مقالاتمقالات المنتدى

رؤية في الحكم الوراثي

رؤية في الحكم الوراثي

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وبعد
فقد قال النبي ﷺ:”لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة”

ويخطئ من يظن أن النقض وقع بمجرد تحول الحكم إلى وراثي، والحق أن هذا التحول نقص لا نقض!

وما زال النقص حتى انتهى إلى نقض تام باستبدال شريعة الإسلام في الحكم بين الأنام!

وهذا النقص يستعظمه من شاهد تمام الأمر في حياة النبي ﷺ والراشدين، من الصحابة والتابعين،
ولكن من أدرك ما وقع في مراحل متأخرة من انحرافات هائلة أدت إلى تنكيس أعلام الشريعة، وتقسيم المحتلين للديار، وقيام الدول على أساسٍ من قوميةٍ تنابذ الإسلام بمكر استعماري- لا يرى ذلك النقص الذي وقع في القرن الأول وامتد إلى الآن عظيما!

ولقد عاش المسلمون قرونا متطاولة في دول متتابعة، حكمت فيها بيوتٌ وعائلاتٌ مسلمة في قوة من دينها، وتماسكٍ في مجتمعاتها، وتعظيمٍ لشريعة ربها، فسادوا الدنيا وساسوها بالدين.

وإن استجدت انحرافاتٌ كلما تقدم بالأمة عمر الزمان!
ولقد عرفت الأمة في تاريخها محاولات إصلاحٍ وتجديدٍ ديني وسياسي متعددة.
‏ومن تلك المحاولات الشرعية الأصيلة التي تكللت بالنجاح على يد العلماء الدعاة المجاهدين قديما وحديثا:
دولة المرابطين على يد عبدالله بن ياسين، والدولة السنوسية على يد محمد علي السنوسي،

وفي العصر الحديث سعت طالبان لتجديد العهد بتلك النجاحات التي تنتزع ولا تمنح!

وربما قامت حركات لم تدم في الحكم طويلا كالحركة المهدية على يد محمد أحمد المهدي.

كما قامت حركات تجديدية إصلاحية أثرت في الحكم وأهله، وإن لم تحكم، مثل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وحركة الشيخ عثمان بن فودي بغرب أفريقيا.

وعلى تفاوت ما بين تلك الحركات التجديدية من مناهج فقد سعت للإصلاح الشامل.
‏والمقصود الذي يراد في هذا السياق:
أن دولة معاوية رضي الله عنه، لا تمثل نقضا لعروة الحكم كما توهمه كثيرٌ من الدعاة في العصر الحديث، والفارق شاسع واسع بين النقص والنقض!

ووصف هذا الملك بالعضوض من العض على أصول الدين والدولة، أولى من مجرد تفسيره بالوراثي فحسب!
وما ورّثته المدرسة الإصلاحية بقيادة الأفغاني ومن بعده ومن تأثر بها من الطعن في تلك الدولة الأولى وما كان على نهجها لم يكن صوابا، وأما طعن الليبراليين فله أسباب معروفة!
فالدولة الأموية وأوائل العباسية دول خير القرون،

وإنما النقض لدولة أتاتورك العلمانية التي أسقطت الدولة العثمانية الجامعة بعد ضعفها، واستبدلت الشريعة ونكست راياتها، وكل من تابعها على ذلك النقض من الدول القطرية مما سمي بالدولة الحديثة!

وبناء عليه، فإن الإشكال الأعظم والمنكر الأكبر في الدول المعاصرة هو ترك الاحتكام الى الكتاب والسنة في التشريعات، والتقصير الكبير في حماية جناب الإسلام في المجتمع عقيدة وشريعة، وما ترتب على ذلك من إباحة وإتاحة للمنكرات، واستباحة للمخالفات، وانحراف في الولاءات، وغير ذلك من المؤاخذات.

ولو أن دولة قطرية تخلت عن تلك المفاسد جميعها، ولم يبق لديها إلا مسألة الحكم الوراثي لكانت دولة الإسلام حقا!
ولما ساغ لطوائف الدعاة ولا الأحزاب السياسية إلا أن يكونوا من جملة مؤيديها، ومن مدد عمالها الناصحين، وجندها المخلصين، فاللهم هيئ لأمتنا أمرا رشدا، يحكم فيه بكتابك وسنة نبيك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى عن المنكر، برحمتك يا ارحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى