رؤية في تاريخ الجماعة
بقلم أحمد هلال
تجربة الإخوان المسلمين في السياسة ليست تجربة ناشئة أو حديثة، إنما هي تجربة تضرب في عمق تاريخ الجماعة، كان موقف الأستاذ البنا من التعددية الحزبية موقف الرافض لها وغير المؤيد؛ نظرًا إلى الظروف التي كانت تمر بها مصر من احتلال، والتنافسية الحزبية من رأيه تؤدي إلى تشتيت الأمة في مواجهة المحتل الغاصب.
قامت ثورة الضباط الأحرار، والتي أثبت التاريخ فيما بعد أنها كانت انقلابًا عسكريًّا على الملكية المصرية، دعمت جماعة الإخوان المسلمين ثورة الضباط الأحرار، والتي كان مرسومًا لها أن تسلم الحكم للشعب المصري عبر انتخابات مدنية وتشاركية سياسية، والانتقال من الملكية إلى الجمهورية المدنية عبر رعاية عسكرية، وكان الرئيس محمد نجيب أحد كبار الضباط وقتها، والذي كان يتمتع بشعبية كبيرة، كان هو رئيس المرحلة الانتقالية، والتي كان مخطط لها قيامه بإجراء انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة لمن سيختاره الشعب.
إلا أن الخيانة جزء من ممارسات العسكر على مدى التاريخ، انقلب عبد الناصر على الشرعية، وتحكم في السلطة منفردًا بعد ان أزاح كل رفقائه في الثورة وأودعهم السجون والمعتقلات، مات عبد الناصر ثم جاء السادات فتمكن الإخوان المسلمين من الانتشار الأكبر في الجامعات، وكانت بداية جديدة بميلاد جديد، رحل السادات وجاء حسني مبارك، الذي سمح بهامش محدود جدًّا للممارسات السياسية، وكانت الانتخابات في عهده قمة في التزوير، حتى تمكن الإخوان المسلمون من نجاح ثمانية وثمانين عضوًا في البرلمان المصري، وكان أكبر عدد يستطيع الدخول إلى مجلس الشعب المصري في تاريخ الجماعة في عام 2005.
كان لانتشار الإخوان المسلمين عن طريق البرلمان وقع سياسي على المستوى الدولي، وتبين للجميع أن مساحة الحرية لو اتسعت في مصر لاستطاع الإخوان المسلمون تغيير وجه مصر في أقل مدة ممكنة، مكاتب النواب كانت بوابة للشعب المصري كله، ليتعرف عن قرب إلى الإخوان المسلمين، اتجه الإخوان المسلمون في مصر إلى العمل الخدمي بشكل أساسي، خدموا الشعب المصري عن طريق مؤسساتهم المنتشرة في طول البلاد وعرضها، أموال الإخوان المسلمين في مصر كانت مدارس ومستوصفات طيبة، وجمعيات خيرية خففت من معاناة الشعب الذي كان يطحنه التوحش والفساد الذي كان يضرب بالبلاد، تلك الخدمات كان يؤديها الإخوان المسلمون من باب الخير الذي يحملونه ويتحملونه لمصر، انتشرت الجماعة دعويًّا وتربويًّا وخدميًّا، لامس أثرها المجتمع بأسره، تغيرت مفاهيم كثيرة حتى لمس ذلك أعداءهم في الداخل، قائلين بأن الإخوان المسلمين أثروا في الشعب المصري؛ حتى تحولوا من إلقاء التحية من مساء الخير أو صباح الخير إلى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رصدوا ذلك التغيير في الشارع المصري، وانتشر الحجاب بسرعة كبيرة حتى أفراح الناس والحفلات، وفرق الأناشيد التي كانت بديلًا عن حفلات الرقص في الزواج.
قدموا للشعب المصري كل البدائل بما يتوافق مع الشرع الإسلامي قدر ما يستطيعون، حدثت تغييرات في المجتمع كبيرة جدًّا، الفرد المسلم، ثم البيت المسلم، ثم المجتمع المسلم، ولا يعني ذلك المسمى تكفير المجتمع بقدر حرص الإخوان المسلمين على استكمال الفرد من صفات أساسية تتوفر في المسلم تُستكمل بوسطية الإسلام وشموله وكماله، زاد الانتماء إلى الإخوان المسلمين وكثر عددهم، وشكلوا داخل مصر قوة هائلة بإمكانات هادرة في شتى المجالات، وكانوا رقمًا صعبًا استشعر خطره حسني مبارك ففتح لهم السجون، ولفق لهم القضايا، وكانت دائرة مغلقة وأبوابًا دوارة لاستنفاد طاقة الإخوان المسلمين، ووقف تمددهم، يدخل مجموعة للسجون ثم تخرج مجموعة أخرى، وهكذا.
لم تخل شمس يوم من أيام حكم حسني مبارك الذي استمر ثلاثين عامًا إلا وفي السجون مجموعات من الإخوان المسلمين، لم يكن مسموحًا رغم كل ذلك للإخوان المسلمين بتشكيل حزب سياسي مستقل، دخلوا في تحالفات مع كل الأحزاب المعارضة على مدار الحياة السياسية المصرية. اكتسب الإخوان المسلمون خبرة سياسية كبيرة جدًّا متراكمة عبر الأجيال، برزت قيادات سياسية ميدانية حتى وصل قطار الشعب المصري إلى محطة الثورة بعد فساد فاق كل التصورات، واستهتار بلغ حد الغرور، لم يخسر الإخوان المسلمون في مشاركتهم السياسية بقدر ما اكتسبوا نقاطًا أخرى وضعت دعوتهم على الساحة الدولية والإقليمية.
طغى الجانب السياسي على الجانب الدعوي بشكل ملحوظ، وبرز خلاف داخلي بين مسؤولي التربية ومسؤولي الملفات السياسية، هل يُقدم السياسي على الدعوي؟ من المفارقات أنه كانت تؤجل اللقاءات التربوية إذا تعارضت مع مواعيد سياسية؛ حتى نشأ جيل جديد في وسط الإخوان المسلمين يعتقد أن الإخوان المسلمين حزب سياسي وليست جماعة دعوية.
وللحديث بقية إن شاء الله..
(المصدر: موقع بصائر)