
ذكر الله حياة الروح والجسد
بقلم د. وائل بن أحمد الهمص ( خاص بالمنتدى)
إن من رحمة الله عز وجل بعباده أن يصنعهم صناعة تؤهلهم لما هو قادم وتهيؤهم روحيا وجسديا ونفسيا، أو بمعنى آخر ماديا ومعنويا، وقد لمسنا ذلك ولاحظناه ونحن نعيش حرب غزة، حيث عانى الناس من الفقد والقتل والتشريد والنزوح والخوف والجوع وغير ذلك، ولولا لطف الله وعنايته لما استطاع الناس أن يصبروا على ذلك ويتحملوه… ومن ذلك ألم الجوع الذي يعصف حاليا بالناس عصفا، في حادثة إجرامية تعد الأولى من نوعها في حجمها وقساوتها وشدتها في العصر الحديث…. وللأسف يشارك في هذا التجويع لأهل غزة من ينتسبون لأمة الاسلام ظلما وزورا وعلى رأسهم النظام المصري والأردني…. على كل حال… هذا الجوع الذي يعصف بنا هو محض رحمة إلهية ليؤهلنا لما هو قادم من أحداث عظام… الله عز وجل يصنعنا إيمانيا (روحيا)، ويصنعنا جسديا ونفسيا… يصنعنا روحيا؛ لأن الشبع يورث الغفلة وقسوة القلب وضده الجوع يورث رقة في القلب وخشية وقربا من الله عز وجل، ولذا كان هذا مقصد الصوم وهو تحقيق التقوى، فالإنسان حال الجوع يكون قربه من الله أكثر من حال الشبع. وكذلك يصنعنا الله عز وجل جسديا ونفسيا، وذلك لأن الأجساد تكون قد تعودت على القلة والجوع مع مر الأيام، وكذلك تهيأت النفسيات لقبول ذلك وعدم الضجر والجوع خاصة وهي تشاهد أولادها وأحبابها يتضورون جوعا… ومع ذلك علينا ألا نستسلم لذلك وعلينا أن ندفع عن أنفسنا وأهلنا وأولادنا هذا الجوع وهذه الشدة، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي يرويه عنه ابن عباس رضي الله عنهما كما عند الحاكم وصححه الألباني : (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه). فكيف بشعب مسلم كامل جائع وجيرانه المسلمون هم سبب في تجويعه، والله المستعان… فالواجب على كل مسلم أن يدفع هذا الجوع عن إخوانه…
وإلى أهلي وإخواني في غزة أنصح نفسي وإياهم بطلب الغوث من الله عز وجل والاستعانة على هذا الجوع بكثرة ذكر الله عز وجل، فإن ذكر الله حياة للروح والجسد، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد ذلك خاصة أيام الدجال أعاذنا الله وإياكم من فتنته، فقد أخرج أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وإنَّ قبلَ خروجِ الدَّجَّالِ ثلاثَ سنواتٍ شِدادٍ، يُصِيبُ الناسَ فيها جُوعٌ شديدٌ، يأمرُ اللهُ السماءَ السنةَ الأولى أن تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِها، ويأمرُ الأرضَ أن تَحْبِسَ ثُلُثَ نباتِها، ثم يأمرُ السماءَ في السنةِ الثانيةِ فتَحْبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِها، ويأمرُ الأرضُ فتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نباتِها، ثم يأمرُ السماءَ في السنةِ الثالثةِ فتَحْبِسُ مطرَها كلَّه، فلا تَقْطُرُ قُطْرةً، ويأمرُ الأرضَ فتَحْبِسُ نباتَها كلَّه فلا تُنْبِتُ خضراءَ، فلا يَبْقَى ذاتُ ظِلْفٍ إلا هَلَكَت إلا ما شاء اللهُ، قيل: فما يُعِيشُ الناسَ في ذلك الزمانِ؟ قال: التهليلُ، والتكبيرُ، والتحميدُ، ويُجْزِئُ ذلك عليهم مَجْزَأَةَ الطعامِ). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدا يكون بين يدي الدجال، فقالوا: أي المال خير يومئذ؟ قال: غلام شديد يسقي أهله الماء، وأما الطعام فليس. قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: التسبيح والتكبير والتهليل. قالت عائشة: فأين العرب يومئذ؟ قال: العرب يومئذ قليل. رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح.
ولعل السر في كون ذكر الله عز وجل يعين على تحمل الجوع أن ذكر الله ذكر للباقي الذي لا يفنى وللحي الذي لا يموت، ولذا لما كانت الجنة دار خلد لا فناء فيها أُلهِـم أهلها ذكر الله كما نُلهَم نحن النفَس في الدنيا، فعند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وصف أهل الجنة: (يُلهَـمون التسبيح والتحميد والتكبير كما تُلهمون النفس).
فلما كانت الدنيا دار فناء كان نفَس الخلق فيها من جنس ما يفنى وهو الهواء، ولما كانت الجنة دار نعيم وبقاء كان نفس أهلها متعلق بما لا يفنى وهو ذكر الله عز وجل.
وعليه من أراد أيضا القوة والقدرة وتجاوز كل شدة وصعب في الدنيا فليعمد إلى ذكر الله فإنه الحياة التي لا موت فيها والقوة التي لا ضعف فيها….
أطعمنا الله وإياكم من خيري الدنيا والآخرة، وصرف عنا وعنكم كل أذى وشدة وشر.
إقرأ أيضا:التأصيل لخذلان غ زة !!!(١3)