بقلم عماد عنان
كادت المعاملات الربوية، أن تعصف بالنظام الاقتصادي العالمي بأكمله، لاسيما المالي منه، ولعبت دورا مؤثرا في تراجع حركة الاقتصاد الدولي بشتى فروعه ومجالاته، مما لفت انتباه بعض الباحثين والدارسين، إلى المعاملات الاقتصادية الإسلامية، وبالتالي إلى دراسة وتطبيق نُظُم الاقتصاد والتمويل الإسلامي.
وقد أخذتْ عدة جامعات غربية هذا الأمر بجدية، أدَّتْ بهم إلى الموافَقة على منْح درجة للماجستير في الاقتصاد الإسلامي، في شتراسبورج بآلمانيا، بدءًا من 2008 وقبلها في باريس، هذا إلى جانب ظُهُور عدة دراسات، تشرح للقارئ الغربي مفاهيم الاقتصاد الإسلامي، منها هذا الكتاب الذي نعرضه، والذي يحمل عنوان: “التمويل الإسلامي مقدمة في النظرية والتطبيق”، والصادر باللغتين الانجليزية والفرنسية للكاتب “ميشيل مالكنيشت”، الذي يعمل رئيسًا لمستشاري إحدى شركات البرمجيات، العاملة في حقل صناعة التمويل، والمهتمة بالتمويل الإسلامي، وهو أحد المهْتمين بدراسة مظاهر وجود الاقتصاد الإسلامي في أوروبا.
يعرض الكتاب بالتفصيل المعامَلات الاقتصادية في الشريعة الإسلامية، كما يعرض وجهة نظر الغربيين وخُبراء الاقتصاد، في إمكان إدخال هذه القوانين الإسلامية إلى النظُم المصرفية الغربية عامة، والألمانية على وجْه الخُصُوص.
أهمية التمويل الإسلامي
يُحدد الكاتب أهمية تناول “التمويل الإسلامي” من خلال هذا الكتاب، عن طريق الإجابة على سؤالين أساسيين هما: مَن الذي يقدم خدمة الاقتصاد الإسلامي؟ ولمن نقدم الاقتصاد الإسلامي؟، ويجيب الكاتبُ عن السؤال الأول بأن جميع المؤسسات التأمينية والمصرفية والاستثمارية في أوروبا – بغضِّ النظر عن حجْمها – تحتاج إلى تقْديم خدمات التمويل الإسلامي، وبالتالي إلى معرفة نظمه وقوانينه، ونظرًا لعدم وجود “دليل استخدام” – على حد تعبير الكاتب – لهذا الأمر، فقد ألّف هذا الكتاب؛ ليكونَ مقدمة لمعرفة وإحلال المعامَلات الإسلامية في المجال الاقتصادي في أوروبا، وألمانيا على وجْه الخصوص.
بينما أجاب عن سؤال: لِمن نقدم الاقتصاد الإسلامي؟ بإحصاءات عن عدد المسلمين في أوروبا، وبالاستدلال على أهمية استهداف الجماهير، التي أصبحتْ ترفض بعض المعامَلات المصرفية؛ لأنها لا توافِق الشريعة الإسلامية، سواء كانوا في الشرق الأوسط أو غيره، غير أن من الملفت للنظر، أن الكاتب أشار إلى أن العمل بنظم الاقتصاد الإسلامي لا يستهدف المسلمين فحسب، “بل إن غير المسلمين أصبحوا يقبلون على المعاملات الإسلامية، بأعدادٍ لا تقل عن أعداد المسلمين، إن لم تزد عليها، كما أَوْضحت التجربةُ في الأسواق الأسيوية وشرق الأوسطية”.
المفاهيم الاقتصادية برؤية شرعية
يعرض الفصلُ الأول للمفاهيم الاقتصادية من الناحية الشرعية، فيعقد موضوعًا عن المنهيَّات الأساسية في مجال المعاملات، وهي الربا، والغرر، والميسر أو المقامرة، ثم يتناوَل مفهوم العقْد في الإسلام، ومفهوم الوفاء بالعهد في المعاملات التجارية، ويشير الكاتبُ إلى آراء المجامِع الفقهية المنتشرة في أوروبا وفتاواها، حول قضايا الاقتصاد الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالجالية المسلمة المقيمة في أوروبا.
تنامي العمل بالاقتصاد الإسلامي
يتناول الفصل الثاني رصْدًا لظاهرة تنامِي العمَل بالاقتصاد الإسلامي، في أنحاء العالَم الإسلامي والأوروبي، كما يُشير إلى أهم المؤسسات الاقتصادية، التي تُقدم معاملات متفقة مع الشريعة الإسلامية، ويُخصص الكتاب موضوعًا مستقلاًّ عن الاقتصاد الإسلامي، وانتشاره في السوق الأوروبي، مع مزيد عناية بالسوق الألماني على وجْه الخصوص.
العقود الاقتصادية في الإسلام
ويُقَدِّم الفصل الثالث، صورة تفصيليَّة للعقود الأساسية في الإسلام، فيعرض لأبواب المضاربة والمشاركة والإجارة، وبيع الأمانة أو المرابحة، كما يعرض للعقود المؤقتة؛ مثل: السَّلَم، والاستصناع، بالإضافة إلى دراسة “المشتقات الإسلامية لإدارة المخاطر”، والمقصود بها تلك العقود المبنية على عقود شرعيَّة، بغرَض تخفيف المخاطرة الناتجة عن تقلُّب الأسعار، واضطراب الأسواق الذي يُهَدّد رؤوس الأموال، ويدْفع بالأسواق المالية إلى الكساد والهبوط.
التطبيقات المصرفية
ويصل الكتابُ في الفصل الرابع، إلى التطبيقات الإسلامية في البنوك، مُتناولاً: “المنتجات المصْرفية الإسلامية”، والأسْهُم الإسلامية “الصكوك”، بالإضافة إلى “المنتجات الإسلامية المُهَيْكلة”، و”صناديق الاستثمار الإسلامية”، كما يتناوَل مفهوم التأمين الإسلامي “التكافلي”.
لقي الكتاب اهتمامًا مِن قِبَل الجهات المصرفية في ألمانيا؛ حيث اعتبر الدكتور “هارتموت كيلينج”، الأستاذ والمؤرخ الاقتصادي، أن الكتاب “قد أوضح بدقَّة وبصورة شاملة حقائق كانتْ ملتبسة عن التمويل الإسلامي، من وجهة نظر الخبراء الاقتصاديين الغربيين، دون أن يغفلَ الأساس الديني
المصدر: المتلقى الفقهي.