رؤية المالية الإسلامية لمواجهة التحديات الاقتصادية لجائحة كورونا
بقلم الإمام محمد محمود
تتواصل الجهود العالمية لمعالجة الآثار الاقتصادية لوباء كوفيد 19 ، حيث تسببت الأزمة في مشاكل اقتصادية عديدة أدت لمعاناة إنسانية في العديد من الدول ، و قد دفعت هذه الوضعية المؤسسات المالية الدولية والإقليمية و الهيئات والمنظمات لاتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من حدة هذه الآثار.
مؤسسات المالية الإسلامية كجزء من المنظومة المالية الدولية قدمت رؤيتها لمعالجة التحديات التي فرضتها جائحة كورونا ، وجاءت هذه الخطوة بعد الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة لتضامن دولي على مستوى الأفراد والمؤسسات للمساهمة في تخفيف آثار كوفيد19 . تقدم المالية الإسلامية رؤيتها ضمن ثلاث محاور حددتها الأمم المتحدة وهي : معالجة الطوارئ الصحية ؛ التركيز على التأثير الاجتماعي في الاستجابة والتعافي ؛ ومساعدة البلدان على التعافي بشكل أكثر استدامة على المدى الطويل. تركز هذه المقالة على رؤية المالية الإسلامية لدعم المجهودات الدولية في التخفيف من الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا.
وسائل الدعم أثناء الطوارئ
تتميز المالية الإسلامية بامتلاك وسائل سريعة وفعالة لمعالجة الاختلالات التي تحدث أثناء الأزمات خاصة خلال فترة الطوارئ، حيث يمكن لهذه الوسائل معالجة الاختلالات على المدى القصير، من ضمن هذه الوسائل الزكاة ، حيث ساهمت مؤسسات الزكاة بفاعلية في البرامج دعم خطط الطوارئ الوطنية والدولية والمساهمة ضمن المنظمات الحكومية وغير الحكومية في معالجة المشاكل الاقتصادية الناجمة عن الكوارث والأوبئة في العديد من دول العالم، حيث أن الاستجابة الفورية للزكاة تتماشى مع واقع الأزمات، كما أن تركيز الزكاة على الطبقات الفقيرة التى دائما ما تكون أكثر تأثرا بالأزمات و الأوبئة يجعلها من ضمن الوسائل الأكثر قدرة على امتصاصها.
من النماذج في هذا الإطار الشراكة الاستراتيجية بين الأمم المتحدة و الوكالة الوطنية الأندونيسية لجمع الزكاة التي تأسست منذ عام 2017 مثالا حيا على الدور الذي تقوم به المالية الإسلامية في معالجة الأزمات، و هذا التعاون هو مثال أيضا على كيفية قيام مؤسسات الزكاة في العالم بربط أعمالها بأهداف التنمية المستدامة بشكل منهجي أكثر فاعلية ، بما في ذلك الاستجابة للأزمات.
إن قدرة المالية الإسلامية على لعب دور فعال ومنهجي في معالجة الأزمات جعلها محل ثقة وتقدير من المؤسسات الدولية وتتويجا لذلك ، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع منتدى الزكاة العالمي في عام 2019 مشروع شراكة للتدخل في عدة أزمات، وهكذا تتفاعل تدخلات التى تقوم بها مؤسسات المالية الإسلامية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أجل المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفي التدخل السريع خلال فترة الأزمات.
سياسة التعافي على المدى المتوسط
تقدم مؤسسات المالية الإسلامية عدة حلول تمويلية في التجارة والخدمات وغيرها من قطاعات الانتاج وهذه الآليات الرئيسية يمكن من خلالها للمصارف و مؤسسات المالية الإسلامية دعم الانتعاش وتحقيق التعافي للاقتصادات التى تعاني من أزمات في المدى المتوسط، ويميز هذه الاستراتيجية مواءمتها مع أهداف التنمية المستدامة وبذلك تحقق فرصة كبيرة للمصارف الإسلامية في أن تصبح جزءا من الآليات الدولية لمواجهة المخاطر الاقتصادية في زمن الأزمات.
وكان للمالية الإسلامية تجارب مميزة في مجال الشراكة مع المنظومة الدولية لمواجهة المخاطر ففي عام 2018 ، أطلقت مجموعة البركة المصرفية تعاونًا مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يسعى إلى مواءمة أكثر من 600 مليون دولار أمريكي من محفظته التمويلية مع أهداف التنمية المستدامة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأوروبا ، على نفس المنوال وفي ظل جائحة فيروس كورونا وما خلفته من تأثيرات اقتصادية يكون مثل هذه المبادرات أكثر إلحاحا.
إن تبني سياسة دعم الاستثمار المؤثر – الاستثمار الخاص الذي يعطي الأولوية للشركات ذات التأثير الاجتماعي – يمكن أن يلعب دورًا مركزيًا في التعافي الاقتصادي في المدى المتوسط، لذلك فإن تميز المالية الإسلامية و انجازاتها على المستوى الاجتماعي جعلها من ضمن الخيارات الدولية لمواجهة الأزمات.
سياسة التعافي على المدى الطويل
تقدم المالية الإسلامية حلولا فعالة لتجاوز الأزمات على المدى الطويل ، حيث يمكن أن تشكل الصكوك المتوافقة مع أهداف التنمية المستدامة مصدراً هاماً لرأس المال طويل الأجل للحكومات والشركات في مواجهة آثار جائحة كوفيد 19 .
إن التجارب السابقة في استخدام وسائل التمويل الإسلامي كالصكوك لمواجهة الأزمات زادت من الثقة في المالية الإسلامية ، فمثلا قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع حكومة إندونيسيا باصدار صكوك خضراء بقيمة 1.25 مليار دولار أمريكي في عام 2018.
وتشكل هذه الشراكة دليلا مهما على كيفية مشاركة الجهات المصدرة للصكوك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتحديد آثار هذه الصكوك على أهداف التنمية المستدامة ، وتوفر هذه الشراكة عقدًا من التمويل لخطة إندونيسيا الوطنية لأهداف التنمية المستدامة. كما عقد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، من خلال مبادرة الصكوك الخضراء ، ورش عمل ومؤتمرات مكنت من التواصل مع شركاء في ماليزيا وباكستان وخارجها. وبما أن وباء كورونا جعل التمويل الطويل الأجل للتنمية أكثر أهمية ، فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يمكنه المساعدة من خلال هذه الصكوك.
يحتاج العالم اليوم لطرق سبل جديدة للمساعدة في معالجة آثار كوفيد 19 والاستثمار في التنمية المستدامة، يمتلك التمويل الإسلامي الأدوات اللازمة والفعالة لكل مرحلة من مراحل الاستجابة للتعافي الاقتصادي، وقد اعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه على استعداد لمساعدة البلدان عبر شراكات تستخدم هذه الآليات لمواجهة آثار الجائحة.
(المصدر: إسلام أونلاين)