مقالات مختارة

رأي الشيخ القرضاوي في قضية التورق

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد التحية/ أريد أن أعرف حكم التورق في الإسلام، ورأي الإمام يوسف القرضاوي من قضية التورق، خصوصاً أني رأيت اختلافا بين العلماء فيه، ما بين التحريم والإباحة.

الجواب:

لقد تعرضت لذلك في كلامي عن الحيل في كتابي (القواعد الحاكمة لفقه المعاملات)، ومما قلته هناك ما يلي:

(أصدرت مجلة الاقتصاد الإسلامي، التي يصدرها بنك دبي الإسلامي – في الأمارات العربية المتحدة – عدداً خاصاً بمناسبة انعقاد مؤتمر (مجمع الفقه الإسلامي الدولي) في دورته التاسعة عشرة مؤخَّراً بإمارة الشارقة في دولة الإمارات. هو العدد (339) في جمادي الأخرة 1430هـ – يونيو 2009م.

وكان مما أثارته المجلة عن (التورق المصرفي) قولها: ومن بين الموضوعات المهمة التي ناقشها المؤتمر: موضوع التورق المصرفي، أو التورق المنظم الذي تمارسه بعض المصارف الإسلامية، هذا الموضوع الذي كان مثار اهتمام الفقهاء، خاصة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة قراراً بتحريمه في دورتيه الخامسة عشر والتاسعة عشرة.

وقد شهدت هذه الدورة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي مناقشات مطولة حول الموضوع، وقدم فيه نحو 15 بحثاً بين مؤكِّد على تحريمه وبين مُجيز له بضوابطه، وقدَّم كلٌّ من الفريقين أسانيده الشرعية حول هذه المعاملة.

ومن أبرز البحوث التي قدمت حول التورق بحث للدكتور وهبة الزحيلي، الذي أكد أن التورق حيلة للربا، حيث إن مقصود المشتري ليس الشراء فعلاً، بل مقصوده دراهم لحاجته إليها وقد تعذَّر عليه أن يستسلف قرضاً أو سلماً، فيشتري سلعة ليبيعها ويأخذ ثمنها.

وأكد الدكتور الزحيلي أن هذه حيلة محظورة وهي من الحيل الممنوعة شرعاً، فهي تشتمل على الربا الحرام، بل إن التورق تمويل بفائدة أعلى بكثير من عقود الربا لقول ابن تيمية رحمه الله: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدني وتبيح ما هو أعلى منه.

وأشار الدكتور الزحيلي إلى أن التورق المنظم الذي تمارسه بعض المصارف الإسلامية يعدُّ تمويلاً بفائدة أعلى بكثير من الفائدة المصرفية في البنوك التقليدية، والمصرف هو الذي يقوم بالدور كاملاً؛ من عقد صوري هو البيع والشراء والتسليم والتسلم الصوري، وأما العميل فيقتصر دوره على التوقيع على الأوراق وتوكيل البنك بممارسة الأعمال المطلوبة.

وخلص الدكتور وهبة الزحيلي إلى أن التورق يختلف عن العينة في الاصطلاح؛ فالعينة: هي شراء سلعة بثمن أجل، وبيعها إلى البائع الأصلي بثمن نقدي. والتورق هو شراء سلعة بثمن آجل مساومة أو مرابحة، ثم بيعها إلى غير من اشتريت منه للحصول على النقد بثمن معجَّل أو حال. وكلاهما في الواقع من ذرائع الربا، وذلك يشمل بيع العينة والربا الصريح، وفسخ الدين بالدين أو قلب الدين ونحو ذلك الذي هو تطبيق لقاعدة الجاهلية (إما أن تقضي وإما أن تُربي). واختلاف الشخص الذي يباع له مرة ثانية دفع جماعة من الفقهاء إلى القول بمشروعية العينة والتورق العادي لا المصرفي، ورجحت القول بجوازه في حال الضرورة القصوى أو النادرة حيث لا يقصد به التحيل على الربا. أ هـ.

المجمع يقرر تحريم التورق المصرفي المنظم:

ومما أحمد الله تعالى عليه: أنَّ مجمع الفقه الإسلامي، قد تبنَّى الاتِّجاه الصحيح في مسيرة المصارف الإسلامية، وقاوم الشكلية والصورية، التي يدافع عنها بعض إخواننا غفر الله لهم، وأصدر قراره التاريخي بتحريم التورق المصرفي المنظم.

وأكد بذلك ما قرره المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي من قبل.

وهذا نص قرار المجمع:

قرار رقم 179(5/19) بشأن: التورق: حقيقته، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم) قرر ما يلي:

أولا: أنواع التورق وأحكامها:

1- التورق في اصطلاح الفقهاء: هو شراء شخص (المستورق) سلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها نقداً بثمن أقل غالباً إلى غير من اشتُريت منه بقصد الحصول على النقد. وهذا التورق جائز شرعاً، شرط أن يكون مستوفياً لشروط البيع المقررة شرعاً.

2- التورق المنظم في الاصطلاح المعاصر: هو شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجَّل يتولى البائع (المموّل) ترتيب بيعها، إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك، وذلك بثمن حال أقل غالباً.

3- التورق العكسي: هو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل.

ثانيا: لا يجوز التورقان (المنظم والعكسي) وذلك لأن فيهما تواطؤاً بين المموِّل والمستورق، صراحة أو ضمناً أو عرفاً، تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا.

ويوصي بما يلي:

أ- التأكد على المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية باستخدام صيغ الاستثمار والتمويل المشروعة في جميع أعمالها، وتجنُّب الصيغ المحرَّمة والمشبوهة التزاماً بالضوابط الشرعية بما يحقق مقاصد الشريعة الغراء، ويجلي فضيلة الاقتصاد الإسلامي للعالم الذي يعاني من التقلبات والكوارث الاقتصادية المرة تلو الأخرى.

ب- تشجيع القرض الحسن للمحتاجين للجوء للتورُّق. وإنشاء المؤسسات المالية الإسلامية صناديق للقرض الحسن) انتهى.. والله الموفق.

المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى