رؤية هيئة علماء المسلمين في لبنان لواقع الأزمة اللبنانية الراهنة
حول رؤية الهيئة لواقع الأزمة الراهنة وسبل الحل أجرى رئيس تحرير موقع الفيحاء “ربيع المغربي” لقاء حواريا مع رئيس هيئة علماء المسلمين فضيلة الشيخ حسن قاطرجي وكان على النحو التالي:
1 – السؤال الأول : بداية كيف تقيّم هيئة علماء المسلمين الحراك الذي انطلق في ١٧ أوكتوبر ؟ وهل تعتبره حراكاً أم ثورة ؟
الجواب : ما يحدث في لبنان منذ 17 ت1 هو فوق الحراك بكثير وربما يصل إلى أن يكون ثورة إذا وصلت إلى تغيير بنية النظام، فَدَعنا نسمِّيه الآن انتفاضة شعبية وواضح أنها انتفاضة عارمة.. وبالتأكيد هذه الانتفاضة بالإضافة إلى أنها ضرورة لقلع هذا الحجم المهول من الفساد والسرقات والفشل في إدارة الدولة تأكّد نجاحُها : بوضوح مطالبها وشمول المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب وطوائفه ومناطقه وعناد المتظاهرين للوصول إلى أهداف انتفاضتهم، وإلى الآن توجد عدة علامات نجاح : استقالة الحكومة – ترامي الاتهامات بين مكوّنات الطبقة السياسية الفاسدة – النجاح في منع انعقاد جلسة مجلس النواب لأسبوعين – نتائج انتخابات نقيب المحامين، وأوضح دليل على النجاح اعتراف السياسيين الموجهة إليهم الاتهامات ابتداءً من رئيس الجمهورية إلى رؤساء الأحزاب الممسكة بمفاصل السياسة والاقتصاد والوزارات بأنهم مع مطالب الشعب وأنّ الدولة ينخرها الفساد وإنْ تَنَصَّل كل فريق منهم من المسؤولية ورماها على الآخرين وزايد على الانتفاضة بالسبق بالتنبيه إلى الفساد بل بالسبق أيضاً إلى تقديم مشاريع قوانين لمكافحته !!!!
2 – السؤال الثاني : هل تؤيدون قطع الطرقات وشلّ الحركة في المؤسسات العامّة والاقتصادية والتربوية ؟ وماذا تقترح الهيئة على الحراك من وسائل للضغط على السلطة ؟
الجواب: لا نؤيد قطع الطرقات بشكل دائم فيقع الضرر على الناس وطبعاً ولا أيَّ إضرار بمصالح الشعب لأن هذا عكس أهداف الانتفاضة، ونثق بأن عقول الانتفاضة قادرة على إبداع أنماط متعددة من طرق الضغط على الدولة مثل محاصرة مؤسَّساتها أو الاعتصام قُبالتها أو التظاهر في أحياء بيوت السياسيين والمراكز الحزبية للأحزاب المسؤولة عن الفساد.
وعلى أيّ حال لا تتبنى الهيئة – من منطلق احترام تخصّصها – طرح آليات بخصوصها ولا تتدخّل بتكتيكات التحرك الثوري فهذا متروك للعقول التي يعيش أصحابها هموم الثورة اليومية ويشاركون في الساحات ويَحتكّون بالمتظاهرين…
وقد اقتصرت الهيئة منذ اليوم الأول على تبني مطالب الشعب ودعم الهدف الأساس من هذا الانفجار الشعبي الذي يتلخّص بتغيير الفاسدين على كل المستويات والمطالبة بمحاسبتهم وردّ الأموال المنهوبة إلى الشعب عبر قضاء عادل نزيه.
3 – السؤال الثالث : هل أنتم مع طرح المطالبة بدولة مدنية مع ما يخص قانون الأحوال الشخصية ؟
الجواب : أصلاً لبنان الآن دولة مدنية ولا علاقة للدين بها إلا قوانين الأحوال الشخصية، ومشكلة لبنان في الفساد والمحسوبيات الحزبية والطائفية السياسية وما جرّته من ويلات وشرور على البلد، ونحن في هيئة علماء المسلمين نطالب من جهة بإلغاء الطائفية السياسية وفي نفس الوقت لا نقبل بل نحذّر من المسّ بقانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسلمين المستند على الشريعة الإسلامية ونعتبر قانوننا الشرعي خطاً أحمر، كما نعتبر طرح هذه الموضوع ركوباً على ظهر الانتفاضة واستغلالاً لظروف البلد ومطالبِ الناس المعيشية والاقتصادية وتلك المتعلقة بالفساد الشنيع المتفشّي في الدولة والأوساط السياسية من أجل النيل من الدين والمسّ بأخص خصوصيّات الأسرة وفق أجندات مكشوف خبثها ولإثارة موضوع حسّاس لإلهاء الناس بخلافات تصرفهم عن جوهر انتفاضتهم، مع لفت الأنظار إلى أن *الهيئة* تؤكّد المطالبة بكل خطوة على طريق التحديث الإداري والشفافية واختيار الأَكْفاء في المحاكم الشرعية والأوقاف.. وموقفنا هذا من قانون الأحوال الشخصية هو أيضاً موقف دار الفتوى وعموم المسلمين، أما عن الذين يطالبون بقانون لأيّ مجموعة من اللبنانيين لا تريد الالتزام بقوانين طوائفهم فهذا شأنهم مع الدولة.
ولا بدّ من القول : إننا نعتقد ونوقن بأن الحكم بما شرع الله ربُّ الكون للمسلمين ليلتزموا به هو فريضة شرعية وتحقيقه أُمنيّة يحلم بها كل مسلم صادق تنبثق من قناعاتنا الإيمانية لأن دين الله رحمة للبشرية وأرقى صورة لتحقيق العدل وتكريم الإنسان وإعمار الأرض، أما في ظروف الوضع الحالي في لبنان فنحن نطالب على المستوى السياسي بسلطة خبيرة بشؤون إدارة الدولة نزيهة السُّمعة وتحرص على تحقيق العدل في الحكم والإنماء المتوازن على كل الصعد وفي كل المناطق وتحترم الخصوصيات الدينية وتلتفت لمشاكل الشعب لتضع حلولاً عملية صادقة وتحدّ من معاناة طبقاته، و على المستوى الاجتماعي بتحقيق عيش آمن بين مختلف مكوّنات وطوائف وأحزاب الشعب اللبناني وتعزيز السِّلم الأهلي ومحاربة الفساد الأخلاقي، و على الصعيد الاقتصادي بإنعاش الاقتصاد وإطلاق المشاريع الاستثمارية ومحاكمة السارقين.
4 – السؤال الرابع : ماذا تتوقع من هذه الانتفاضة ؟ وإلى أين تسير الأمور ؟
الجواب: المتظاهرون واضح مطلبهم: إسقاط كل منظومة الفساد التي تحكّمت في الشعب منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، والبلد يحتاج إلى حكومة يتمتع رئيسها وأعضاؤها بالنزاهة ونظافة الأكفّ والاختصاص والقدرة على إدارة البلد وتحقيق التنمية، ومع كل التمنيات بالوصول إلى برّ الأمان بإذن الله وخلاص الشعب اللبناني من معاناته لكن في رأيي دون ذلك تحديات كبيرة وسنخوض مرحلة صراع عقول وإرادات، وبالتأكيد فإن للعوامل الداخلية والدولية أدواراً مؤثرة على حاضر ومستقبل البلد، لكن يعلّمنا التاريخ أن انتفاضة أيّ شعب لتحقيق مطالب محقة وإصراره وعناده حتى الوصول إليها وسدّ منافذ الفرقة وتسلّل أهل السوء والأجهزة المشبوهة لتخريب انتفاضته : كل ذلك كفيل بالوصول بإذن الله إلى نهايات سعيدة .
5 – السؤال الخامس : ما هو موقف الهيئة من قانون العفو العام الذي كان مطروحاً على جدول جلسة مجلس النواب الثلاثاء الماضي ؟
الجواب : أصدرنا بياناً حدّدنا فيه موقفاً رافضاً ومحذّراً من مشروع القانون الطائفي الاستفزازي الذي تسرَّبت عنه بعض المعلومات، والحمد لله أسقطه عناد المتظاهرين يوم الثلاثاء الماضي، وكان يُخفي وراءه خلفيات طائفية وحزبية ضيقة ولو مُرّر كان سيُسبّب مزيداً من التوترات والتفسخّات الاجتماعية وشعور أهالي الموقوفين الإسلاميين المظلومين بالإحباط نتيجة الظلم الواقع عليهم علماً أن عدد الموقوفين الإسلاميين هو الأقل بكثير وعدد غير قليل منهم لم يحاكَم بعد ! وبعضهم صدرت فيهم أحكام براءة في الوقت الذي لا يزالون فيه في السجون وآخرون صدرت في حقهم أحكام وانتهت محكومّيتُهم. فالحمد لله أن الجلسة لتمرير المشروع الفتنوي لم تنعقد وأنه سبحانه وتعالى حفظنا من فتنة شديدة الشرَّر !!
(المصدر: موقع إشراقات نقلاً عن موقع الفيحاء)