ذكريات ومراسلات مع شيخنا الديلمي طيَّب الله ثراه
بقلم الشيخ محمد المثيل (خاص بالمنتدى)
العَلم اليماني والعلامة الرباني صاحب المؤلفات النافعة والعلوم الواسعة والكلمات الجامعة، ومنها كتابه الشهير (جناية أدعياء الزيدية) شيخنا البروفيسور/ عبد الوهاب الديلمي يترحل عن دنيانا مهاجرًا بدينه مجاهدًا بكلمته صادعًا بالحقِّ صابرًا محتسبًا
في مدنية اسطنبول التي كانت ولا زالت مهاجَر كثيرٍ من العلماء والدعاة والمصلحين والمظلومين طوال قرون طويلة من الزمان
ذات مرة قبل عامين تقريبًا في طريق عودتي من جامعة اسطنبول مررتُ بجوار الأسوار الخارجية لجامع السلطان محمد الفاتح عليه الرحمات والرضوان فلاح لي في ساعة الضحى رجلٌ واقف منزوٍ يكاد يلتصق بجدار الأسوار! في شارع فوزي باشا وعليه هيئة غير معهودة في هذه المدينة العالمية!! ولاحظت عليه لحفةً يمنيةً مع ثوب و”كوت” فقلتُ “في نفسي”: أكيد هذا شيبة يمني.
ولما اقتربتُ منه وهو واقف وحده سلمتُ عليه، فلمَّا التفتُ تفاجأتُ بشيخي الديلمي بصورته المشرقة ووقاره وسمته وورعه فصافحته موقرًا وسألته عن أحواله فحمد الله..
وسألني عن حالي فأخبرته أنني بجامعة اسطنبول لتحضير الماستر الثاني فسعد بذلك واستبشر
وما هي إلا لحظات حتى أقبل إلينا مرافقُه ليأخذه إلى سيارته حيث كان في انتظاره
أخذت رقمه واستمر تواصلنا..
وكنت أبعث له ما أكتبه فيعلق عليه وينصح أو يثني وكنت أعجب من تجاوبه وتفاعله رغم كثرة انشغاله وكبر سنه في حين لم يكن يتجاوب مع رسائلي الجماعية كثير ممن هم دونه علما ومكانة وعملا؟!
ولحسن الحظ أنني لم أحذف رسائل الواتساب منذ أكثر من عامين، وهذه وإن كانت سلبية “حتى في وجهة نظري” إلا أنَّ لها فوائد وثمار في بعض الأحيان ومنها أنها ظلت في الذاكرة ذكريات عاطرة لبعض من رحلوا من الأحبة إلى ديار الخلود برحمة الملك المعبود رب الوجود
وقد عدت إليها لأتفقدها بعد وفاة شيخنا الديلمي فوجدتها كاملةً؛ فأردت أن أختار لكم منها زبدة طرية وخلاصة ثرية فإليكموها:
في يوم ٢ ابريل ٢٠٢٠م وصلني رد منه -رحمه الله- على قصيدتي (أحلام يقظان في زمن الحرمان “كورونا”)
أحسنت أبيات جميلة
إلا أن قدر الله تعالى في نزول هذا البلاء على العباد ليس وهمًا:
(وربك يخلق ما يشاء ويختار)
وكان ردي عليه:
بارك الرحمن بكم والدنا وشيخنا حفظكم الله ورعاكم
إنما قصدتُ من يبالغ في الخوف حتى يصل إلى مرحلة الوهم
وجاء رده رحمه الله:
الخوف ينبغي أن يذكر للناس ان منه ما هو محمود وهو الذي يحمل على فعل الطاعة وترك المعصية دون قنوط من رحمة الله تعالى
وكان ردي عليه
أحسن الله إليكم، ومتعنا بصحتكم
سعيد جداً بملاحظتكم وتكرمكم بقراءة الأبيات
حفظكم الله ورعاكم
وجاء رده عليَّ: بارك الله فيك
وفي يوم ٩ أبريل ٢٠٢٠م وصلته مني رسالة جماعية:
إنَّ “العالم الأوّل” الذي استطاع أن يرسّخ في عقولنا أنّ التّقدم الحضاري مشروط بشروط أهمهما:
- ضرورة معاداة علماء الإسلام لأنّهم سبب في تخلفنا وعائق عن تقدمنا.
- وجوب التخلي عن الدين وعلومه فلا دور لها في حضارة ولا مستقبل، بل هو سبب للأزمات والتخلف.
- خروج المرأة سافرةً فاتنةً لتعمل كلّ ما تشاء وبلا قيود.
بدأ يغيّر مفاهيمه..
فكان رده علي
التقدم الذي وصل إليه الغرب لا يوصف بالحضارة لأنه مجرد إبداع مادي ولما كان مفلسا في جانب الأخلاق أفلس في جانب الحضارة.
وفي يوم ٢٢ يونيو ٢٠٢٠م
أرسلت له هذه الأبيات:
ويأتيك لطفٌ من لدنه فينجلي
عن الصدر همٌ جاثم قطّع النّفس
فلا تبتئسْ فالنائباتُ وإن قستْ
هدايا من الفعَّال في طيّها قبسْ
فلو أدرك الروحْ المعذبُ سرَّها
لما ضاق ذرعا في زواياه وانحبس.
فرد عليه رحمة الله:
عند توافر التقوى عند العبد يأتي الفرج من الذي لا يخلف وعده وهو القائل:
(ومن يتق الله يجعل له مخرجا…)
فرددت عليه:
ونعم بالله نعم المولى ونعم النصير
بارك الله فيكم سعادة أستاذنا العزيز
نطلب منكم الدعاء بالذرية الطيبة الصالحة
فرد عليّ:
نسأل الله تعالى أن يرزقك ذرية طيبة صالحة تسعد بها ويسعدون بك في الدنيا والآخرة.
وفي ٨ يوليو ٢٠٢٠م
أرسلتُ إليه هذه الرسالة مع جملة من علمائنا وفضلائنا:
ترشحت في الجمعية العالمية للأكاديميين العرب بتركيا-اسطنبول لعضوية المكتب التنفيذي، ونلت الثقة بحمد الله تعالى، وتم تعييني مسؤولاً لمكتب الأنشطة والتدريب وذوي الاحتياجات الخاصة
أتمنى أن يكون هذا سبيلاً للخير والنماء والنهضة لأمتنا وأوطاننا
وسبباً لنجاحي في هذه التجربة الجديدة
في مسيرتي العلمية الأكاديمية والعملية
ألتمس منكم الدعاء لي بالتوفيق والنجاح وتقديم أفضل ما لدي وعكس أجمل صورة عن اليمن الميمون المبارك، حفظكم الله ورعاكم وأدام عزكم وزاد فضلكم
فرد عليَّ بقوله:
نسأل الله تعالى أن ينفع بك وأن يرزقك الإخلاص لوجهه الكريم.
وفي يوم ١٢ أغسطس ٢٠٢٠م بعث إليّ بصور لمنشورات شخص يهاجم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه باسم اليمن واليمنيين والقومية اليمنية
فرددتُ عليه:
أستغفر الله العظيم
لا حول ولا قوة الا بالله
هذا لا يمثل إلا نفسه الحاقدة الأثيمة
فرد عليّ رحمه الله بقوله:
بل ويمثل كل أفاك أثيم.
يوم ٣١ يناير ٢٠٢١م
أرسلت له على الخاص “رسالة جماعية” بيتين من الشعر هما:
والفضل لولا أهلُه
ما كان للتالي مكانا
يكفي المُريد أقلُّه
ليصير عن ياسٍ مصانا
فرّد -رحمه الله- بقوله:
لولا الله
وكلمة: مكانا. خطأ
والصواب: مكان
فرددت عليه:
صدقتم وبررتم هذا هو الصواب
بوركتم سعادة البروفيسور
وعملت مقطعا صوتيا أوضح فيه قصدي
فرد عليَّ -رحمه الله- بقوله:
هذا الكلام ينبغي أن يسمعه كل من أرسلت له المقطع السابق حتى
يعرف السبب في كونك نسبت الفضل لغير الله
فرددت عليه بقولي:
سأحاول صياغته في نص
وهذا هو النص:
بالنسبة لقولي لولا أهله لا شك أن الفضل أولا لله لكن هذا جاء بصدد الرد على أحد الأخوة هو أثنى على شيخ فرددت على ذلك للمناسبة يعني ولا شك أن الفضل أولا وأخيرا لله تعالى ثم..
فهناك تقدير في اعتقادي أن هناك تقدير أن الفضل أولا لله ثم الفضل بعد ذلك لأهله ممن يتفضل على الناس بعلمٍ، أو عمل أو دعوة أو غير ذلك بارك الله فيكم.
ويوم ١٣ فبراير ٢٠٢١م
أرسلت له على الخاص برابط مقابلة الأستاذ المهندس أحمد شرف الدين وسألته:
شيخنا الحبيب المبارك
هل تابعتم مقابلة الأستاذ أحمد شرف الدين
وما رأيكم بها؟
فرد عليّ -رحمه الله- بقوله:
لم أتابعها وكثير مما ينشر صرت
لا أتابعه لكثرة الغثاء الذي ينشر
اليوم.
وكنت قد بدأت في السماع لمقابلة
الأخ أحمد شرف الدين، ولكني فوجئت بإعلانات فيها صور نساء سيئة المظهر فأغلقت المقطع وعزمت على عدم متابعته خوفا من الوقوع في الإثم والله المستعان
ثم قال:
وقد فضلت حذف المقطع فحذفته
فرددت عليه:
أعانكم الرحمن ووفقكم وبارك فيكم
وفي يوم ١٤ مارس ٢٠٢١م
أرسلت له على الخاص رسالة جماعية أبعثها خصوصا لعلمائنا الأجلاء تساءلت فيها:
علماؤنا الأجلاء (توحيد الكلمة) ما أهميته في هذه اللحظة الراهنة؟
فرد عليَّ -رحمه الله- بقوله:
توحيد الكلمة
يفتقر إلى الصدق
مع: كلمة التوحيد
فقلت له:
صدقتم وبررتم شيخنا المفضال المبارك
وفي بداية هذا الشهر يوم 1/ مايو/2021م بعثتُ إليه كبقية مشايخنا الأجلاء أطلب منهم الدعاء لوالدتي شفاها الله،
وأستشيره فكان هذا رده ودعاؤه ومشورته:
أسأل الله تعالى أن يمن على والدتك بالشفاء العاجل وان يكتب اجرها وأن يرفع عنها البلاء
وأن يختار لك من أمر سفرك إليها ما فيه خير لك في دينك ودنيا
وبعدها بثلاثة أيام بالتحديد 4/مايو تفاجأت بخبر مرضه فتواصلتُ بابنه يونس وقال لي أنه في العناية المركزة
تملكني إحساس أنه رحيله قريب والله المستعان فإنا لله وإنا إليه راجعون
بكت حروفُ القلمِ
لفقدِ شيخٍ عَلمِ
وكم بنا من ألمِ
بموتِ نجمٍ ديلمي
عاش أبيًّا صادقا
مضى نصوحا مُشفقا
يغتال فكرا آبقا
لم ينحنِ للظالِمِ
قد كان فينا مشعَلا
وللعلوم موئلا
وكم تبنَّى محفلا
لرفع شانِ المسلمِ
يا ربَّ فاجعل قبرَهُ
روضًا وقدس سرّهُ
وأرفع بعدْنٍ قدره
جوار خيرِ ملهِم
اللهم ارحمه رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة بفضلك ورحمتك.
محمد عبده صالح المثيل
إسطنبول 1/6/2021م 20 شوال 1442م