءات فيها، بل كلما عليك أن تفعله لتصل إلى نتيجة أن تقوم بالبحث في الإعلاميْن الباكستاني والهندي بما يخص شؤون الأقليات، ستجد الجواب من مصادر إعلامية باكستانية هندية.
على أنني كباكستاني أختصر لك العناء وأقول لك: على رغم كل ما في باكستان من أشياء لا تعجب الآخرين وأمورا قد تستنكرها إلا أننا فيما يخص الأقليات منفتحون، كل يمارس ما يريد بحرية، بل نقوم بترميم المعابد الهندوسية والسيخية، وأبنية الأقليات تجدها بين سكنى المسلمين ولا أحد يعترض عليهم.
المسجد الجامع (محمد علي) في مدينة فيصل آباد بمنطقة (ناظم آباد) جداره ملاصق لكنيسة قديمة عمرها 50 عاما، ولا يوجد أدنى اختلاف بينهم بل تعايش وسلمية، وهكذا هناك العديد من الكنائس ومعابد الأقليات هي في أساسها مبنية بين أبنية المسلمين، ولو سمعتم عن حدث مسيء فإنما هو ممنهج.
نعرج الآن إلى موضوع المسجد البابري في الهند، وهو موضوع أشهر من نار على علم، مختصره أن المسجد بناه المغولي مير باقي بأمر من الإمبراطور المغولي ظهير الدين بابر سنة 1527م، قام المتطرفون الهندوس بنشر أكاذيب في منتصف القرن العشرين بأن المسجد بني على أنقاض مكان ولادة الإله راما.
تم إغلاق المسجد البابري عام 1949م بحجة أنه مسجد متنازع عليه، وفي 6 ديسمبر 1992م تم هدم جزء من المسجد من قبل ما يقارب 15 ألف هندوسي، عقب ذلك فساد في الهند أكل أخضر المسلمين والهندوس ويابسهم ومات في هذه الأحداث ما يقارب 3000 شخص.
في أكتوبر 2010م قضت المحكمة الهندية في (إله آباد) بجزء من المسجد للمسلمين، بينما الجزء الأكبر تم إعطاؤه للهندوس، في غضون هذه السنوات حدث أحداثا جسيمة راح ضحيتها مسلمون خصوصا في كجرات عام 2002م و كل من قبل متطرفي منظمة RSS الهندوسية.
السطور التالية للمقارنة
في الأشهر الماضية قامت باكستان بالتعاون مع الأقلية السيخية في لبناء (ممر كرتاربور) للسيخ، وفي نفس الوقت رممت عددا من المعابد الهندوسية القديمة وفتحتها للهندوس في مختلف مناطق باكستان، عينت باكستان تاريخ 9 نوفمبر 2019م لافتتاح ممر كرتاربور.
وفي ذات التاريخ يعني اليوم 9 نوفمبر 2019م قررت الهند أن تفصل في قضية المسجد البابري، باكستان المنفتحة على الأقليات فتحت مجال لزيارة السيخ حتى الهنود منهم لافتتاح ممر كرتاربور، بينما في التاريخ ذاته بلعت الهند مسجدا من مساجد المسلمين التاريخية لصالح الهندوس.
ولا ينسى العالم قبل أشهر وبالتحديد في 5 أغسطس 2019م بلعت الهند حقوق الشعب الكشميري بأكمله، ولا يزال الشعب الكشميري منذ ذلك اليوم يعيش في سجن، فمناطق المسلمين من كشمير الاتصال والانترنت مقطوع، تبع ذلك إنهاء قضية المسجد البابري للهندوس،. ويمكنك عبر ذلك قياس ضعف المسلمين في الهند.
من جهة باكستان والذي اشتهر عنها انغلاقها ورسمت لها الصورة المسيئة في الإعلام انفتحت على أقلية من أقلياتها وهم السيخ، ويسرت لهم سبل إقامة شعائرهم حتى الهنود منهم، بالمقابل الهند الذي يقال عنها كذبا وزورا منفتحة وأكبر ديمقراطية سلبت كشمير من المسلمين، وسلبت المسجد البابري.
ترحيب باكستان لمتبعي السيخية من جميع أرجاء العالم بما فيها الهند في افتتاح ممر كرتاربور وكذلك بالاحتفاء بيوم ميلاد مؤسسهم (نانك) 550، هذه أخبار باكستان، أما الأخبار الواردة من القضاء الهندي اليوم وقبل قليل هو ابتلاع المسجد البابري لصالح الهندوس..
أدبيات السيخ تذكر أن (نانك) بعد أن زار المدينة زار بغداد أيضا، في الرابط التالي بعض من الحقائق حول ذهابه إلى بغداد.
علق متحدث الجيش الباكستاني السابق آصف غفور بأن الأقليات في الهند قد تدرك اليوم مرة أخرى أن رؤية قائدنا المؤسس محمد علي جناح حول نظرية الهندوتوا كانت صحيحة تمامًا.
هناك خمس كافات، تعتبر كجزء لا يتجزأ من السيخي، الشعر (كش) لا يقومون بقص شعر الجسم كاملا من الولادة للموت، للتميز عن البقية، ولئلا يدخل في الجماعة الغرباء، (كنغا) يعني مشط لترجيل الشعر، (كرا) سوار تشبها بالصوفية وتذللا، (كجة) سروال قصير لحفظ الفرج، (كربان) وهو خنجر للدفاع الشخصي.
وعن أن العهد السيخي في كشمير كان من أسوأ العهود، أنقل لكم ثلاث صفحات من بحثي للدكتوراه: (كشمير في الأدبين الأردي والعربي) عنونت فيه: (عهد كشمير السيخي)، يبين كم كان العهد السيخي في كشمير مشئوما.
فيما يخص هذا الخبر من الموقع النصراني عن أن باكستان تمنع المساعدات فباطل وهراء، لدينا نصرانيون يسكنون بيننا، ومعابدهم مفتوحة في حواري المدن الباكستانية، ولا أخد يعترض عليهم، بل يقفون معهم متى ما كان الأمر ضروريا مثلما حدث الآن في جائحة كورونا، سأنقل بعض الصور كدليل على ما أقول.
مؤسسة (الخدمة) الخيرية قامت ولا زالت إلى جانب اهتمامها بالمسلمين، مراعاة ظروف الأقليات مثل الهندوس والسيخ والنصارى، في الصورة زيارة إلى مسئولي معبد هندوسي في مدينة ملتان قاموا بتعقيمه..
كنيسة في كراتشي قام القيمون على مؤسسة الخدمة الخيرية بزيارة إليها، وتعقيمها، بالإضافة إلى كنيسة أخرى في مدينة (كجرات) الباكستانية.
مختصر القول، في باكستان الصالح من الأمور والطالح فيها، وهي دولة تعاني بسبب شح الموارد، ولهذا أسباب داخلية وخارجية مؤثرة، ورغم كل ذلك تعتني باكستان قدر الإمكان بأقلياتها عكس الدول المجاورة لها فيما يخص شأن المسلمين.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)